أولاً: الخلفية والسياق
اندلعت الحرب بين إسرائيل وإيران في 13 يونيو 2025، وتوقفت في 24 يونيو بعد تدخل عسكري أميركي ضخم ضد منشآت نووية إيرانية، أعقبه اتفاق وقف إطلاق نار أُعلن عنه من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب. أنهى هذا الاتفاق مواجهة عسكرية خاطفة لكنها شديدة الدلالة، وفتحت الباب واسعاً أمام تحولات كبرى في موازين القوى الإقليمية وشكل النظام الشرق أوسطي القادم.
ثانياً: التأثيرات الاستراتيجية المباشرة للحرب
تقويض التفوق العسكري الإسرائيلي المطلق:
رغم الغارات العنيفة التي شنتها تل أبيب ضد أهداف إيرانية، كشفت الضربات الصاروخية الإيرانية قدرة طهران على تهديد العمق الإسرائيلي، ما وضع حداً لأسطورة "اليد العليا المطلقة" لإسرائيل، ورسخ معادلة "الردع المتبادل المحدود".
الضربة الأميركية المفصلية:
أعاد التدخل الأميركي تأكيد مركزية واشنطن كلاعب خارجي قادر على فرض خطوط حمراء، لكن مع إشارات إلى أن دورها أصبح أقرب إلى "الوسيط الحاسم" بدلاً من "الراعي المنحاز بالكامل"، وهو ما قد يفتح نافذة لدور دولي أكثر توازناً في الإقليم.
هشاشة النظام الإيراني وتآكل أذرعه:
الحرب كشفت ضعف بنية النظام الإيراني تحت الضغط العسكري والتقني المتفوق، وانكشاف أدواته الإقليمية، ما قد يدفعه إلى تبني استراتيجية دفاعية أكثر تحفظاً أو، على النقيض، إلى التسريع في الوصول إلى القنبلة النووية كوسيلة ردع نهائية.
ثالثاً: مواقف الأطراف الإقليمية والدولية
1. إسرائيل
ترى في نتائج الحرب فرصة لتصفية الحسابات مع إيران، وتوسيع نفوذها في الإقليم.
تسعى لإعادة هندسة الإقليم وفق رؤيتها الأمنية والعرقية، من خلال:
- نزع سلاح غزة ولبنان.
- تفكيك الأذرع الإيرانية.
- دعم الأقليات وتفتيت بعض الدول العربية.
- تصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير.
غير أن غرورها الاستراتيجي بعد الحرب قد يرتد سلباً، ويؤدي إلى تكتلات إقليمية مضادة.
2. إيران
خرجت ضعيفة عسكرياً، لكنها لم تُكسر سياسياً.
من المحتمل أن تعتمد مزيجاً من:
- استئناف برنامجها النووي.
- ترميم دفاعاتها.
- تعزيز الحضور غير المتناظر في ساحات مثل العراق واليمن.
الرأي العام الإيراني منقسم بين تأييد "المجابهة" واتهام النظام بالضعف والتفريط.
3. الولايات المتحدة
أثبتت قدرتها على فرض نهاية للحرب، لكنها تواجه تحدي التوازن بين:
- دعم إسرائيل.
- احتواء إيران.
- طمأنة الحلفاء العرب.
ستحاول واشنطن ربط المفاوضات النووية بإعادة ترتيب أوسع للمنطقة، بما يشمل تطبيعاً عربياً مع إسرائيل، وضبطاً لنفوذ إيران.
4. الدول العربية
أظهرت رفضاً للهجوم الإيراني على قطر، لكن أيضاً تحفظاً على العدوان الإسرائيلي على إيران.
هذا الموقف المزدوج يعكس رغبة في ضبط الإيقاع الإقليمي وتفادي التصعيد، مع بروز اتجاه لبناء محور عربي مستقل أمنياً وسياسياً.
تسعى بعض الدول العربية لإحياء فكرة "النظام الإقليمي الجماعي" بعيداً عن الاصطفافات الحادة.
رابعاً: ملامح الشرق الأوسط الجديد
1. توازن قوى هش، لا هيمنة مطلقة
انتهى زمن الهيمنة الإسرائيلية المطلقة، كما انتهى وهم "الهلال الشيعي المتماسك".
المنطقة تتجه نحو تعددية النفوذ وليس مركزية الهيمنة.
2. صعود الأدوار الإقليمية غير التقليدية
تركيا، باكستان، وبعض دول الخليج تتجه لملء الفراغ، ليس فقط عبر الاقتصاد، بل كقوى أمن إقليمي موازية.
3. تسارع مشاريع إعادة الإعمار والتطبيع الانتقائي
من المتوقع أن تربط الولايات المتحدة دعمها لإعمار غزة أو إيران بشروط سياسية، كوقف دعم "الميليشيات" أو الاعتراف بإسرائيل.
خامساً: السيناريوهات المحتملة
السيناريو |
الملامح |
الاحتمالية |
نظام إقليمي توازني برعاية أميركية |
احتواء إيران، وإعادة دمجها بشروط، مقابل كبح إسرائيل ودفعها نحو حل سياسي مع الفلسطينيين |
متوسط (40%) |
تفكك إقليمي تدريجي |
فشل الترتيبات، وتصاعد التوترات بين إسرائيل ودول الإقليم، واستئناف الحروب بالوكالة |
مرتفع (50%) |
انفراج مرحلي وتجميد الصراع |
اتفاقات جزئية (نووية – أمنية – حدودية) دون معالجة جذور الصراعات |
مرتفع (60%) |
سادساً: الخلاصة
الحرب الإسرائيلية الإيرانية مثّلت نقطة تحوّل تاريخية. لقد بدأت إسرائيل الحرب بسعي للهيمنة الكاملة، لكنها انتهت إلى شرق أوسط جديد لا تقرره تل أبيب وحدها، بل تتشاركه قوى عدة، داخلية وخارجية. لقد احترقت خريطة نتنياهو في نار الصواريخ الإيرانية، وظهرت حدود القوة، وحدود الدعم الأميركي، وحدود الاستعلاء القومي. الشرق الأوسط اليوم ليس أكثر استقراراً، لكنه أكثر وعياً بتكلفة المغامرة، وأكثر اتجاهاً لبناء موازين ردع وتفاهمات واقعية.