تقدير موقف

سيناريوهات وفرص محادثات وقف إطلاق النار في غزة

أثار القصف الاسرائيلي على قطاع غزة
أثار القصف الاسرائيلي على قطاع غزة

إعداد الباحثة: فتحية طارق

أولاً: التحركات الميدانية الإسرائيلية

التصعيد المتدرج: تتبنى إسرائيل استراتيجية تصعيد ميداني متزامن مع المفاوضات، حيث بدأت بعمليات إخلاء واسعة للسكان في شمال غزة تمهيداً للمرحلة الثانية من العملية البرية. هذا النهج يعكس محاولة لممارسة أقصى ضغط ممكن على حماس خلال المفاوضات.

السيطرة التدريجية: تشير التقديرات إلى سعي الجيش الإسرائيلي للسيطرة التدريجية على مناطق استراتيجية داخل القطاع، مع الاستعداد لوجود عسكري طويل الأمد. هذا يعكس تحولاً في الاستراتيجية الإسرائيلية نحو ترسيخ واقع جديد على الأرض قبل أي اتفاق نهائي.

الضغط العسكري كأداة تفاوضية: توظف إسرائيل العمليات العسكرية كورقة ضغط على حماس، مراهنة على أن تدهور الوضع الميداني سيدفع الحركة لتقديم تنازلات في المفاوضات

ثانياً: موقف حماس التفاوضي

مرونة محسوبة: أشارت بعض المصادر إلى "تغيير معين" في سلوك حماس التفاوضي، حيث قدمت عرضاً يتضمن وقفاً لإطلاق النار لمدة شهرين. هذا يعكس استعداداً من الحركة للتعامل بمرونة أكبر مع الوسطاء.

اشتراط الضمانات: تصر حماس على ضمانات أمريكية قوية لبدء مفاوضات جدية لإنهاء الحرب خلال فترة وقف إطلاق النار، ما يعكس انعدام الثقة في التزام إسرائيل بأي اتفاق طويل الأمد دون ضغط خارجي.

المراوغة الإسرائيلية: تبدي حماس شكوكاً في قدرة واشنطن على الضغط الفعال على نتنياهو للالتزام باتفاق شامل، لكنها قد تتجاوب مع صفقة جزئية إذا ضمنت أفقاً لتهدئة طويلة المدى.

ثالثاً: دور الوسطاء

تكثيف الضغوط الدبلوماسية: يمارس الوسطاء (مصر وقطر والولايات المتحدة) ضغوطاً متزايدة على الطرفين لكسر حالة الجمود، خاصة في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية.

الصفقة الجزئية: تتجه جهود الوساطة نحو تحقيق اتفاق مرحلي يتضمن وقفاً محدوداً لإطلاق النار مقابل إطلاق بعض المحتجزين، كخطوة أولى نحو اتفاق أوسع.

الضغط الإنساني: يستثمر الوسطاء الضغط الدولي المتزايد بشأن الوضع الإنساني الكارثي في غزة للدفع نحو اتفاق سريع.

رابعاً: الوضع الإنساني الخطير

  • المجاعة الوشيكة: تحذر وكالات الإغاثة الدولية من خطر مجاعة حقيقية في غزة، مما يضيف عنصراً ضاغطاً على مسار المفاوضات.
  • أزمة النازحين المتعددة: أدت عمليات الإخلاء الجديدة إلى تفاقم أزمة النزوح الداخلي، مع تقلص المساحات الآمنة للمدنيين في القطاع.
  • تعطل المساعدات الإنسانية: يؤدي استمرار العمليات العسكرية إلى تعطيل وصول المساعدات الإنسانية، مما يفاقم المأساة الإنسانية ويزيد الضغط الدولي.

السيناريوهات المحتملة

السيناريو الأول: التوصل لاتفاق جزئي محدود

المؤشرات الداعمة:

  • منح نتنياهو صلاحيات موسعة لفريق التفاوض
  • التغير النسبي في موقف حماس التفاوضي
  • تكثيف الضغوط الدولية والإقليمية

تفاصيل السيناريو: قد يتم التوصل إلى اتفاق جزئي يتضمن وقفاً لإطلاق النار لفترة محدودة (شهرين كما اقترحت حماس)، مقابل إطلاق سراح عدد من المحتجزين وزيادة المساعدات الإنسانية، مع تعهد بمواصلة المفاوضات لاتفاق شامل. هذا السيناريو يحظى بفرصة متوسطة للتحقق نظراً للضغوط الإنسانية المتزايدة.

السيناريو الثاني: استمرار التصعيد العسكري وفشل المفاوضات

المؤشرات الداعمة:

  • بدء عملية "عربات جدعون" العسكرية
  • عمليات الإخلاء الواسعة في شمال غزة
  • الاستعدادات الإسرائيلية لوجود عسكري طويل الأمد

تفاصيل السيناريو: قد تستمر إسرائيل في عملياتها العسكرية مع تعثر المفاوضات بسبب الخلافات الجوهرية حول شروط وقف إطلاق النار الدائم وانسحاب القوات الإسرائيلية. في هذا السيناريو، ستتفاقم الأزمة الإنسانية بشكل كارثي، مع استمرار الضغوط الدولية المتزايدة. يحظى هذا السيناريو بفرصة مرتفعة للتحقق في المدى القريب.

السيناريو الثالث: "التصعيد المحدود المتحكم فيه"

المؤشرات الداعمة:

  • التوقعات بأن تلجأ إسرائيل إلى "تصعيد ميداني محدود"
  • استعداد حماس للتجاوب مع صفقة جزئية شريطة الضمانات
  • الضغوط الأمريكية المتزايدة

تفاصيل السيناريو: قد تتبنى إسرائيل استراتيجية "التصعيد المحدود المتحكم فيه" لممارسة أقصى ضغط على حماس مع تجنب الانهيار الكامل للمفاوضات. في هذا السيناريو، ستستمر المفاوضات بوتيرة بطيئة ومتقطعة، مع استمرار العمليات العسكرية المحدودة. هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحاً في المرحلة الراهنة.

الاستنتاجات والتوصيات

الاستنتاجات الرئيسية:

استراتيجية العصا والجزرة": تعتمد إسرائيل استراتيجية مزدوجة تجمع بين التفاوض والتصعيد العسكري، بهدف فرض شروطها على أي اتفاق محتمل.

مرونة تكتيكية من حماس: تبدي حماس مرونة تكتيكية في موقفها التفاوضي مع التمسك بالضمانات الأساسية، في محاولة لاحتواء التصعيد العسكري وتخفيف المعاناة الإنسانية.

أهمية دور الوساطات: يكتسب دور الوسطاء (خاصة مصر وقطر والولايات المتحدة) أهمية متزايدة في ظل تباعد مواقف الطرفين وتصاعد التوترات الميدانية.

الأزمة الإنسانية كعامل ضغط: تشكل الكارثة الإنسانية في غزة عاملاً ضاغطاً على مسار المفاوضات، وقد تدفع نحو اتفاق جزئي على الأقل.

التوصيات:

تعزيز الضغط الدولي: ضرورة تكثيف الضغط الدولي على طرفي النزاع للتوصل إلى اتفاق إنساني عاجل، مع التركيز على الجوانب الإنسانية كأولوية قصوى.

توسيع دائرة الوساطة: توسيع دائرة الوساطة لتشمل أطرافاً إقليمية ودولية أخرى ذات تأثير، لزيادة الضغط على الطرفين.

تقديم ضمانات دولية: تقديم ضمانات دولية قوية لأي اتفاق يتم التوصل إليه، لتبديد مخاوف الطرفين من عدم التزام الطرف الآخر.

تأمين الممرات الإنسانية: العمل على تأمين ممرات إنسانية آمنة ومستدامة لإيصال المساعدات للمدنيين، بغض النظر عن مسار المفاوضات.

التحضير لمرحلة ما بعد الحرب: بدء التخطيط الجدي لمرحلة إعادة إعمار غزة وترتيبات الحكم في المرحلة المقبلة، كجزء من الحل الشامل للأزمة.

خلاصة

تمر محادثات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس بمرحلة حرجة، في ظل تصاعد التوترات الميدانية وتدهور الأوضاع الإنسانية. وبينما تتمسك إسرائيل باستراتيجية الضغط العسكري المتزامن مع التفاوض، تسعى حماس للحصول على ضمانات دولية لأي اتفاق محتمل. يبدو السيناريو الأكثر ترجيحاً في المرحلة الراهنة هو استمرار "التصعيد المحدود المتحكم فيه" مع مواصلة المفاوضات بوتيرة بطيئة، مع احتمالية التوصل إلى اتفاق جزئي محدود يخفف من حدة الأزمة الإنسانية، دون حسم شامل للصراع.

المصدر : متابعة-زوايا
atyaf logo