ترجمة خاصة "رجلنا في رام الله": رحلة حسين الشيخ إلى القمة

حسين الشيخ خلال زيارة بلينكين إلى رام الله
حسين الشيخ خلال زيارة بلينكين إلى رام الله

ينتمي القيادي الفتحاوي الذي تم تعيينه مؤخرا نائبا لعباس إلى "جيل البلاد " الذي ولد ونشأ في فلسطين. وبينما أصبح مروان البرغوثي رمزاً للنضال الوطني ضد الاحتلال، بنى الشيخ مكانته السياسية تحت رعاية عباس وعلى هيئته، في خدمة النخب الصهيونية القديمة. 

إذا أصبح حسين الشيخ، الذي تم اختياره الأسبوع الماضي نائباً لأبو مازن، رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية عندما يحين يوم الاخير، فسوف يكون أول رئيس للحركة ولد وترعرع وقضى حياته المهنية كلها فقط وفقط في فلسطين. وُلِد ياسر عرفات في القاهرة لعائلة من المهاجرين، فيما كان أبو مازن لاجئاً نتيجة لحرب عام 1948. ويكمن في قلب مسيرتهم السياسية الكفاح المسلح والعودة إلى الوطن تحت رعاية الدبلوماسية الدولية.

أما سيرة حسين الشيخ فهي سيرة جيل آخر، "جيل البلاد "، إن صح التعبير، على غرار الوصف الذي أطلق على اليهود من مواليد البلاد. إنها سيرة ذاتية غابت عنها منظمة التحرير الفلسطينية التاريخية، لتحل محلها السلطة الفلسطينية. بالنسبة للفلسطينيين، كانت منظمة التحرير الفلسطينية تمثل رمزا للمقاومة الفلسطينية للاحتلال عام 1967 ونكبة عام 1948 في أيام عزها، بينما   ترمز السلطة الفلسطينية إلى فشل الحركة ومؤسساتها. ومن الناحية التاريخية، قد يفوق هذا الفشل، فشل الثورة الفلسطينية الكبرى بين عامي 1936-1939 وحتى حرب 1948. 

بدأت السيرة العامة للشيخ في لحظات الذروة لجيل منظمة التحرير الفلسطينية، في عام 1987، وهو العام الذي اندلعت فيه الانتفاضة الأولى. وحُكم على الشيخ البالغ من العمر 27 عامًا بالسجن لمدة 11 عامًا بتهمة الانتماء إلى خلية (إرهابية) تابعة لحركة فتح، وأُفرج عنه بعد عامين.  (معلومات كاتب المقال هنا ليست دقيقة) وفي تقرير موسع نشر في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية قبل نحو عامين، قال الشيخ إنه شخصيا لم ينخرط في(الإرهاب)، في حين زعم الجيش الإسرائيلي أن ملفه القانوني قد فقد. وقد حصلت مزاعم الشيخ في التقرير على نوع من التأكيد من خلال مقال كتبه شالوم بن حنان، أحد مسؤولي الشاباك، والذي قال فيه إن الشيخ "لم يكن مقاتلاً أو قائداً ميدانياً"، بل كان مجرد عضو في القيادة، وكان منشغلا “بالأعمال الفارغة "، على حد تعبيره، أي الدعاية والنشاطات السياسية المحلية. 

ولكن في مقال على موقع معهد أبحاث السياسات الإسرائيلية اليميني، مركز القدس للشؤون الخارجية والأمنية، زعم موريس هيرش، العقيد والمدعي العسكري السابق، أنه في مارس/آذار 2002، في ذروة الانتفاضة الثانية، كان الشيخ، الذي كان آنذاك شخصية بارزة في تنظيم فتح في الضفة، وتوفيق الطيراوي، رئيس المخابرات العامة، متورطين بشكل مباشر في إرسال الخلية التي قتلت الزوجين تسيبي وجاد شيمش وإسحاق كوهين في القدس وجرحت العشرات من المدنيين. وقد أدلى أحد الأشخاص الذين لهم علاقة بالحادث بهذه المعلومات أثناء التحقيق معه وأمام المحكمة. ولكن لم يتم اعتقال الشيخ على إثر ذلك.

خلال الانتفاضة الثانية، كان الشيخ أحد قادة التنظيم. عندما تأسس التنظيم كان بمثابة جهاز للجيل الشاب في فتح، "جيل البلاد “، وكان ينافس الجيل الأكبر سنا الذي وصل من تونس مع دخول مؤسسة منظمة التحرير الفلسطينية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1994 تحت رعاية اتفاقيات أوسلو. لقد شكل ذلك تنافسا بين الأجيال على المكانة السياسية ومراكز النفوذ. وكان رد فعل عرفات على ذلك هو استخدام أسلوبه المعتاد القائم على “فرّق تسد"، فشجع الشيخ على تحدي رئيس التنظيم في الضفة الغربية مروان البرغوثي. ومن غير المستبعد أن يكون هذا التنافس طويل الأمد لعب دورا في قرار أبو مازن اختيار الشيخ نائبا له وخليفته المستقبلي. خلال الانتفاضة، انقسم التنظيم إلى مجموعات فرعية، وانخرط أعضاؤه في المقاومة المسلحة بمستويات متفاوتة من المبادرة المحلية والإشراف المركزي الضعيف. 

وبعد أن تراجعت حدة الانتفاضة الثانية وانتخب أبو مازن رئيساً في عام 2005، غيّر الشيخ اتجاهه. وفي عام 2007 انتقل الشيخ إلى الوزارة الذي تركها أحد أفراد عائلته جميل الطريفي، وهي وزارة التنسيق المدني مع إسرائيل. وقد أوكلت إليه صلاحية منح تصاريح عبور الأشخاص والبضائع من وإلى إسرائيل. كما كان يسيطر على الأموال الاي كانت تحبيها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية مقابل الضرائب ومن العمال. وبذلك أصبح الشيخ يسيطر على شريان الحياة اليومية لجميع سكان الضفة الغربية. وكما هو الحال مع سلفه الطريفي، ارتبط اسم الشيخ أيضًا باتهامات بالفساد المالي والاعتداء الجنسي. وكان تقسيم المهام في السلطة الفلسطينية واضحا: الشيخ يتعامل مع كافة المجالات المدنية، بينما كان أبو مازن وصائب عريقات يعملان في المجال السياسي.

تقرب الشيخ كثيرا من ابو مازن، وكان حريصاً على التعبير عن ذلك دائما. وقد أفاده هذا الالتزام في السنوات الأخيرة، عندما أصبح أبو مازن معزولاً في القمة. حيث فقد الرئيس الفلسطيني التأييد الشعبي، وتعرض لانتقادات من عدد من قادة فتح. ورد عباس بقوة وقاتل من أجل بقائه السياسي. وأبعد منتقديه عن مناصبهم وعن الحركة، ومن بينهم محمد دحلان، وناصر القدوة، وسلام فياض. في حين وجه آخرون، مثل جبريل الرجوب، انتقادات ضعيفة وتم أيضا تهميشهم. بعد وفاة عريقات في عام 2022، منح أبو مازن الشيخ قبعتي عريقات: فقد عينه مسؤولا عن الملف   السياسي، الذي بقي فعليا من دون أي حراك، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وبمبادرة من أبو مازن وإسرائيل، خاض الشيخ رحلة سياسية تعريفية، تعرف خلالها على كبار المسؤولين في الإدارات الأميركية والأوروبية، الذين رأوا فيه رجلاً براغماتياً ومعتدلاً. فيما وصفه مسؤول كبير سابق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في مقال نشرته مجلة الفورين بوليسي بأنه "رجلنا في رام الله".
وفي حين أن مروان البرغوثي شكل رمزا للنضال الوطني ضد الاحتلال الإسرائيلي، بنى الشيخ مكانته باعتباره توام أبو مازن. إن النخبة الإسرائيلية السابقة، اي العسكريتاريا الصهيونية، والتي كانت مسؤولة عن التوصل الى اتفاقات أوسلو، هي التي احتضنت ورعت أبو مازن والشيخ. في خدمة تلك النخبة، قاموا بممارسة العسكرة الفلسطينية الداخلية تجاه مجتمعهم، مما سمح لإسرائيل بتوسيع سيطرتها. لقد أصبحت المؤسسة الفلسطينية قوة مساعدة فاسدة للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي. ومن هنا تطور الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي إلى ضم فعلي ونظام فصل عنصري.

تأسست السلطة الفلسطينية في القرن الماضي، وكان أبو مازن يأمل أن يفرض النظام الدولي الاستقلال الفلسطيني على إسرائيل. تغير النظام الدولي في الربع الأول من هذا القرن، إن مبادئ النظام الدولي التي أصبحت حجر الزاوية بعد الحرب العالمية الثانية، وفي مقدمتها القانون الدولي ومبدأ عدم جواز احتلال اراضي الغير عن طريق الحرب والاستيطان، انتهكت من قبل تلك الدول التي وضعت ونفذت النظام العالمي السابق، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا. إن الديمقراطية الليبرالية في الغرب، التي خاضت بعد الحرب العالمية الثانية صراعا قويا مع النظام الشيوعي الشمولي، تتعرض الآن للتقويض في الداخل. حيث تكتسب الاتجاهات المناهضة لليبرالية زخماً متزايداً في أوروبا والولايات المتحدة.
إسرائيل وفلسطين ليستا منفصلتان عن هذه التوجهات. إن النخبة الإسرائيلية الجديدة، التي ترفع شعار التفوق اليهودي، تعمل تحت رعاية النظام العالمي الجديد على تقليص صلاحيات الوكيل الفلسطيني وتعمل على استبدال ذلك بسيطرة مباشرة. وهذا ما يفعله بتسلئيل سموتريتش بعزم قوي بصفته وزيراً في وزارة الدفاع، وهذا ما يفعله الجيش في قطاع غزة. وفي نظام التفوق اليهودي، ليس هناك اي مكان لاي مظهر مهما كان سخيفا للهوية الفلسطينية. الذين يجب عليهم الاستسلام، أو يتعرضون إلى التدوير، أو توقع التهجير. 

أكثر من ذلك؛ إن النظام الاستبدادي الذي تمارسه إسرائيل على الفلسطينيين ليس منفصلاً عن الوضع القائم للمواطنين الإسرائيليين أنفسهم، وهو يتدحرج يوما بعد يوم إلى داخل المجتمع اليهودي. وأول المتضررين من ذلك سيكون المواطنون الفلسطينيون مواطنو دولة إسرائيل، من خلال قانون الدولة القومية والقيود التي فرضت على حرية التعبير عندهم منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. ومع ذلك، فإن هذا النموذج، الذي يتبناه حسين الشيخ، والذي يمكّن ويحافظ على وجود نظام استبدادي غير ليبرالي، يتطور أيضًا في الجانب الإسرائيلي اليهودي على هيئة نظام واحد يحكم كل المنطقة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. ولكي نرى ذلك، يكفي أن نقرأ شهادة رونين بار أمام محكمة العليا. لذلك يتعين علينا أن ننظر نظرة ثاقبة إلى استحالة تنفيذ نظرية الفصل بين المجتمعين.

الموقع الالكتروني سيحا مكوميت/ محادثة محلية
مناحيم كلاين: محاضر في جامعة بار ايلان، عضو سابق في الوفد الإسرائيلي للمفاوضات مع منظمة التحرير عام 2000 وعضو مبادرة جنيف
28/4/2025
ترجمة: مصطفى ابراهيم

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo