تفريغ شمال غزة

حرب طويلة وأهداف تتجاوز القضاء على حماس

تفريغ شمال قطاع غزة من المواطنين
تفريغ شمال قطاع غزة من المواطنين

كشف ورقة بحثية صادرة عن مجموعة الأزمات الدولية (international crisis group) عن انهيار شبه كامل في الخدمات والأوضاع الإنسانتية في شمال قطاع غزة، الأمر الذي يحتم على واشنطن التدخل لوقف الحرب التي تشنها إسرائيل وضمان التدفق المنتظم للمساعدات إلى جميع أنحاء القطاع، محذرا من الاقتصار على توجيه اللوم والتحذير لدولة الاحتلال.

الوضع في قطاع غزة

في 17 أكتوبر، اغتيل قائد حركة حماس يحيى السنوار، ما أثار تساؤلات حول إمكانية إنهاء الحرب في قطاع غزة، في ظل معاناة المدنيين المحاصرين من أوضاع إنسانية متدهورة وعدم قدرتهم على تحمل المزيد أو الانتظار.

وحسب الورقة البحثية فإن الحرب التي تشنها إسرائيل منذ أكثر من عام أدت إلى ارتفاع هائل في عدد القتلى المدنيين وتوقف المساعدات الإنسانية، مما عمّق الكارثة الإنسانية في القطاع.

ورغم إعلان إسرائيل أن هدفها هو القضاء على مقاتلي حماس، إلا أن شخصيات في الحكومة، أكدت أن الأهداف تتجاوز تلك المعلنة، في ظل تصاعد الصراع في لبنان والمخاوف المتزايدة من تصاعد التوترات مع إيران.

ومع اقتراب الانتخابات الأمريكية وتقليل التدقيق الدولي على سلوك إسرائيل العدواني، فإن الوضع يشير إلى أن التحركات الإسرائيلية قد تؤدي إلى تغيير دائم في التركيبة السكانية للقطاع عبر إخلاء أجزاء من شماله وإنشاء منطقة عازلة حوله.

ردود الفعل الأمريكية

الهجوم الإسرائيلي أثار ردود فعل غاضبة من الولايات المتحدة، بما في ذلك اعتراضات من كبار المسؤولين، أبرزها جاء في رسالة بتاريخ 13 أكتوبر، وقعها وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن، تطالب إسرائيل باتخاذ خطوات جدية لتخفيف الأزمة الإنسانية، مع تهديدات بإعادة النظر في المساعدات العسكرية الأمريكية.

ردًا على ذلك، استأنفت إسرائيل شحنات المساعدات إلى بعض المناطق الشمالية من القطاع، وسط مخاوف من عدم جدوى تلك الضغوط لإنهاء الكارثة الإنسانية المستمرة أو منع إسرائيل من تحقيق أهداف أكبر على الأرض.

الأهداف العسكرية الإسرائيلية

بدأت الحملة الجديدة في شمال قطاع غزة، وهي الثالثة لجيش الاحتلال خلال 12 شهرًا، كجزء من استراتيجية أوسع تحت مزاعم القضاء على القدرات العسكرية لحركة حماس ومنعها من إعادة تنظيم صفوفها بعد كل عملية عسكرية.

أصدرت إسرائيل أوامر بإجلاء 300,000-400,000 فلسطيني من سكان الشمال، وهم الذين كانوا حوالي 1.4 مليون نسمة قبل الحرب، كما أغلقت المعابر الحدودية وأوقفت إدخال الغذاء والماء والوقود والإمدادات الطبية، وفرضت قيودًا جمركية على المساعدات القادمة من الأردن.

لم تكتفِ إسرائيل بذلك، بل أغلقت أيضًا المنشآت الصحية وأعاقت محاولات الإخلاء أو الخروج الآمن، مما جعل الأوضاع في شمال غزة أكثر سوءًا.

الظروف الإنسانية المتدهورة

فرض الجيش الإسرائيلي مهلة 24 ساعة على سكان الشمال لإخلاء منازلهم والانتقال إلى منطقة صغيرة تسمى "المواصي" في الجنوب، وهي منطقة غير مأهولة سابقًا وتستضيف الآن غالبية سكان غزة الذين نزحوا بسبب الحرب.

ورغم وصف المنطقة بالإنسانية إلا أنها تشهد ظروفًا إنسانية صعبة، حيث لا يزال القتال مستمرا في مناطق قريبة منها، ما دفع الكثيرون من سكان شمال غزة للبقاء في منازلهم، معتقدين أن المخاطر كبيرة في كل مكان، بعدما قسم جيش الاحتلال الأحياء بشكل منهجي، مما جعل الحركة شبه مستحيلة.

الخطة الإسرائيلية

الخطوات الإسرائيلية تشير إلى نية طويلة الأمد تتجاوز القضاء على حماس، بل تسعى لإفراغ شمال غزة من سكانه، وهو ما يتضح من التحركات العسكرية التي شملت نقل فرقة مشاة كبيرة إلى الشمال والشروع في تقسيم المناطق.

ورغم أن الحكومة الإسرائيلية لم تعلن عن تبني "خطة الجنرالات" بشكل رسمي، التي تقترح إخلاء شمال غزة بالكامل وتجويع حماس حتى الاستسلام، فإن بعض الإجراءات التي تُنفذ على الأرض تتماشى مع هذه الخطة، مما يزيد من مخاوف المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة.

الكارثة الإنسانية

الأزمة الإنسانية في قطاع غزة تتفاقم مع كل يوم يمر، حيث تشير التقديرات إلى مقتل مئات الأشخاص، معظمهم من النساء والأطفال، فيما تعاني فرق الإغاثة من صعوبة الوصول إلى المناطق المتضررة بسبب القيود العسكرية الإسرائيلية، كما تدهورت خدمات الرعاية الصحية بشكل كبير، حيث تعاني المستشفيات من نقص في الوقود والإمدادات الطبية.

كما تتعرض قوافل المساعدات، التي كانت تصل إلى غزة بشق الأنفس، لصعوبة في توزيع الإغاثة بسبب الأوضاع الأمنية وانهيار الطرق، ومع اقتراب فصل الشتاء تزداد الأمور سوءًا، حيث من المحتمل أن يحدث نقص حاد في الغذاء والمساعدات الأساسية.

الرسالة الأمريكية والتداعيات المحتملة

في رسالة موقعة من وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن دعت الولايات المتحدة إسرائيل لزيادة معدل دخول المساعدات، والسماح بوصول 350 شاحنة يوميًا على الأقل، ووقف العمليات العسكرية مؤقتًا لضمان تسليم المساعدات.

ورغم أن الرسالة الأمريكية تهدد بتعليق المساعدات العسكرية إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة، فإن مدة الثلاثين يومًا التي منحتها واشنطن لإسرائيل قد تكون طويلة جدًا بالنظر إلى حجم المعاناة الحالية في غزة، واقتراب فصل الشتاء.

الحاجة إلى دور أمريكي أكثر فاعلية

الورقة البحثية طالبت الولايات المتحدة باتخاذ خطوات أكثر قوة وإلحاحًا، مشيرة إلى أن التدخلات الدبلوماسية الحالية، رغم أنها ضرورية، إلا أنها قد لا تكون كافية لوقف التدهور السريع في الأوضاع الإنسانية.

وشددت على ضرورة ممارسة ضغوط حاسمة على إسرائيل لوقف هجومها في الشمال، خاصة أن عدم فعل ذلك من شأنه إحداث تغييرات ديموغرافية وتغييرات على الحدود تقوِّض بشدة آفاق تسوية الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني، على المدى المتوسط، أو ربما إلى الأبد.

المصدر : international crisis group
atyaf logo