قال الكاتب والباحث السياسي رازي نابلسي، إن عودة الاستيطان إلى شمال الضفة الغربية يعد خطوة استراتيجية كبرى ضمن أهداف الحكومة الإسرائيلية الـ37.
وفي دراسة موسعة، سلّط نابلسي الضوء على العوامل الميدانية والسياسية التي أدت إلى هذا التحول، معتبراً هذه العودة ليست مجرد إجراء قانوني، وأنها جزء من مشروع أيديولوجي أوسع يتجاوز حدود الضفة الغربية ليصل إلى قطاع غزة.
تعديل قانون "فك الارتباط" خطوة نحو إعادة الاستيطان
أوضح نابلسي أن تعديل قانون "فك الارتباط" في 20 مارس 2023 كان الخطوة الأولى نحو إعادة الاستيطان في شمال الضفة الغربية، بعد إخلاء مستوطنات صانور وكاديم وغانيم بالإضافة إلى حومش ضمن خطة فك الارتباط عام 2005.
وبيّن أن هذا التعديل جاء نتيجة ضغوط متواصلة من الجمعيات الاستيطانية، بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي و"شبيبة التلال" الذين فرضوا وقائع جديدة على الأرض عبر استيطان المناطق المخلاة.
وأضاف أن المستوطنين في مستوطنة "حومش"، التي أُخليت ضمن خطة فك الارتباط، لم يتوقفوا عن محاولات العودة إليها، وأنهم استغلوا الثغرات القانونية وغياب التنفيذ الفعلي للأوامر العسكرية التي منعتهم من البقاء في المستوطنة، ورغم قرارات الإخلاء المتكررة، استمر المستوطنون في تنظيم زيارات سنوية وإنشاء مرافق دينية، بما في ذلك المدرسة الدينية-العسكرية التي كانت أساساً لإعادة توسيع المستوطنة لاحقاً.
استغلال أحداث غزة لتسريع الاستيطان
وأشار نابلسي إلى أن المستوطنين استغلوا أحداث 7 أكتوبر والحرب الإسرائيلية على غزة لتسريع عمليات الاستيطان في شمال الضفة.
وأوضح أن الجيش الإسرائيلي والوزراء اليمينيين استخدموا الحرب كغطاء لتنفيذ مخططات استيطانية جديدة، حيث أصدر وزير الجيش يوآف غالانت في 22 مايو 2023 أمراً عسكرياً يسمح بعودة المستوطنين إلى المستوطنات الأربع التي تم إخلاؤها، بما فيها "حومش".
وأضاف نابلسي أن نقل المدرسة الدينية في "حومش" إلى أراضي مجاورة للأراضي الفلسطينية الخاصة في 29 مايو 2023، بموافقة وزير الجيش، كان خطوة لتعزيز الاستيطان وتجاوز العوائق القانونية التي فرضتها المحاكم الإسرائيلية.
وأوضح أنه ومع انتقال المستوطنة إلى أراضي الدولة، ألغت المحكمة العليا الدعوى التي تقدم بها الفلسطينيون، مما وفّر حماية قانونية للمستوطنين ومكّنهم من مواصلة التوسع.
الاستراتيجية الأيديولوجية: العودة إلى غزة
وأكد نابلسي أن العودة إلى شمال الضفة الغربية تحمل أبعاداً أيديولوجية مهمة لليمين الإسرائيلي، الذي يعتبر أن إخلاء المستوطنات في عام 2005 كان خطأً استراتيجياً يجب تصحيحه، حيث يرى العديد من قيادات المستوطنين في عودة الاستيطان إلى "حومش" خطوة أولى نحو إعادة الاستيطان في قطاع غزة، خصوصاً منطقة "غوش قطيف" التي أُخليت في نفس الفترة.
وكشف نابلسي عن تشكيل 11 جمعية استيطانية ائتلافاً يدعو إلى استعادة الأراضي المخلاة في شمال الضفة وقطاع غزة، على اعتبار أن ما يحدث في "حومش" هو بداية لتصحيح المسار الذي تم اتخاذه خلال خطة فك الارتباط.
وأشار إلى دعم شخصيات بارزة في الحكومة الإسرائيلية، هذا التوجه مثل وزيرة الاستيطان أوريت ستروك، التي اعتبرت أن تعديل القانون هو "وقف لمسار الانسحاب والبدء بمسار التقدم".
مخاطر تفكيك التواصل الجغرافي الفلسطيني
وحذّر نابلسي من خطورة عودة الاستيطان في شمال الضفة الغربية، مؤكدا أنها تشكّل تهديداً كبيراً للتواصل الجغرافي الفلسطيني، حيث يسعى المستوطنون إلى خلق تجمعات استيطانية متواصلة تفصل بين المناطق الفلسطينية.
وأوضح أن هذا النهج يؤدي إلى تحويل المناطق الفلسطينية إلى جزر معزولة ومحاصرة بالطرق الالتفافية التي تربط المستوطنات بالبلدات الإسرائيلية داخل أراضي الـ48.
كما أشار إلى أن مخططات الاستيطان في شمال الضفة، مثل خطة "مليون مستوطن في شومرون"، تهدف إلى زيادة عدد المستوطنين بشكل كبير بحلول عام 2050، مما يزيد من تعقيد إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة ومتصلة جغرافياً.
العودة إلى غزة ووأد حلم الدولة الفلسطينية.
شدد نابلسي على أن اليمين الإسرائيلي لا يرى في شمال الضفة الغربية سوى المرحلة الأولى من مخطط أوسع يهدف إلى إعادة السيطرة على قطاع غزة، مشيراً إلى أن هذه الطموحات لا تقتصر على تصريحات سياسية، بل تترافق مع خطوات فعلية على الأرض، مثل تسريع الاستيطان وتوسيع المستوطنات الحالية، مستفيدين من الأوضاع السياسية والأمنية المتوترة.
وأشار إلى أن هذه الخطوة، إضافة إلى جهود استعادة الاستيطان في غزة، تعزز تطبيقاً عملياً لإجهاض أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية متواصلة، حيث تتزامن الجهود السياسية مع توسع استيطاني يجعل إقامة الدولة الفلسطينية مستحيلاً نتيجة الوقائع الجديدة على الأرض وسلب الأراضي.
المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية