حذر تقرير حديث صادر عن مجموعة الأزمات الدولية "international crisis group" من أزمة مصرفية وشيكة قد تضرب الضفة الغربية إذا لم تقم إسرائيل بتجديد إعفاء المصرفي الممنوح للبنوك.
ويُعتبر هذا الإعفاء أساسياً لاستمرار العمليات المصرفية في الأراضي الفلسطينية، ومن دونه قد يتعرض الاقتصاد الفلسطيني لتهديدات جدية قد تنعكس سلباً على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
تأثيرات الأزمة على الاقتصاد الفلسطيني
وحسب التقرير الذي شارك فيه مدير المشروع السابق رامي دجاني، ومدير البرامج في المجموعة مايكل وحيد حنا، يعتمد الاقتصاد الفلسطيني بشكل كبير على التعاملات المالية مع إسرائيل، حيث يشكل الشيكل الإسرائيلي العملة الأساسية للتعاملات اليومية.
وأشار التقرير إلى أنه في عام 2022، بلغت صادرات الضفة الغربية وقطاع غزة إلى إسرائيل 90% من إجمالي صادراتها، بينما شكلت الواردات من إسرائيل 75% من إجمالي الواردات.
يشير التقرير إلى أن الإعفاء المصرفي الذي تمنحه وزارة المالية الإسرائيلية للمصارف الإسرائيلية، مثل بنك ديسكونت وبنك هبوعليم، يسمح لها بإقامة علاقات عمل مع المصارف الفلسطينية، وهو أمر حيوي لضمان استمرار التعاملات المالية، بما في ذلك دفع الرواتب واستيراد السلع الأساسية.
التقرير حذر من خطورة عدم تجديد هذا الإعفاء، متوقعا معاناة المصارف الفلسطينية من أزمة سيولة حادة خلال أيام قليلة فقط، وسيكون من المستحيل على المصارف الفلسطينية تنفيذ تعاملاتها، ما سيؤدي إلى توقف المدفوعات للشركات الإسرائيلية والفلسطينية على حد سواء.
يُشير التقرير إلى أن أي محاولة للتغلب على هذه الأزمة عبر تعاملات نقدية مباشرة، والتي تبلغ حدها الأقصى في إسرائيل 6,000 شيكل (ما يعادل 1,600 دولار أمريكي)، لن تكون كافية لتلبية احتياجات الاقتصاد الفلسطيني.
إسرائيل تمتنع عن تحويل العائدات الجمركية والضريبية للسلطة الفلسطينية
رصد التقرير أيضا امتناع إسرائيل عن تحويل العائدات الجمركية والضريبية للسلطة الفلسطينية، منذ ما قبل هجوم السابع من أكتوبر 2023، لكنه زاد شدته منذ ذلك الحين، حيث تقلصت التحويلات من إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية بأكثر من 50% خلال الفترة الأخيرة، حيث تجمع إسرائيل نحو 65% من الميزانية السنوية للسلطة الفلسطينية، والتي تبلغ حوالي 18 مليار شيكل (5.27 مليار دولار). يتم استخدام جزء كبير من هذه الأموال لدفع رواتب موظفي القطاع العام.
وأوضح التقرير أنه بسبب عدم تحويل هذه العائدات، تواجه السلطة الفلسطينية صعوبة كبيرة في دفع الأجور، حيث أعلنت في مايو أنها قادرة على الوفاء بنصف التزاماتها، ما دفعها للاقتراض من المصارف التجارية لسد العجز، في وقت بلغ إجمالي الدين العام للمصارف الآن 3.82 مليار دولار، بينما يتجاوز المبلغ الإجمالي الذي تدين به السلطة، بما في ذلك ديون صندوق التقاعد، 11 مليار دولار.
الضغوط الدولية والموقف الإسرائيلي
التقرير أكد أنه على الرغم من الضغوط الكبيرة التي تمارسها الولايات المتحدة والدول الكبرى على الحكومة الإسرائيلية لتجديد الإعفاء، فإن هناك مخاوف جدية من عدم الاستجابة لهذه المطالب.
وأكد التقرير أن هذه الضغوط قد تكون غير كافية إذا استمر وزير المالية الإسرائيلي بيتسلئيل سموتريتش في موقفه المتعنت بعدم تجديد الإعفاء، حيث يرى مسؤولون الأميركيون أنه يسعى عمداً إلى تقويض السلطة الفلسطينية، وإحداث أزمة لتعزيز أجندته السياسية الخاصة لتفكيك السلطة الفلسطينية، وضم الضفة إلى إسرائيل.
ونقل التقرير عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن سموتريتش منشغل بوضع خطط لتفجير الضفة الغربية، بهدف تنفيذ خططه لتوسيع المشروع الاستيطاني على نحو دراماتيكي وضم الأراضي المحتلة.
التداعيات المحتملة على الأمن والاستقرار
التقرير ينبه إلى أن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة قد تؤدي إلى تفاقم الأزمات الأمنية في الضفة الغربية، متوقعا أن تؤدي أزمة اقتصادية حادة إلى تصاعد العنف والتوترات في المنطقة، بما في ذلك الضفة التي قد تشهد احتجاجات شعبية واسعة النطاق، مما يهدد الأمن الإسرائيلي وقد يؤثر على الاستقرار الإقليمي.
التوصيات والخيارات المستقبلية
ولتجنب تفاقم الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية، أوصت مجموعة الأزمات الدولية بضرورة تجديد الإعفاء المصرفي لمدة لا تقل عن سنة، لمنع وقوع كارثة اقتصادية قد يكون لها تداعيات واسعة.
ونصح التقرير أيضاً الولايات المتحدة والدول الأوروبية والعربية بإعداد خطط طوارئ للتخفيف من التداعيات المحتملة إذا لم يتم تجديد الإعفاء، تشمل الخطط ضخ العملات الأجنبية في البنك المركزي الفلسطيني وإعداد آليات مالية بديلة.
كما يقترح التقرير أن تدرس الولايات المتحدة تقديم ضمانات إضافية للمصارف الإسرائيلية من خلال إصدار رسالة توجيهية من وزارة العدل، والتي ستؤكد للمصارف أنها لن تواجه عواقب قانونية بسبب تعاملاتها مع المصارف الفلسطينية، وهو ما قد يساعد في تقليل المخاوف القانونية التي تواجه المصارف الإسرائيلية.
الخاتمة
يشدد التقرير على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لتجنب حدوث أزمة اقتصادية في الضفة الغربية، مشددا على أن عدم تجديد الإعفاء المصرفي قد يؤدي إلى أزمة مالية حادة تتسبب في أضرار جسيمة للفلسطينيين وتؤدي إلى عدم استقرار الإقليم، مطالبا المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة وحلفائها، ببذل قصارى جهدهم للضغط على الحكومة الإسرائيلية لتجديد الإعفاء وضمان استقرار الوضع الاقتصادي في المنطقة.