بينما تنتظر إسرائيل بفارغ الصبر رد وزيري الحرب إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش على الخطوط العريضة التي قدمها الرئيس الأمريكي جو بايدن مساء السبت، سارعت حماس إلى صياغة رد دبلوماسي يهدف إلى التخلص من المسؤولية عن فشل محتمل. وهو ما سيقدمه الطرف الرافض لمطلبه مباشرة إلى المنظمة، ويدعوها إلى تبني الخطوط العريضة.
جاء في الإعلان الرسمي الصادر عن حماس: "إننا ننظر إلى مضمون إعلان بايدن بشأن وقف إطلاق النار في غزة بشكل إيجابي. ونحن على استعداد للتعاون بشكل إيجابي مع أي اقتراح من شأنه أن يشمل وقف إطلاق النار الدائم، والانسحاب الإسرائيلي من غزة، وعودة النازحين إلى منازلهم وتبادل الأسرى والرهائن". ومقارنة بالإعلانات الأخيرة التي نشرتها المنظمة، حتى يوم نشر الخطوط العريضة، لم تحكم حماس هذه المرة بشكل حاسم لأنها ترفض إجراء أي مفاوضات قبل وقف كامل لإطلاق النار. وهذا بالفعل تغيير مقارنة بمواقفها العلنية الأخيرة لكن ليس تغييراً مقارنة بموافقتها على خطط سابقة كانت أيضاً مبنية على خطوات قليلة.
ويعكس ملخص المخطط الذي نشره بايدن المبادئ الأساسية التي توافق عليها إسرائيل، حسب قوله. ويضع المخطط عدة عقبات ثقيلة أمام إسرائيل، وذلك على افتراض نجاح نتنياهو في تحييد العبوات السياسية التي أعدها له شركاؤه في الحكومة من اليمين المتطرف. الأول يتعلق بإدارة القطاع خلال وقف إطلاق النار الأول، الذي ينبغي أن يستمر ستة أسابيع. وخلال هذه الفترة سيتمكن سكان قطاع غزة من العودة إلى منازلهم في شمال القطاع وأيضا إلى أحياء معظم أنحاء رفح التي هجروا منها. من سيتولى إدارة قطاع غزة، وكيف، في هذا الوقت، عندما من المفترض أن تنسحب قوات الجيش الإسرائيلي خارج المناطق المأهولة وتنتشر على طول الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة؟ من سيكون مسؤولاً عن استلام حمولات المساعدات ومرافقتها؟ القوافل وتأمينها وفوق كل ذلك من سينقل المواد الغذائية والدواء من مواقع التخزين إلى مراكز التوزيع المجاورة؟
لا يوجد ردود على كل هذا ما دامت إسرائيل مستمرة في معارضتها الصارمة ورفضها السماح للسلطة الفلسطينية بالاقتراب من غزة، ناهيك عن البدء في إدارة التنظيم المدني للقطاع، وفي غياب حل دولي أو عربي آخر. القوة التي يمكن أن تؤدي هذا الدور. والنتيجة العملية هي أن حماس ستتولى المهمة. ويبدو أنه سيكون قادراً أيضاً على تحقيق ذلك، لأنه بحسب الخطوط العريضة، لن تتمكن قوات الجيش الإسرائيلي من البقاء في المراكز السكانية ومنع الأنشطة المدنية للمنظمة خلال وقف إطلاق النار الأول.
وفي المرحلة الثانية، والتي ستستمر أيضاً نحو ستة أسابيع، ومن المفترض أن يقوم الجيش فيها بالانسحاب الكامل من القطاع – في ظل عدم وجود قوة فلسطينية متفق عليها لتحمل المسؤولية، وهو الواقع الذي تعهدت الحكومة بمنعه في المرحلة الثانية. قد يتم تحديد كافة التكاليف في غزة، والتي بموجبها ستعود حماس إلى السيطرة الكاملة على القطاع. وفي المرحلة الثالثة، والتي ستتم بعد ثلاثة أشهر على الأقل، والتي يكون فيها جميع المختطفين، أحياء وأموات، قد عادوا بالفعل إلى إسرائيل، ستبدأ عملية إعادة تأهيل القطاع، ولكن لا يوجد حتى الآن مخطط تفصيلي لطبيعتها. إعادة التأهيل ووسائل تمويله.
وقبل كل شيء، لطبيعة الحكومة التي ستدير القطاع. ومن الناحية النظرية، ليس لدى حماس أي سبب لمعارضة هذه الخطوط العريضة، التي ترسم في ظاهرها المسار السريع لعودتها إلى السلطة. عليه "فقط" أن يعتني بالضمانات الأميركية الكافية التي تضمن التزام إسرائيل ببنود الاتفاق والتزامها بوقف إطلاق النار وسحب قواتها. ومن وجهة نظر حماس فإن المخطط إذا نجح في كل المطبات فإن نتيجته ستكون مماثلة لتلك التي تحققت بعد أي عملية عسكرية سابقة، والتي بدأت بالتفجيرات والسحق وانتهت بترتيبات وقف إطلاق النار وخطط إعادة التأهيل.
وهذه النتيجة التهديدية لا تخفى عن أعين بايدن، وهو لا يحتاج إلى الخطاب الذي سيلقيه نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي ليفهم معناه. ولذلك يمكن التقدير أن قراره بنشر الخطوط العريضة لا يهدف فقط إلى خلق صفقة لإطلاق سراح المختطفين، الأمر الذي ربما يشغل ويقلق الرئيس الأميركي أكثر من الحكومة الإسرائيلية، بل لجعل إسرائيل تشغله. استيقظوا وصمموا بشكل عاجل خطة لإدارة غزة في كل مرحلة من مراحل الخطة. وقال "لقد حان الوقت لتنتهي هذه الحرب وليبدأ اليوم التالي". «اليوم التالي» هو «الخطة الكبيرة» التي تسعى الإدارة الأميركية لتحقيقها، والتي ستتضمن اتفاق تطبيع مع السعودية ومعه الترويج، ولو الإعلان، لحل الدولتين.
يبدو أن إدارة بايدن، التي سبق أن أعلنت عدة مرات أنها لا تعتقد أن إسرائيل ستكون قادرة على الإطاحة بحماس، قد توصلت إلى نتيجة مفادها أن إسرائيل لا تحتاج فقط إلى البدء في خفض الخسائر - فقد حان الوقت لكي تتحول واشنطن إلى استراتيجية عالمية القضايا، بما في ذلك بناء محور الشرق الأوسط ضد إيران؛ كبح نفوذ الصين، التي أصبحت مؤخراً متورطة أكثر فأكثر في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ لقد دفع التهديد العالمي المتمثل في الحرب في أوكرانيا الإدارة بالفعل إلى السماح، بطريقة مشروطة، باستخدام الأسلحة الأميركية ضد أهداف روسية، وليس أقل من ذلك، للوصول إلى الانتخابات الرئاسية بإنجاز سياسي حقيقي. العبث الذي لا يطاق في نظر واشنطن هو أن بايدن وأجندته العالمية يجدان أنفسهما مكبلين بجنون بن جابر وسموترتش بما لا يقل عن نتنياهو.
وفي غياب خطة واقعية "لليوم التالي"، فمن المشكوك فيه أن تكون هناك فرصة لوضع الخطوط العريضة الجديدة لإطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار. لكن هذا يعني أن الحكومة الأميركية لن تتمكن من الاعتماد على نوايا وقدرات الحكومة الإسرائيلية التي أثبتت بالفعل عدم جدواها. وسيكون مطلوباً منه استكمال الخطوة بتغيير سياسته تجاه السلطة الفلسطينية وإعلانها الجهة الشرعية في نظر واشنطن لإدارة القطاع، ووضع ذلك شرطاً وجزءاً لا يتجزأ من المفاوضات التي ستتم. تتم بين حماس وإسرائيل عبر دول الوساطة.
مثل هذا التحرك يتطلب شراكة نشطة من قطر ومصر ودول عربية أخرى، للضغط على حماس للموافقة على دخول السلطة الفلسطينية، وعلى محمود عباس لإعداد الفرق المهنية لبدء العمل. ورغم أن مثل هذه الخطوة الأميركية لا تضمن اندفاع إسرائيل إلى فتح أبواب قطاع غزة أمام مسؤولي السلطة الفلسطينية، إلا أنها ستقلص بشكل كبير مجال المناورة أمامها، على افتراض أن إسرائيل لا تنوي أن تصبح قوة احتلال دائمة للقطاع. قطاع غزة؛ وهذا من شأنه أن يضعها على مسار تصادمي خطير مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، الذي لم يعد يتردد في فرض عقوبات على إسرائيل.
تسفي برئيل/ هارتس
ترجمة: مصطفى ابراهيم