خطة ما بعد الإنزال الجوي على قطاع غزة؟!

الانزال الجويس على قطاع غزة
الانزال الجويس على قطاع غزة

في ظل فصل شمال قطاع غزة عن جنوبه، ذلك الشمال الذي تم تدمير ما يزيد عن 80 بالمائة من المنازل والمنشآت فيه على مختلف أنواعها، عَمد الاحتلال إلى فرض حصار غذائي شديد على القطاع بصورة عامة، وعلى شماله بصورة خاصة، وبعد شهور من قطع الكهرباء والماء والغذاء سمح الاحتلال بإدخال بضع شاحنات بشكل متقطع وإيصالها إلى نقاط معينة على مشارف مدينة غزة، حيث يتجمهر الناس بعشرات الآلاف للحصول على كيس دقيق أو بعض المعلبات، ثم يتم استهدافهم بشكل متعمد وإيقاع العشرات منهم بين قتيل وجريح، أبشعها كان مجزرة فجر يوم الخميس الموافق 29 فبراير التي راح ضحيتها أكثر من 150 ضحية جائعة ومئات الإصابات الحرجة، ناهيك عن الجرائم المجتمعية التي تحدث نتيجة البلطجة وغياب القانون والجوع، بالمقابل عمل الاحتلال على منع دخول أي مساعدات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطيني (الأونروا) وهي الجهة الوحيدة التي تمتلك الخطط والإمكانيات اللوجستية التي تؤهلها لاستلام تلك المساعدات وتوزيعها بشكل منظم يضمن وصولها إلى جميع فئات المجتمع، حيث صرحت الأونروا أنها لم تتمكن من إدخال أي مساعدات لشمال قطاع غزة منذ 23 يناير الماضي، سيما بعد الاتهامات التي وجهتها إسرائيل للوكالة بدعم الإرهاب والاستجابة المريبة من العديد من الدول الغربية التي تداعت في اليوم التالي للاتهام إلى وقف دعمها للأونروا للوصول إلى تهميش وتفكيك تلك المؤسسة الوحيدة التي بقيت شاهدة على مأساة التهجير عام 1948 من أجل الإجهاز على فكرة العودة وتفكيك المخيمات وبالتالي فقدان اللاجئ لدلالات نكبته.

في خضم هذه الخطط الإسرائيلية، والتواطؤ المحلي والإقليمي مع خطط المحتل، سواء بالمشاركة في العدوان أو الصمت وغض الطرف عنه أو بالمشاركة الوجدانية له من أجل التخلص من (عبء) القضية الفلسطينية التي تحول بينهم وبين تطبيع العلاقات والدخول في شراكة حقيقة معلنة مع المحتل، من هنا جاءت فكرة الإنزال الجوي للمساعدات الغذائية على قطاع غزة، وهي حيلة العاجز الذي لا يقوم بالضغط الحقيقي من أجل تسريع وتيرة إدخال المساعدات عبر معابر قطاع غزة المختلفة من أجل القضاء على المجاعة الحقيقة التي بدأت تفتك بالمواطنين خاصة في شمال القطاع.

فكرة الإنزال الجوي هذه بدأت قبل شهر تقريبًا وخصصت لتموين المشفى الأردني في مدينة غزة، ثم بدأ الأمر بتعميم التجربة لتشمل باقي مناطق القطاع، وهي بالمناسبة عملية إغاثية قلية التأثير قياسًا بالحاجة الكبيرة للسكان ولكنها -إضافة إلى استعراضيتها- أخذت منحى تجريبي لما يخطط له الاحتلال من منع وصول المساعدات عبر المعابر بشكل طبيعي وآدمي إلى أي الجهة الدولية (الأونروا) التي تمتلك التجربة والخطط التي تسمح لها بالعمل بصورة منظمة من أجل خلق حالة من الفوضى التي يترتب عليها خلق صراعات محلية داخل المجتمع نفسه وهو صراع طبيعي من أجل الحصول على تلك المساعدات التي تسقط من السماء بطريقة عشوائية مما يفتح الباب بصورة كبيرة لحدوث المشاحنات والجرائم المجتمعية من أجل الحصول على لقمة العيش.

ربما نشهد في الأيام القادمة المزيد من عمليات الإنزال الجوي للمساعدات في شمال قطاع غزة لتعزيز فكرة دفع المجتمع للتفاعل مع النسق الجديد من أجل خلق جسم محلي يتم التعامل معه من قبل الاحتلال لإدخال المساعدات بشكله القديم، وبهذا يكون الاحتلال قد نجح في تهميش جميع المؤسسات الدولية وخلق جسم محلي جديد تحت ضغط الجوع والفوضى لا يتمتع بأي شرعية دولية أو تعاملات خارجية تمكنه من الحديث في أي أمور تتعلق بالحقوق الفلسطينية التي كانت تمثلها وتتحدث باسمها وكالة (الأونروا).

هذه هي النقطة الجوهرية التي يجب أن يتنبه لها الجميع بأن فكرة الإنزال الجوي في جوهرها هي الجسر الذي تسير عليه عملية القضاء على وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين بصفتها الممثل الأول للاجئين الفلسطينيين في العالم، وهي منظمة إغاثية وصحية وتعليمية أي أنها منظمة متكاملة تعمل على الحفاظ على اللاجئين الفلسطينيين في مناحي الحياة المختلفة وليست مجرد منظمة لكيس الطحين.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo