كيف نقنع المواطن بجدوى البقاء فى قطاع غزة

أثار القصف على غزة
أثار القصف على غزة

سوف تنتهي الحرب التي تستدعي شهية عدسات المصورين والقنوات الفضائية، ربما شهر أو شهرين أو أكثر بقليل لكنها سوف تنتهي. انظر حتى أنا أكتب كلمتي شهر وشهران بكل بساطة متغافلًا - بالقصد- آلاف الضحايا الذين سوف يسقطون في تلك المدة عوضًا على المنازل والمدارس وكل ما له علاقة بحياة السكان الفلسطينيين في قطاع غزة، متغافل-قصدًا- عن معاناة مئات الألوف في خيام النايلون وسط الرمال الصفراء وزفت الشوارع ونار البرد.

حروب آخري

أسوء ما في الأمر أن تتحول المعاناة الحالية إلى "رشز" في محافظ الذاكرة المصورة لدى المهتمين بصناعة الأفلام الوثائقية، لأن هذه الأفلام تصنع على مهلٍ بل وتلذذٍ في إخراج المشهد بمأساوية كبيرة ودقة عالية من أجل كسب التعاطف أو شهادة جودة أو ربما جائزة بعد وقت ليس بالكثير.

هذا أيضًا عمل سينتهي، كل قرطاسية الحرب هذه ستنتهي سيأخذ الاحتلال حصته من الدم، تلك الحصة الملعونة التي تتجدد كل يوم بطريقة سخيفة ومملة، لكن السؤال الكبير الذي يجب أن يُلقى في الهواء الطلق وفوق الجميع من ساسة واقتصاديين ووطنين ومقاومين وكل من له علاقة بصناعة القرار: كيف سنقنع المواطن بجدوى البقاء في قطاع غزة؟!

هذا القطاع بات يشكل حالة خطر دائم على حاله وقاطنيه لأنه يُدار بشكل بهلواني جدًا، فلا حروبه مفهومة الهدف ولا واضحة الخطة، ولا استكانته كذلك حاله حال الواقع الفلسطيني في جميع منافي الأرض، لكن القطاع يمتاز بخصوصية تاريخية وهي حفاظه على المسمى الفلسطيني الجامع للقضية والمواطنين، فبدون قطاع غزة لن يكون هناك ذكر سياسي حقيقي للقضية الفلسطينية وهذا سُجل في عام 1948 بإعلان حكومة عموم فلسطين من قطاع غزة وقيادة حركة العمل الفدائي منه، ولو ولم يكن هذا الإعلان ما كان اسم فلسطين كما هو عليه الآن فلربما تقاسم المحيط الأرض وذاب الناس في الخطة والخارطة.

نعود للسؤال: كيف سنقنع المواطن بجدوى البقاء في قطاع غزة.

الإحصائيات تقول أن ما تم تدميره في مدينة غزة يفوق 80% من المباني السكنية وهنا المرور عن كلمة المباني السكنية هكذا خيانة للوصف فهي ليست مباني وحسب بل هي بيوت الناس وغرف نومهم أوطانهم الصغيرة التي تساعدهم وتدفعهم للحفاظ على الوطن الكبير، وهي مصانعهم وشوارعهم وتفاصيل نزفهم اليومي التي تم تدميرها بطريقة لم يعهدها العالم من قبل من حيث النسبة والحجم وطريقة الحقد في التدمير، ناهيك عن الجامعات والمدارس والمخابز دور العبادة وكل ما يساعد المواطن في البقاء على قيد الحياة واستمراريتها ليس شعاراتيًا بل فيزيائيًا وبصوة مادية حقيقية، إعادة كل ما سبق هي حروب أشد وأعمق من حرب القتل، لكنها للأسف حرب لا صوت لها والنزيف فيها غير معلن.

حوصر القطاع منذ عام 2000م واشتد بعدها بسبع سنوات ثم شُنت عليه الاعتداءات الحربية فدمرت آلاف المنازل فيه واٌعيد تعميرها وقد دُمرت مرات عديدة، ولا أريد الإسهاب في ذكر التفاصيل التدميرية لأنها مازالت حية أمامنا جميعًا بصورة أكثر بشاعة، وهذا حصل بفعل آلة الحرب الإسرائيلية التي سلكت طريق الإشكال السياسي الفلسطيني الذي خلق حالة الاقتتال والانقسام الحالي الذي ظهر جليًا في هذه الحرب من خلال فقدان التأثير الحقيقي لمكون سياسي أساسي في الحالة الفلسطينية وهي منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة بالتبعية السياسية، مما انعكس على الشارع العربي والفلسطيني في الشتات وفي الضفة الغربية ذلك الشارع الكبير التائه بين عقله وقلبه ومصلحته، هذا كله يتحمله القائمين على قيادة الحالة السياسية والفصائلية الفلسطينية التي تفتقد تمامًا للتفكير الاستراتيجي وحتى التفكير المرحلي النابع من مصلحة حزبية، فهم حتى لا يعملون وفق سياسة أنظمة أحزابهم الخاصة، بل أظن - وليس كل الظن إثم- إنهم لا يعملون من الأساس وأن الأمر كله يسير وفق نظام المثل القائل "عيشني اليوم وموتني بكرة" ربما نعيش اليوم لكن من المؤكد أن (بُكرة) ليس لنا أبًدًا ما دُمنا في حالة بطولة فردية وتضحيات عظيمة لا يتم توظيفها ومنع تكراراها في المستقبل من خلال الخروج برؤية فلسطينية واضحة لا لبس فيها يعمل الجميع على تحقيقها سلام كانت أم حرب.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo