كيف تتحرك السعودية في التعامل مع الحرب على غزة

القصف على غزة
القصف على غزة

تخرج المواقف الرسمية للمملكة العربية السعودية فيما يتعلق بالعدوان على غزة، عن دائرة البيانات والشجب والتعبير عن القلق واجراء المشاروات، وهو الموقف الذى فسر بالمتوازن مع اندلاع هذه الحرب، من خلال الدعوة إلى الوقف الفوري لإطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن والدفع بعملية السلام ولم تشهد هذه المواقف المتأخرة من حيث التوقيت وحجم الحدث، اى تطور حتى موعد قمة الرياض الاستثنائية المشتركة، والتى حملت في بيانها الختامي حيال الأوضاع في غزة ما يعينها على درء الحرج العربي والإسلامي في ظل العجز السياسي البين ، لكن الأهم كان قرار السعودية تعليق التطبيع مع الاحتلال والذى اتخذته الرياض مرغمة كما يري اتابعين، حيث اعتبر ما جري يوم السابع من أكتوبر ضربة لهذه الجهود، والتي كانت قد قطعت شوطا كبيرا برعاية أمريكية للتوصل إلى تطبيع تاريخي مع كيان الاحتلال الإسرائيلي.

مواقف متوازنة

لم تحمل ردود الافعال والمواقف السعودية والتي جاءت بعد 15 يوما من العدوان على غزة اي ثقل سياسي يمكنه تغيير مجريات وتطورات الاحداث بالنظر الى وزنها الاقليمي في المنطقة حيث اتجهت صوبها الأنظار عربيا ودوليا، واكتفت ببيانات أصدرتها الخارجية السعودية تحذر فيها من مخاطر انفجار الأوضاع وتدعو الى وقف للتصعيد بين الجانبين، وحماية المدنيين، وضبط النفس.

هذه المواقف الدبلوماسية تجلت في تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والتي قال فيها ان ما يشهده قطاع غزة من اعتداء عسكري إسرائيلي واستهداف للمدنيين فيه، وانتهاكات للقانون الدولي الإنساني من الجيش الإسرائيلي. داعيا في كلمة أمام القمة السعودية الأفريقية المنعقدة في الرياض على ضرورة وقف القصف والتهجير القسري للفسطينيين في غزة.

وفي قمة مجلس التعاون الخليجي ورابطة “آسيان”، والتي اجتمع قادة وزعماء 16 دولة خليجية وآسيوية في الرياض، قال بن سلمان مخاطباً: "يؤلمنا في الوقت الذي نجتمع فيه ما تشهده غزة اليوم من عنف متصاعد يدفع ثمنه المدنيون الأبرياء، وفي هذا الصدد نؤكّد رفضنا القاطع استهداف المدنيين بأي شكلٍ من الأشكال وتحت أي ذريعة، وأهمية التزام القانون الدولي الإنساني، وضرورة وقف العمليات العسكرية ضد المدنيين والبنى التحتية وتحقيق السلام الدائم الذي يكفل الوصول إلى حل عادل لإقامة دولة فلسطينية وفق حدود 67 .

وفي تحليل للموقف السعودي إزاء ما يجري في غزة اعتبرت جريدة الجارديان البريطانية ان رد الرياض الأولى على هجوم حماس، غير مشجع بالنسبة لإسرائيل، ودلل على رؤيتها للعواقب الدبلوماسية، ولم يكن أيضا ممكن غير هذا الرد نظرا للمشاعر الملتهبة التى صاحبت الأحداث.

وأضافت الصحيفة حتى الآن، تصريحات السعودية، بخصوص الهجمات، كانت انتقادا شديدا لفشل إسرائيل في التفاوض على تسوية سلمية مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين.

الاتصالات السعودية الامريكية تواصلت على وقع الحرب حيث التقي مستشار الأمن القومي الأمريكي ، جيك سوليفان، مع ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان في المملكة لبحث الجهود الرامية لتحقيق سلام مستدام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وأضاف البيت الأبيض، في بيان، أنهما ناقشا أيضا جهود الاستجابة الإنسانية في غزة، بما في ذلك سبل زيادة تدفق المساعدات الضرورية إلى القطاع، بالإضافة إلى مجموعة من القضايا الثنائية.

غياب سعودي

الحضور الخجول للسعودية إزاء الاحداث في غزة كان مثار جدلا في أوساط المتابعين الذين وصفوه بانه لا يرفي الى حجم هذا الدور الذى بدأ مع الرؤية التي اقرها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كعهد سياسي جديد لكنه لم يخرج عن سابقاته من المواقف التي سجلها اسلافه تجاه الصراع .

حيث سلط الخبير في شؤون الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية، ستيفن كوك، الضوء على ما وصفه بالغياب السعودي الغامض في مشهد الحرب مشيرا إلى أن "السعوديين الجدد" يتصرفون منذ بدء الحرب مثل "السعوديين القدامى" بشأن فلسطين.

وذكر كوك، في مقال نشره بمجلة "فورين بوليسي ان الخطة السعودية "ماتت منذ زمن طويل"، ومع ذلك، كان بن فرحان يسلط الضوء على إحدى المرات القليلة التي كان لدى السعوديين فيها شيء ملموس لتقديمه في عملية صنع السلام الإسرائيلية الفلسطينية.

الى ذلك علق رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"، مصطفى خضري، على الموقف السعودي إزاء الوضع في غزة، لم تستطع السعودية أن تثبت قدرتها على قيادة الشرق الأوسط كما تسعى وتدّعي، فبعد سكون مشوب بالحذر، ظهر الأمير محمد بن سلمان كالماء بلا لون أو طعم أو رائحة، لا يجرؤ على تصدر المشهد أو حتى المشاركة فيه مضيفا أن هذا الأمر لم يكن متوقعًا من دولة بحجم المملكة السعودية، تطرح نفسها كحامية للمسلمين وبلد تحمي البيت الحرام كعبة المسلمين في الشرق والغرب، لكن تعاطيها مع الأزمة لا يتناسب مطلقًا مع الثقل الذي كانت تسعى لترسيخه في المنطقة خلال السنوات الأخيرة واتضح في أكثر من ملف.

الغياب السعودي دفع بحسب صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الى التحدث الإسرائيلي باسم السعودية والإمارات لشكل مرحلة ما بعد الحرب حيث قال أمام إحدى اللجان العليا في الكنيست، إن السعودية والإمارات ستقومان بتمويل إعادة إعمار قطاع غزة بعد انتهاء الحرب والقضاء على حركة حماس.

وتشير الصحيفة إلى أنه لم يتضح بعد الأساس الذي يقوم عليه ادّعاء نتنياهو، إذ إنه لم تقدم أي دولة خليجية نفطية أي إشارة علنية -حتى الآن- إلى أنها مستعدة لتولي مثل هذه المهمة، لكن هناك حالة من التفاؤل لدى الجانب الإسرائيلي بالتوصُّل إلى صفقات محتملة مع دول الخليج خلال مرحلة ما بعد الحرب

001.png

تعليق التطبيع

قرار الرياض تعليق التطبيع مع كيان الاحتلال بعد اسبوع تقريبا من بدء المواجهات يعود للحسابات السياسية وليس لجهة المواقف الداعمة للقضية الفلسطينية بشكل أساسي رغم اتساق مواقفها مع الدعوات العربية لجهة وقف العدوان ورفض التهجير القسري، لكن هناك من يرى ان ثمة مواقف غير معلنة للسعودية فالالتزام تجاه التطبيع لن تغيره مجريات الاحداث وان قرار التعليق مرتبط بشكل الاتفاق الأمريكي السعودي .

لكن الامريكيين اعتبروا ان دوافع عملية حماس كان عرقلة مسار التطبيع " بين إسرائيل والسعودية وفق ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في إشارة واضحة للضربة التي وجهتها عملية "طوفان الأقصى" لمساعي التطبيع والتي وصلت إلى "إطار أساسي" لاتفاق مستقبلي، كما اكد المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي

المضي في مسار التطبيع لا رجعه عنه بالنسبة للرياض لكنها تسعي الى ان يكون الاتفاق كما يبدو في بيئة هادئة سياسيا من حيث التوقيت وهو ماذهب له الكاتب الأميركي البارز توماس فريدمان، حول مصير ملف محادثات التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل قائلا أن "الشيء الأكثر تفاؤلا الذي يمكنني نقله من الرياض، ومن التحدث مع المسؤولين الأميركيين في واشنطن، هو أنه عندما تنتهي الحرب في غزة، ستظل السعودية ملتزمة من حيث المبدأ باستئناف المفاوضات التي كانت جارية قبل السابع من أكتوبر". مشيرا إلى "وجود انطباع قوي للغاية بأن السعوديين يريدون من الأميركيين إنهاء الحرب في غزة في أقرب وقت ممكن، لأن صور الموت والدمار في غزة يمكن أن تؤدي إلى تطرف سكانهم من الشباب".

الناشط المقرب من القصر الملكي صالح العمار أشار في تغريدة نشرها على منصة (X) إلى أمنيات النظام السعودي التي تدور خلف الكواليس، بسقوط غزة بشكل كامل تحت سيطرة الاحتلال، حتى يتحول شرط خروج المحتل الإسرائيلي من القطاع ركن أساسي من أركان التطبيع وإعلانه بشكل اكبر مما كان يتصوره ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أو الكيان الصهيوني.

في مقال في صحيفة "غلوبس" المرموقة المختصة في الشأن الاقتصادي الإسرائيلي، يحلل البروفسيور إيلي بوده تداعيات هجوم 7 أكتوبر على خطط الرياض، فرغم أن موجة المهرجانات والإعلانات والفعاليات التي ميزت حكم ولي العهد تمضي قدما، إلا أن الحرب في غزة وجهت ضربة للاستراتيجة الدبلوماسية والاقتصادية للمملكة مضيفا إلى أن النظام السعودي يريد أن يرى حماس تضعف، هذا إن لم يكن يريد القضاء عليها تماماً، ومن المؤكد أن حقيقة أن مثل هذا التنظيم الصغير تمكن من إذلال المملكة العظيمة ودفعها إلى تعليق التطبيع مع إسرائيل لن يُنسى بالتأكيد.

لكن هناك من راي ان الحديث الذى تضج به وسائل الإعلام الأجنبية حول أن عملية «طوفان الأقصى» جاءت بهدف عرقلة اتفاق التطبيع السعودي الإسرائيلي ليس دقيقا ، بحسب الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية «عمرو موسى» إنه لا يعتقد أن ما نشر عن اتفاق تطبيع السعودي الإسرائيلي برعاية أمريكية سيكون بهذه السهولة. موضحا أن السعودية لها موقف مهم، وأنها في مفاوضاتها مع أمريكا كانت تتخذ موقف مع ما يجب أن يتخذ في إطار القضية الفلسطينية من المسائل الأصولية الأساسية لحل القضية الفلسطينية

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo