السلطة الفلسطينية على هامش الحرب

اجتماع السلطة الفلسطينية
اجتماع السلطة الفلسطينية

المواقف والسلوك السياسي للسلطة الفلسطينية، الذى رافق تطورات معركة طوفان الاقصي وما تلاها من حرب إبادة تشنها إسرائيل على قطاع غزة، وضعها في دائرة الاتهام من منتقديها وخصومها، الى الحد الذي ذهب فيه عضو المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزق لوصف هذا الدور بالمخز، صعودا الى حالة القلق التي عبرت عنها الحركة حيال ما رشح سياسيا من سيناريوهات حول إمكانية عودة السلطة للعب دور بعد نهاية الحرب، لكن المفارقة هنا تكمن ان هذه الحالة لم تقتصر على الفلسطينين بل شاركهم في ذلك الاسرائيلين الذين عبروا عن سخطهم على السلطة، عندما اكد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ان السلطة لن تعود الى حكم غزة نتيجة لعدم ادانتها لعملة طوفان الاقصي، هذه التطورات دفعت للتساءل عن حيثيات هذا الدور .

انتقادات واسعة لاداء السلطة

التفاعل السلبي مع ما حدث يوم 7 أكتوبر والمواقف الفاترة التي سجلتها السلطة الفلسطينية والتي لاترقي الى حجم الجريمة التي يتعرض لها القطاع بالإضافة الي قمع المظاهرات التي خرجت في الضفة الغربية تضامنا مع غزة وعدم اتساق الموقف الفتحاوي الذى عكس انقساما حيال ما يجري في غزة، وضعية دفعت بحالة الاستياء قدما في الأوساط السياسية والشعبية

إحجام السلطة عن اتخاد موقف إزاء الاحداث فسره المتخصص العلوم السياسية في جامعة بيرزيت أحمد عزم انه يأتي في اطار محاولة الرئيس عباس الموازنة بين الضغوط الدولية المفروضة لإدانة هجوم "حماس" عبر الحديث عن المنهج السلمي لمنظمة التحرير، وبين تأييد الشعب الفلسطينين الجارف لذلك الهجوم الذي أذل إسرائيل، موضحا أن الموقف الأخير للرئيس عباس "لم يصل إلى حد الإدانة، وذلك خوفاً من ازدياد الضعف التدرجي لمنظمة التحرير.

لكن ما فجر المواقف بشكل كبير في وجه السلطة هو اللقاء الذى جمع الرئيس عباس بوزير الخارجية الأمريكي انطوني بلنكن في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي ومطالبته السلطة بلعب دور مركزيا في مستقبل قطاع غزة بعد عزل حركة حماس فيما ربط الرئيس عباس عودة السلطة إلى قطاع غزة بـ"حل سياسي شامل"، موقف دفع القيادي في حماس أسامة حمدان الي وصف اى محاولة للعودة الى غزة على ظهر دبابة إسرائيلية بالخيانة .

حركة حماس التي تتبعت مواقف السلطة والرئيس عباس واصل قيادييها انتقاد دور السلطة واللقاءت الامريكية خلال هذه العدوان، حيث قال القيادي في الحركة سامي أبو زهري في تغريده عبر تطبيق (أكس) ان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن شكر عباس للمساعدة على حفظ الهدوء في الضفة. مضيفا "فعلا عباس يستحق هذا الشكر والتقدير الأمريكي".

ليست حماس وحدها من قفزت على هذه المواقف سلبا، القيادي في التيار الإصلاحي لحركة فتح سمير المشهراوي، قال إن أمام الرئيس محمود عباس امامه ثلاثة خيارات، الأول أن يخرج للشعب الفلسطيني وللعالم ويقول يريدونني وضيعا أو ذليلا وأنا أقول لهم بل شهيدا تيمنا بالشهيد ياسر عرفات. والثاني أن يلقي باستقالته في وجه العالم، وسوف ينال احترام الكثيرين أما الخيار الثالث فهو أن يذهب إلى دوار المنارة ويقول إنني غير قادر على حماية الشعب.

تنكر السلطة لتصريحات القيادي في حركة فتح عباس زكي واعتبارها انها لا تمثل إلا نفسه ولا تعبر عن موقف حركة فتح أو سياسة منظمة التحرير بعدما أشاد بالمقاومة وما فعلته في السابع من أكتوبر كرس هذه النظرية حول دور السلطة مثار الجدل، ناهيك عن ظهور تململ وخلافات فتحاوية داخلية جراء هذه المواقف الرسمية للسلطة التي لا تنسجم مع ما يجري ولا تعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني المقاوم .

بين التوازن السياسي والتخاذل

لكن هناك من راي ان السلطة بطبيعة تكوينها السياسي لا يمكنها الذهاب الى ابعد من هذه المواقف والتي تتمحور حول الإدانة والاستنكار والعمل الدبلوماسي على الساحة الدولية وهو الموقف الذي ترجمه وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي الذي اعتبر أن تفجر الأوضاع يعود لـغياب حل للقضية الفلسطينية ومواصلة سياسة ازدواجية المعايير وصمت المجتمع الدولي عن الممارسات الإجرامية والعنصرية للقوات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.

اقرأ أيضاً: وسط انتقادات وتحذيرات... الازهر الشريف ينتصر بالموقف لغزة

هذا التقدير لموقع "وورلد بوليتيكس ريفيو (WPR) اثار تساؤل اخر فرضته الحرب ليس حول دور السلطة وادائها بل حول الأهمية السياسية والاستراتيجية لها، فالغياب الواضح للسلطة الفلسطينية كعامل سياسي في الصراع الحالي يؤكد عجزها الاستراتيجي.

وأضاف التقرير أن "مبادرة حماس لشن الحرب تتناقض بشكل صارخ مع الموقف الصامت والسلبي الذي تبنته السلطة الفلسطينية في مواجهة التعديات والعنف الإسرائيلي في السنوات الأخيرة؛ ما يؤدي إلى تضخيم عجز السلطة عن حماية أمن وحقوق الفلسطينيين".

المتخصص سياسة الشرق الأوسط المعاصرة في جامعة قطر محجوب الزويري استبعد إمكانية استفادة السلطة الفلسطينية مما يجري بسبب "عدم قدرتها على ذلك، فإعلان تأييدها لهجوم (حماس) سيكفلها ثمناً باهظاً من حلفائها".

وعلى الرغم ان السلطة قادت نشاطا دبلوماسيا لا يمكن تجاهله تمثل في التحركات التي قادها مندوب فلسطين الدائم في الأمم المتحدة رياض منصور في تجييش المواقف العربية والغربية وتحميل المسؤولية الكاملة للاحتلال عما يجري، لكنها غير كافية من وجهة نظر الفلسطينيين حيث اعتبر الأمين العام للمبادرة الوطنية مصطفى البرغوثي أن كل هذه التحركات تعتبر "ناقصة" ما لم تقم السلطة بتوحيد البيت الفلسطيني لمواجهة ما وصفها بـ"المؤامرة الكبيرة" التي تحاك ضد الفلسطينيين التصدي لمحاولات شيطنة الفلسطينيين، وعدم السماح لإسرائيل بتشتيتهم، مؤكدا أن "الحرب ليست على حماس وحدها".

هذه الصورة السياسية القاتمة لدور السلطة خلال الحرب رفضتها بعض اقطابها من بينهم عضو المجلس الثوري لحركة فتح عبد الله عبد الله، الذى قال إن ما تقوم به السلطة من إجراءات ليست بالضرورة أن تكون معلنة، وان السلطة منذ اليوم الأول للعدوان وهي في حالة انعقاد واتصالات وتحرك سياسية مع الدول العربية والأجنبية ومجلس الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى".

استثمار الحرب

اختيار السلطة البقاء على هامش الحرب، وعدم الانخراط في دوامة التصعيد والتحذير من مخاطر اتساع دائرة العنف، اعتبره البعض انه يندرج في اطار الواقعية ويخدم فكرتها التي طالما روجت لها بحسب أستاذ الدراسات الإقليمية في جامعة "القدس" عبدالمجيد السويلم حيث كانت تحذر منذ أعوام من عواقب إغفال إسرائيل حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، مؤكداً أنه "كان لا بد من أن يفجر إذلال إسرائيل للشعب الفلسطيني واستباحتها لمقدساته الأوضاع بصورة غير مسبوقة".

بعض التقارير طرحت فكرة جوهرية ان السلطة تسعى إلى إظهار القيادة وتغيير الوضع الراهن الراكد منذ فترة طويلة، والدفع بشكل حقيقي نحو تقرير المصير الفلسطيني، وان ذلك يمكن أن يشمل "إحياءً حقيقيا لمنظمة التحرير الفلسطينية المهمشة، وضمان أنها تمثل جميع الفصائل السياسية الفلسطينية وتشمل الفلسطينيين في كل من فلسطين والشتات".

في تحليل لمجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية (The Economist) قالت أنه حتى أولئك الذين لا يكنون الكثير من الحب من حركة فتح لحماس يشعرون بالفزع إزاء احتمال القضاء عليها على يد إسرائيل، ويحثون عباس على "تنحية الفصائل جانبا وحشد حركة فتح خلف حماس في حكومة وحدة وطنية".

مسؤول فتح في نابلس رائد الدبعي قال: "كلا الجانبين يحتاج كل منهما إلى الآخر"، فحركة "حماس بحاجة إلى الشرعية الدولية لفتح، وفتح والسلطة الفلسطينية بحاجة إلى شعبية حماس".

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo