سقوط المؤسسات الدولية في اختبار غزة

أثار القصف في غزة
أثار القصف في غزة

المواقف والدلالات الأخلاقية التي سجلها الأمين العام للأمم المتحدة، "أنطونيو غوتيريش" في انتقادة للجرائم والانتهاكات الاسرائيلية على غزة كانت بمثابة انتصار لقيم الرجل ليس إلا ، لكنها لم تمنح المنظومة الاممية غطاء أخلاقيا بل شكلت دليلا دامغا على حالة العجز والشلل التي اصابتها في ظل الازدواجية وغياب العدالة وهو ما فسره مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى، «جوزيب بوريل» حينما حذر من فقدان ما اسماه السلطة الأخلاقية لاوروبا إذا لم تبدِ رفضا لما يحدث في غزة.

وبلغت هذه المواقف ذروتها بإعلان مدير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان "كريغ مخيبر"، استقالته متهما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والدول الأوروبية بتوفير غطاء سياسي ودبلوماسي للفظائع التي ترتكبها إسرائيل.

الاونروا من العجز الى التواطئ

في قطاع غزة تنشط العديد من المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بالاغاثة وتحسين الأوضاع الإنسانية والحياتية لسكان القطاع المحاصر لعل من ابرزها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين "الاونروا"، التي كانت اول المؤسسات الأممية التي أعلنت تخليها عن دورها امام الازمة الإنسانية المتفاقمة بحسب الانتقادات التي وجهت لها حيث يتواجد اكثر من 700 الف نازح اضطرتهم آلة القتل الى اللجوء الى مراكزها طلبا للحماية والغوث .

هذا الدور للاونروا دفع بالعديد من الانتقادات للسطح وصلت الى حد الاتهام بالتواطؤ مع الاحتلال في مخطط التهجير القسري وهو ما جاء على لسان عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" باسم نعيم، والذى قال إن تخاذل الأونروا ومسؤوليها عن دورهم المثبت في القوانين الدولية تواطؤ مع الاحتلال. مضيفا أن "الأونروا" تركت مئات الآلاف في شمال قطاع غزة بلا ماء أو غذاء أو علاج، محملاً الوكالة وإدارتها مسؤولية ما سماها "النكبة الإنسانية" لسكان القطاع.

فيما اعتبر رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف خلال مؤتمر صحفي أن تخاذل وكالة الأونروا ومسؤوليها عن دورهم الواجب هو تواطؤ واضح مع الاحتلال ومخططاته بالتهجير القسري".

بدوره اتهم المتحدث باسم وزارة الصحة أشرف القدرة، الأونروا بإدارة ظهرها لسكان قطاع غزة بشكل عام وترك الأطفال فيه دون تطعيم، كما اتهمها بترك ذوي الأمراض المزمنة دون متابعة أو علاج.

وكشفت تقارير صحفية خلال هذا العدوان عن الأوضاع المزرية التي يعيشها النازحين داخل مدراس الاونروا بعدما تركوا دون دون مساعدات او دعم في ظروف إنسانية بالغة التعقيد في ظل عدم توفر المياه الصالحة للشرب او الاستحمام او الرعاية الصحية مما ينذر بتفشي العديد من الاوبئة والامراض .

وكان مقطع فيديو متداول اُظهر مستودعات الأونروا في قطاع غزة مليئة بالمساعدات المخزّنة، بينما تتصاعد الاحتياحات الإنسانية مع الحرب ، وهو ما وضع المؤسسة في دائرة الاتهام من قبل الكثيرين بـ"إخفائها عمدًا". حيث اقتحم آلاف الفلسطينيين عددًا من مخازن الأونروا في غزة للتزوّد بالطحين ومواد غذائية أساسية أخرى، في ظل انهيار الوضع الإنساني في القطاع وتأخّر عملية إدخال المساعدات الدولية بسبب تعنّت الاحتلال.

الصليب الأحمر ما يجري اخفاق اخلاقي

لم تخرج المنظمة الدولية عن ذات المنحي الذى ذهب له سابقاتها، في توصيف ما يجري بانه "اخفاق أخلاقي" وهو ما اكدته رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميريانا سبولياريتش،عندما اعربت عن "صدمتها لمستوى المعاناة الإنسانية التي لا تحتمل"، منددة بـ"فشل كارثي لا ينبغي للعالم أن يسمح به".

ورغم أهمية الدور المنوط بهذه المؤسسة الدولية خاصة في أوقات الحروب والأزمات الا انها فقدت قدرتها على توفير الحماية او غطاء انساني لطواقمها وليس لضحايا الحرب فحسب ومثل استخفاف الاحتلال بدور هذه المنظمة عندما استهدف قافلة الإسعاف التي تحمل جرحي متوجهة من مستشفي الشفاء الى معبر رفح رغم التنسيق المسبق مما ادى الى سقوط عشرات الشهداء في تحد إسرائيلي صارخ لكل القيم والقوانين المتعارف عليها وقت الحرب والتي تضمن لهذه المنظمات العمل دون التهديد او التاثير على دورها .

وليس ادل على العجز، من عدم تعاطي الصليب الاحمر مع المناشدات التي اطلقت بضرورة حماية المشافي والمراكز الطبية، والتي تعرضت لحصار من قبل الدبابات الإسرائيلية خاصة مسشتفي النصر للأطفال ومستشفي الرنتيسي والعيون والصحة النفسية، ناهيك عن عمليات القصف التي طالت مستشفي الاندونيسي في شمال القطاع ومسشتفي الشفاء، امام اعين هذه المنظمة.

المتحدثة باسم الصليب الأحمر ايمان الطرابلسي اعترفت بعجز المنظمة على ادخال الوقود الخاص بعمل المشافي فيما يبدو سيناريو انهيار الصحي في غزة قاب قوسين او ادني وهو السيناريو الاسواء بالنسبة للجنة .

وأعربت طرابلسي عن اسفها انه لا توجد ضمانات امنية كافية لعمل الفاعلين الدوليين في ظل هذه الحرب وتمكينهم من أداء عملهم

لم يكن هذا الحدث الوحيد بل امعنت إسرائيل في استهداف هذه الطواقم الإنسانية من خلال اطلاق النار على قافلة شاحنات تابعة للصليب الأحمر تحمل على متنها امدادت اغاثية أساسية كانت متجهة نحو مستشفي القدس والذى يعاني من أوضاع كارثية مما حال دون وصولها رغم مواصلة اللجنة الدولية تذكير الاحتلال بالواجبات القانونية التي تفرض عليه عدم استهداف الطواقم الاغاثية وتعريض حياتهم للخطر .

المفوضية السامية لحقوق الإنسان تعترف بالعجز

سجل تل أبيب الحافل بانتهاكات حقوق الانسان ومبادئ القانون الدولي الإنساني في غزة يسبق هذا الزمن بعقود طويلة، كما ان حالة العجز لهذه المنظمات العاملة في مجال حقوق الانسان تنتمي هي الأخرى لذات الحقب ، وجاءت معركة طوفان الاقصي لتكشف عن ما تبقي لها من دور ظل رهينة الهيمنة وعدم القدرة على محاسبة إسرائيل والازدواجية في تطبيق مبادئ حقوق الإنسان.

اعتراف وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن جريفيث بان العالم فشل في توفير أبسط الاحتياجات الأساسية لسكان قطاع غزة ليس مجرد تعبير عن الاحباط بل هو حقيقته نعي لهذه المنظومة التي تشتدقت بالقيم الانسانية ولطالما روجت للحقوق والمواثيق حتى بات الانتماء لها يشكل حرجا للكثير من العاملين في هذه المؤسسات .

في السياق قالت المتحدثة باسم المفوضية الأممية لحقوق الإنسان إليزابيث تروسيل إن المفوضية وثقت جرائم ضد الإنسانية ارتكبتها إسرائيل في غزة، وذلك بعد سلسلة من المجازر التي ارتكبها الاحتلال .

وأكدت تروسيل أن الهجمات الإسرائيلية في القطاع انتهاك لمبادئ القانون الدولي، مشيرة إلى أن إسرائيل تستخدم متفجرات ذات تأثير هائل.

ورغم اطلاع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان الذى زار معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر عن كثب على الواقع المتردي، الا انه لم يتمكن من الدخول او زيارة القطاع مكتفبا بالاعراب عن اماله وامانيه في خضوع واضح لقرارات وسياسات الاحتلال .

واكتفى خان بالقول انه يتعين ألا تكون هناك أي عوائق أمام وصول إمدادات الإغاثة الإنسانية للأطفال والنساء والرجال المدنيين، فهم أبرياء".

هذه المواقف الأممية دفعت بالكثيرين الى التأكيد على غياب العدالة واختلال المعايير حيث اعتبر المحلل السياسى المتخصص بالشأن الأمريكى محمد العالم، إن التغاضى الغربى عما رصد من حقائق صادمة عن أعداد الشهداء من المدنيين في قطاع غزة نتيجة الاستهدافات الجوية الاسرائيلية، كان الركيزة الأساسية لفضح ازدواجية التعامل والكيل بمكيالين فيما يخص حقوق الإنسان من جانب الغرب.

أطباء بلا حدود .. دعوات لاظهار الانسانية

دعوة الاحتلال الى اظهار ابسط الاعتبارات الإنسانية التي اطلقتها منظمة اطباء بلا حدود هي تأكيد إضافي على استحالة العمل في ظل هذه المحرقة التى تديرها تل ابيب دون ان تلقي بالاَ لكل هذه النداءات الإنسانية مما دفع بالمنظمة الى دعوة المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات أشد صرامة للضغط على إسرائيل لوقف عدوانها، مشيرة إلى أن المدنيين يُقتلون وينزحون من منازلهم قسرا، والمياه والوقود مستمران في النفاد، فيما بلغت الفظائع في غزة حدا لم نشهده من قبل.

من جهتها اكدت رئيسة منظمة أطباء بلا حدود إيزابيل ديفورني، عدم وجود مناطق آمنة بقطاع غزة في الوقت الراهن، في ظل الوضع الإنساني الصعب الذي يعيشه الفلسطينيون في غزة

وقالت إيزابيل ديفورني أن 30% من القتلى كانوا في جنوب قطاع غزة، على الرغم من مطالبة الحكومة الإسرائيلية للمدنيين بأن يرحلوا إلى هناك".

العجز الدولي في حماية أنشطة هذه المؤسسات دفع منظمة أطباء بلا حدود الى سحب جميع موظفيها الدوليين الذين حوصروا في غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي بعدما توصلت المفاوضات إلى السماح بمرور حاملي جوازات السفر الأجنبية وعمال الإغاثة الدوليين

وأوضحت المنظمة أنه "في هذه الأثناء، لا يزال كثير من زملائنا الفلسطينيين يعملون ويقدمون الرعاية المنقذة للحياة في المستشفيات ومختلف أنحاء قطاع غزة، في ظل غياب الحماية الأمنية الأساسية للمستشفيات والطواقم الطبية".

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo