لأول مرة.. غضب عارم لموظفي غزة على قرار خفض رواتبهم

اعتصام موظفين غزة على خصم رواتبهم
اعتصام موظفين غزة على خصم رواتبهم

تعدى الغضب السائد حالياً لدى موظفي حكومة حماس في قطاع غزة، إلى أكثر من مجرد كسر حاجز الصمت والتلويح والتهديد بالتصعيد، فقد وصل إلى البدء في الإضراب عن العمل في بعض المؤسسات الحكومية، احتجاجاً على تخفيض نسبة رواتب الموظفين مجدداً إلى 55%، بدلاً من المعمول به منذ نحو عام وحصول الموظفين على 60% من رواتبهم.

وتفجر غضب موظفي حكومة غزة، مع إعلان صرف رواتبهم عن شهر أغسطس 2023، بنسبة 55% وبحد أدنى 1700 شيكل، لجميع الفئات عبر بنكي الوطني والإنتاج وجميع فروع بنك البريد التابعة لحماس.

 إضراب جزئي

أول المضربين، كان الأطباء في القطاع الصحي الحكومي، حيث أعلنوا يوم الثلاثاء 19 يوليو الجاري بداية "إضراب جزئي يومي" من الساعة ١٢ وحتى نهاية الدوام، ويُستثنى من هذه المرحلة إضراب الأقسام الحرجة، مطالبين بعلاوة ٢٠٠ % للطبيب أسوة بأطباء الضفة الغربية، والعودة لرفع نسبة الصرف وليس خفضها.

وهدد أطباء غزة في بيان تم نشره على مجموعات (خاصة بالأطباء)، أنه في حال عدم استجابة حكومتهم سيتم تصعيد الإضراب شهرياً، داعين نقابة الأطباء لتبني الإضراب وحماية الأطباء من المواجهة مع إداراتهم.

وقالوا في بيانهم "مخزون صبرنا قد انتهى، ولن نعود للوراء من بعد اليوم، ولن نستطيع تقديم خدمة ١٠٠% مقابل أجر ٥٥%".

"زوايا" تواصلت مع أحد الأطباء المضربين، والذي رفض الإفصاح عن اسمه، فقال: "إن أطباء قطاع غزة لم يتم إنصافهم براتب لائق منذ الانقسام، وأصبح راتب طبيب غزة (الكامل) أقل من ثلثي راتب طبيب رام الله من نفس الدرجة والموقع".

وأضاف "لقد صبر الطبيب لسنوات، عسى أن يأتي الفرج ويتغير الحال، وما لبث أن أصبح الطبيب يتلقى نصف الراتب، وهذا أدى لهجرة واستقالة الكثيرين، ولجوء الكثير من الأطباء إلى وظائف الوكالة والمؤسسات الدولية تاركاً الوظيفة الحكومية".

وتابع "في السنوات الماضية وعدت حكومتنا بتحسين الراتب تصاعدياً، حتى الوصول لراتب كامل، وهذا ما دفع الكثيرين للتحمل والانتظار أكثر، حتى وصلنا إلى راتب واحد بنسبة ٧٠ % ثم عُدنا للهبوط لـ60%، وها نحن نتلقى مرة أخرى راتب ٥٥ % مع تأخير عدة أيام وهذا مخالف لما وُعدنا به".

تعتيم إعلامي

ورغم التعتيم الإعلامي الذي مارسته وزارة الصحة بغزة حول الإضراب لديها، فقد سربت وسائل إعلام محلية، أنباء عن إضراب أطباء وممرضين عن العمل داخل مستشفى غزة الأوروبي في خان يونس جنوب قطاع غزة، وذلك لأول مرة للمطالبة بتحسين رواتبهم أسوةً بالموظفين في الضفة الغربية.

وفي جانب ذي صلة، هددت نقابة المعلمين في قطاع غزة، بأنها ستعمل على تنفيذ سلسلة من الفعاليات النقابية التي من شأنها الحفاظ على كرامة المعلم وهيبته".

واستنكرت النقابة في بيانها، قرار خفض الرواتب، وأكدت أنها ترفضه بالمطلق، مضيفةً أنها "في حالة انعقاد طارئ لمتابعته وهي على تواصل مستمر مع جهات الاختصاص".

وتابعت النقابة "كان الأجدر بوزارة المالية العمل على إيجاد حلول بديلة تضمن صرف الراتب بنفس الآلية السابقة بل والعمل على تحسين نسبة صرف الراتب وصولاً إلى الراتب الكامل". وطالبت النقابة جهات الاختصاص "بالتراجع عن هذه الخطوة غير الموفقة والتي تمس حقوق الموظفين الأساسية".

وسبق لـ"زوايا" أن فتحت ملف موظفي حكومة غزة، وكيف أنهم بدأوا يكسروا حاجز الصمت، مطالبين بجملة من حقوقهم المُعلقة منذ سنوات، متهمين حكومتهم بالتجاهل التام، ونقابة الموظفين "المعينة" بالتواطؤ مع الحكومة في ضياع هذه الحقوق.

وتأتي الدعوات للإضراب في ظل أزمة مالية تضرب حركة "حماس" في الوقت الراهن، دفعتها لاتخاذ قرار بتخفيض رواتب الموظفين في قطاع غزة مجدداً، حيث تواجه الحركة أزمة مالية كبيرة، أثرت بشكل واضح على مستوى الفصيل تنظيمياً، وألقت بتبعيتها على الحكومة التي تديرها.

احتقان ملحوظ

وعكست مواقع التواصل الاجتماعي حالة الاحتقان السائدة لدى موظفي حماس، وعاد الزخم إلى هاشتاج "#راتبي-حقي" بشكل ملحوظ، خلال الأيام القليلة الماضية. بل وصل إلى إعلان الموظف "محمود صافي" استقالته عبر هذه المواقع، احتجاجاً على تخفيض نسبة الرواتب.

محمد صافي.jpeg
فيما هاجم الموظف "طارق العف" ما قال عنه القرار الجائر بحق موظفي غزة، معتبرا أن "التوفير في موازنة الحكومة لا يجب أن ينال من نسبة راتب الموظف الغلبان، بل يجب أن يطال كل المميزات التي تمنح للفئات العليا".

وقال: "لا يعقل أن يتم صرف نسبة راتب ٥٥% لموظف لا يستطيع تمرير مصاريف الشهر بدون مطاردات الدائنين، وفي ذات الوقت يستمر صرف سيارات فارهة ووقود سيارات وفواتير جوالات وغيرها على حساب المال العام"، مضيفاً "ما يتم في زمن الحكومة الرشيدة والبرنامج المقاوم، لا يستوي مع تصرفات وقرارات تنال من كرامة الفئات الدنيا المقهورة وفي الوقت ذاته تميز الفئات العليا".

طارق لعف.jpeg
أما الموظفة "أم أحمد" فكتبت في إحدى المجموعات الخاصة الموظفين على مواقع التواصل تقول "مطلوب من الوكلاء الجلوس مع الموظفين ووضعهم في صورة الوضع المالي والأمني والحصار المفروض وما يحاك من مؤامرة كبيرة، إحنا كموظفين ما بنشوف وكلائنا إلا يوم العيد بالمعايدة أو الإعلام، بيجي من الجيب عالاسنسيل على مكتبه على طول".

وتضيف "يا جماعة مش كل الموظفين حماس، بالذات إلي عينوا مؤخراً عبر امتحانات، ما بعنيهم الوضع ولا الوطن بقلك بدى راتبي أنا جيت بامتحان (..) والله الأمر جلل بعد تنزيل النسبة يكاد يمس العصب الحكومي".

محمد نعمة الله.jpeg
لطيفة اللوح.jpeg
رائد على.jpeg
رازق الحسن.jpeg
خالد عامر.jpeg
 

 نشاط نقابي "مسيس"

وحول الدور النقابي المنوط تجاه موظفين غزة، فقد اعترف خليل حمادة، نائب نقيب موظفين حكومة غزة، بأن النشاط النقابي لديهم "مسيس ومُعطل إلى حد كبير في ظل الانقسام والاحتلال ويجب أن يستعيد هذا الدور النقابي حيويته"، مبيناً أن أنشطتهم بالخصوص مقتصرة على الحوار ومناقشة مطالب الموظفين مع الجهات الحكومية، بحيث لا يمكنهم في الوقت الحالي القيام بأي فعاليات تصعيدية تحرف البوصلة وتوجه ضغط داخلي على الحكومة في غزة، وخاصة أن قطاع غزة يشهد -الوقت الحالي-تصعيد سياسي وثوري في وجه الاحتلال، على حد تعبيره.

وزعم حمادة في حديثه لـ"زوايا" أنهم تفاجأوا بخفض نسبة الرواتب، وذلك رغم كل الوعودات والتطمينات التي تلقوها في النقابة خلال المرحلة السابقة بأنه لن يتم المساس بهذه النسبة، وأن الجهود جارية لتحسينها.

ويرى أن قرار خفض النسبة "غير حكيم" ولا يراعي وضع الموظفين الذين رتبوا التزاماتهم الحياتية ومصاريفهم المعيشية بناءً على النسبة المدفوعة وهي 60%، عاداً أن هذا الخفض المفاجئ لهذه النسبة في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار، سوف يؤدي إلى مشكلات كثيرة للموظفين، إضافة للمشكلات التي يعانونها منذ 10 سنوات.

وأشار حمادة إلى أنهم عبروا للجنة متابعة العمل الحكومي في غزة، عن رفضهم المطلق للقرار، وطالبوا بالتراجع عنه لأنه يمس الموظفين بشكل خطير، منبهاً إلى أن تعزيز صمود الموظفين هو تعزيز للحاضنة الشعبية والجبهة الداخلية في ظل الحصار وممارسة الضغوطات التي تُمارس على الشعب الفلسطيني لتركيعه وتدفيعه الأثمان.

فشل ذريع للإدارة

من جهته، اعتبر الناشط النقابي علاء الهندي، وهو مدرس حكومي، أن الأزمة المالية لحكومة غزة والتي تنعكس على الموظفين، ليس لها أي مبرر بالمطلق أن تستمر إلى حد الآن، معتبرا أن استمرار الأزمة لعشر سنوات "دليل فشل ذريع في الإدارة على كافة المستويات الموجودة في قطاع غزة".

وأوضح أن وصول نسبة صرف الراتب لموظفي غزة خلال هذه المدة بالتدرج من 40% وصولاً إلى 60% ثم التراجع الحالي للنسبة إلى 55% "يُعد فشلاً وليس إنجازاً، لكن الإنجاز الحقيقي هو تلقي الموظف راتباً كاملاً، وخاصة أنه على رأس عمله"، منبهاً إلى أن نسبة 55% من الراتب يتلقاها الموظفون بعد 50 يوما، ما يعني أن نسبة الراتب الفعلي تحولت إلى 28% فقط من نسبة الراتب الأصلي، وانتقصت من راتبه شهر كامل على الأقل من العام".

وحسب الهندي، فإن نسبة كبيرة من الموظفين تقع تحت وطأة الفقر، وذلك بالقياس مع ما أقرته منظمة الأمم المتحدة بأن مستوى خط الفقر2400 شيكل، وهذا يعني أن الـ 1800 شيكل التي يتلقاها موظفو غزة هي تحت مستوى خط الفقر، فضلاً عن أن 15% من موظفي غزة عليهم أوامر حبس لدى الجهات الحكومية.

وعبر الهندي عن استغرابه من تراجع رئيس متابعة العمل الحكومي عصام الدعاليس، عن وعوده وتطميناته للموظفين بعدم نزول نسبة الراتب عن 60%، الأمر الذي يثير الاستهجان، لافتاً إلى أنه منذ عشر سنوات متتالية يعيش الموظفون ظروفاً قاهرة، حيث أنهكتهم القروض والمرابحات من البنوك، إلى حد أن الكثير منهم لا يصفى لديهم أي مبلغ من الراتب وأصبحوا يتسولون الكوبونات، على حد تعبيره.

وحذر الهندي من أن الواقع المالي السيء الذي يعيشه الموظفون، قد يضطر "البعض" منهم إلى الفساد والسرقة من المال العام وتلقي الرشاوي، معتبرا أن قيمة الدفعة المالية الحالية لموظفين غزة لا تكفيهم الثلث الأول من الشهر.

وطالب الهندي رئاسة متابعة العمل الحكومي، بعدم المس بنسبة الراتب للموظفين، وذلك من خلال تشكيل خلية أزمة لتقليل النفقات وترشيدها في الوزارات، وتقليل النثريات وكوبونات الوقود للوكلاء والمدراء العامون، وتوسيع الدفع من المستحقات للموظفين، لاسيما فواتير المياه والكهرباء والعلاج للمرضى وسرعة صرفها، والتخفيض من التراكمات المالية على الموظفين في البلديات وأبنائهم في الجامعات.

من ناحيته، فقد أوضح الكاتب والمختص في الشأن الاقتصادي محمد نصار، أن الأزمة المالية التي أعلنت عنها حكومة غزة منذ أشهر بالتزامن مع توقف المنحة القطرية للموظفين تسببت في "تأخر صرف الدفعة المالية خلال الشهرين الماضيين لأكثر من 45 يوم، واليوم تم الإعلان عن تخفيض الدفعة المالية لشهر أغسطس من 60% إلى 55%".

وذكر نصار لـ"زوايا" أن هذا يعطي مؤشرات بترحيل دفعة راتب شهر ديسمبر القادم إلى المستحقات، وبذلك يمكن حساب ما سيحصل عليه موظفو غزة حتى نهاية العام في حال ثبات النسبة في الأشهر القادم كما يلي: 7 شهور (من يناير حتى يوليو 2023) × 60% = 4.2 راتب، و4 شهور (من أغسطس حتى نوفمبر 2023) × 55% = 2.2 راتب، ما يعني أن موظف غزة سيحصل على 6.4 راتب من أصل 12 راتب، أي بمعدل دفعة مالية شهرية 53.3% من الراتب.

جدول الراتب.jpeg

إقرار ومبررات

وتعقيباً على ما سبق من سرد لبعض أشكال الاحتجاج والانتقاد التي مارسها موظفو حكومة غزة ومواقف تشكيلاتهم النقابية وغيرها من الشكاوى المطروحة للعلن خلال الفترة الماضية، فقد اعتبر سلامة معروف رئيس المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، أن حكومته مفتوحة على كل الأجسام النقابية للحوار والنقاش وترحب بكل المبادرات الهادفة إلى تحسين واقع الموظفين وتنفيذ مطالبهم وحقوقهم المشروعة.

اقرأ/ي أيضاً: حماس وحكومتها في أزمة مالية… التفاصيل الموسعة

لكن معروف وخلال حديثه مع "زوايا" قال: "ليس بالضرورة أن يكون إيصال رسائل الاحتجاج والانتقاد عبر الفعاليات والأنشطة الضارة بالقطاعات الحكومية الهامة، خاصة التي تُقدم الخدمات للمرضى في قطاع الصحة وللطلبة في قطاع التعليم وغيرها من المؤسسات الخدمية المباشرة للجمهور"، مؤكداً "مع إقرارنا بالدور النقابي الإيجابي، ولكن ليس على قاعدة الإضرار والتأثير السلبي على خدمات المواطنين".

وأشار معروف إلى أنه منذ شهور وهم يتحدثون عن واقع الأزمة المالية التي تواجهها حكومته وتفاقمها جراء العديد من المسببات التي حذروا مراراً وتكراراً من أنها قد تصل إلى عدم القدرة على الإيفاء بالاستمرار بالدفع المنتظم لرواتب للموظفين، مشيراً إلى المساعي الحكومية التي كانت وما زالت تحاول تحسين نسبة الراتب ورفع الحد الأدنى وتحسين بيئة العمل الحكومي.

وأرجع معروف بعضاً من أسباب الأزمة المالية التي تمر بها حكومته، إلى تشديد واقع الحصار على قطاع غزة، وتحديداً الحصار في أبعاده المالية بما يخص الإيرادات التي تحصلها وزارة المالية، مما أنتج حالة لا يُمكن معها الاستمرار في توفير نسبة الراتب 60%، مبرراً تخفيض النسبة إلى 55% بأنه قرار استثنائي واضطراري لم يذهبوا إليه إلا بعد استنفاذ كل الطرق والسبل الممكنة، وبذل الجهود على مدار الشهور الماضية مع كل الأطراف والوسطاء، من أجل تخلي المُحاصِرين للقطاع (الاحتلال ومعاونيه) عن سياستهم في تشديد الحصار، وما بدى أنه رغبة من هؤلاء المُحاصِرين بابتزاز القطاع سياسيا، من خلال تجفيف منابع الإيراد المالي لقطاع غزة، وهو إيراد يسمح بتسيير العمل الحكومي وتقديم الخدمات للجمهور على نحو محدود.

وحول السيناريوهات للخروج من الأزمة المالية، أوضح معروف أنهم أمام السير في اتجاهين: الأول هو بزيادة وتيرة الضغط على كل الأطراف من أجل إيصال الصوت واستحضار المسؤوليات الملزمة تجاه رفع الحصار عن غزة وتحسين واقع الحياة لسكانه من خلال الخدمات الحكومية".

والاتجاه الآخر -حسب معروف- مرتبط بمحاولة التخفيف من وطأة هذا الواقع على الموظفين، من خلال السعي إلى توسعة استفادة هذه الشريحة من المستحقات، وتسريع عملية الصرف وانتظام الدفعات الشهرية للموظفين خلال العام، بحيث يتقاضى الموظفون 12 دفعة نقدية من رواتبهم، فضلاً عن المساعي المرتبطة بعدم تأثير هذا الأمر على الخدمات المقدمة للمواطنين.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo