"زوايا" تكشف أسباب المضاربات على ثمن الأدوية بغزة

الادوية بغزة
الادوية بغزة

باستمرار يشتكي المواطنون في قطاع غزة من اختلاف أسعار الأدوية في الصيدليات، ويثير تباين ثمن العلاج بين صيدلية وأخرى تساؤلات حول أسباب عدم ضبط السوق الدوائية، ودور الجهات المختصة في الرقابة على آليات بيع الوصفات الطبية.

وبحسب مرضى استمعت "زوايا" لهم، فإنه عند شرائهم دواء من نفس النوع لاحظوا اختلاف في سعره بين الصيدليات، وظهر تباين ثمن العلاج حتى في الأدوية المشهورة مثل الأكامول والتروفين، ما يدلل وفقهم على غياب الرقابة، ويشير إلى تلاعب في ثمن العلاج، ومحاولات للبحث عن الربح على حساب المرضى.

ويؤكد المرضى أن تباين أسعار العلاج عند شرائها يوحي بأن القائمين على المؤسسات الصحية لا يراعون ظروف الفقر التي يعيشها سكان غزة. وأفقد التلاعب في ثمن الأدوية ثقة المرضى بالصيدليات، إذ بات أغلبهم يزور أكثر من صيدلية بحثاً عن أفضل سعر للدواء الذي يطلبه.

ويعد التلاعب في ثمن الأدوية من الملفات القديمة التي لا حلول لها في غزة، إذ ظهر التباين في أسعار العلاج بين الصيدليات بشكل واضح عام 2010، وحاولت وزارة الصحة عام 2015 حل هذه المشكلة عن طريق تسعير الأدوية ولصق رقعة الثمن على علبة العلاج، إلا أن الصيدليات لم تلتزم بالثمن المحدد.

في هذا التقرير، تعرض "زوايا" مصادر الأدوية في غزة وحصتها في السوق المحلية وتأثيرها على ثمن العلاج، وآليات تسعيرها، والتباين في أسعار العلاج بين الصيدليات، وتناقش دور جهات الاختصاص في متابعة ثمن بيع الوصفات الطبية للمواطنين.

آليات تسعير الدواء

وتعد نقابة الصيادلة المسؤول الرئيس عن تنظيم عمل الصيدليات وبيع الأدوية فيها، ويقع على عاتقها مراجعة ومحاسبة الصيادلة حول المضاربة في ثمن العلاج، وسألت "زوايا" نائب نقيب الصيادلة في غزة سميح أبو حبل عن آليات تسعير الأدوية وهامش ربح الصيادلة.

وأجاب أبو حبل بأنه "يوجد في غزة نوعين من الأدوية إما محلية تنتجها المصانع الفلسطينية سواء في غزة أو الضفة الغربية، أو مستوردة عبر وكلاء لشركات عالمية، وفي الحالتين يجب تسجيل العلاج بشكل رسمي في قواعد بيانات وزارة الصحة حتى يتم تسعيره".

اقرأ/ي أيضاً: ضحيتها الأجيال.. أزمات تعصف بالتعليم في غزة ولا حلول بالأفق

وبحسب النظام المتبع في فلسطين، فإن الجهة الرسمية التي تسعر العلاج، هي الإدارة العامة للصيدلة في وزارة الصحة، ويوضح أبو حبل أن التسعير يكون بوجود نقابة الصيادلة التي لديها عضو دائم يشارك في لجنة التسجيل والتسعير، بالإضافة إلى أعضاء من الضابطة الجمركية، ودائرة حماية المستهلك، واتحاد الموردين، واتحاد الصناعات الدوائية إذا كان العلاج محلي الصنع.

ويضيف أبو حبل لـ"زوايا": "تبدأ قاعدة تسعير العلاج من الوكيل الذي يجلب الدواء سواء الدواء من مصنع محلي أو شركة دولية، حيث يأتي بمعادلة التصنيع، وشهادة رسوم الاستيراد، وبعد ذلك تقوم الإدارة العامة للصيادلة بالاطلاع على هذه الوثائق، لتعرف ثمن الأدوية النهائي عند وصوله لغزة، ثم تعمل على إضافة معادلة رياضية تحافظ من خلالها على سعر ربح للوكيل المستورد، وتصل في بعض الأحيان إلى 50%، وهنا ينتج سعر الدواء الأول وهو سعر التكلفة على الصيدلي".

ويتابع "بعد ذلك يجري وضع سعر ثاني، وهو الثمن النهائي للمنتج، وهذا الذي يبيع فيه الصيدلي الدواء للمواطن، ويكون مسجل على رقعة التسعيرة فوق علبة العلاج، وفيه يتم تحديد نسبة ربح للصيدلية تصل إلى 30% في أحسن الظروف".

ويوضح أبو حبل أنه بعد إتمام مهمة تسعير الأدوية ينتهي دور وزارة الصحة، ويأتي دور نقابة الصيادلة التي تشرف على توزيع الأدوية للصيدليات، وآليات صرفها إذا كانت بحاجة إلى وصفة طبية أي روشتة، والأسعار التي تباع فيها للمواطنين.

وبحسب نظام مزاولة مهنة الصيادلة واللوائح القانونية الخاصة بنقابتهم، وقانون الصحة العامة، فإنه يمنع على الصيدلي مخالفة "حدية التسعيرة الدوائية"، والمقصود بها عدم الزيادة أو النقص على رقعة ثمن العلاج الملصقة أعلى عبوة الدواء، وفقاً لما أوضحه أبو حبل.

أسباب التباين في أسعار العلاج بين الصيدليات

ورغم أن الضوابط تفرض على الصيدلي للالتزام بالسعر، إلا أن المواطنين سجلوا ملاحظات أغلبها أن شرائهم للأدوية كان بثمن أقل مما هو مطبوع على علبة العلاج، ويبدو في الظاهر أن ذلك أمراً جيداً إلا أنه بسبب الخصومات ظهرت مشكلتين، الأولى عند المواطنين وهي تسجيل تباين في ثمن العلاج بين الصيدليات، والثانية عند الصيادلة وهي وجود مضاربات في سعر الأدوية يسبب في بعض الأحيان البيع بخسارة.

يقول أبو حبل: "حتى يكون لدى الجمهور موثوقية، وبناء على الوضع القانوني والرسمي، فإنه يتوجب بيع العلاج بنفس السعر المكتوب على رقعة التسعيرة، في جميع الصيدليات، لكن هذا لا يحدث نهائياً في غزة، ووصلت لنا شكاوى أنه الصيدلي يعاني بسبب المضاربة في الأسعار ويضطر ليخسر جزء كبير من هامش ربحه نتيجة لذلك".

أولاً: الوضع الاقتصادي

ويشير أبو حبل إلى أن نقابة الصيادلة أجرت دراسة حول أسباب المضاربة في ثمن الأدوية، خلصت إلى أن تدهور الوضع الاقتصادي، والتسعير على قواعد علاجية مختلفة، والحصول على حصة سوقية أعلى، ووجود أدوية مهربة، هي العوامل التي تعمل على تباين أسعار الأدوية في السوق المحلي.

ويشرح المسؤول النقابي العامل الأول بالقول "في ظل ظروف غزة والضغط المجتمعي الاقتصادي، اضطر الصيادلة للتخلي عن تسعيرة الدواء، وهذا يعني التخلي عن هامش ربح معين، مقابل الإحساس بالمسؤولية المجتمعية تجاه المرضى، لكن ذلك انقلب إلى مضاربة كبيرة"

ثانياً: التسعير على قواعد علاجية مختلفة

وحول العامل الثاني يوضح أبو حبل "يذهب المريض إلى الصيدلية ومعه روشتة، ويسأل عن الثمن، فيضع الصيدلي السعر بناء على دواء عربي، ثم يغادر المريض إلى صيدلية أخرى فيسعر العامل الصحي الأصناف على دواء إسرائيلي، حينها يجد المريض فوارق في السعر، ويعتقد أن هناك غش أو ربح غير مشروع".

وليتضح ذلك، يضرب أبو حبل مثالاً "في الروشتة كتب الطبيب دواء زينات ٥٠٠ ملج وهو مضاد حيوي، تصنعه شركة بريطانية، ويوجد في غزة علاج اسمه الزينكسيم مصنوع محلياً، والمريض يقدم روشتة مكتوب فيها زينات، لكن الصيدلي يسعره على العربي، لكن يذهب إلى صيدلي ثاني يسعره على الأجنبي، وبالتالي يلاحظ المواطن فرق في سعر العلاج".

ويشير أبو حبل إلى أن بعض الصيادلة يستقطب المريض من خلال التسعير حسب أقل ثمن علاج بين هذه الأصناف، دون الالتزام بالمسمى الموجود في الوصفة الطبية، على اعتبار أن جميع الأصناف تحتوي نفس المادة العلاجية، لكن تحمل أسماء مختلفة.

ثالثاً: حصة سوقية أعلى

أما عن العامل الثالث، يستكمل أبو حبل "بعض الصيادلة يبيع الأدوية بثمن قليل، لأنه يرغب في الحصول على عدد كبير من الزبائن، ويظهر ذلك واضحاً في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية ويوجد بها أكثر من صيدلية قريبة، مثل حي التفاح والشجاعية والدرج".

ويكمل أبو حبل حديثه "ما يساعد هذا الصيدلي على البيع بثمن قليل، أنه يملك رأس مال كبير يمكنه من شراء الأدوية بالدفع النقدي وهذا يمنحه عروض على سعر الدواء من الشركات، وبالتالي هامش ربح الصيدلي يرتفع، ويسمح له بالمناورة في تخفيض سعر الدواء عن باقي الصيدليات المجاورة له، والتي عادة ما تشتري بالدفع الآجل".

ويوضح أبو حبل أن الأصل ما يحصل عليه الصيدلي من خصومات العروض، يجب أن يصب في مصلحته، لكن الصيدلي يفرط في هذا الهامش ويعطيه للمريض على أساس أنه خصم، وهذا حتى يستحوذ على زبائن أكبر وحصة سوقية أعلى.

رابعاً: أدوية مهربة

ووفقاً للنقابي فإن العامل الرابع الذي يؤدي إلى التباين في أسعار العلاج بين الصيدليات هو انتشار الأدوية المهربة أو غير المخصصة للبيع، وحول ذلك يقول أبو حبل: "بعض الصيدليات تحصل على أدوية مهربة أو غير رسمية، وهذه ممنوعة بالقانون والتفتيش الصيدلي يراقب عليها، وتصل إلى غزة من المسافرين أو تسرب بطرق غير قانونية من مؤسسات المجتمع المدني أو الجمعيات الخيرية أو الأونروا أو الصحة نفسها".

ويكمل "الصيدلي يشتري هذه الأدوية بسعر مخفض، ويبيعها بالثمن الطبيعي لها، وتعطيه هامش ربح جيد، يمكنه من التخلي بشكل جزئي عن تسعيرة العلاج الرسمية في أصناف أخرى حتى لو اضطر إلى البيع بخسارة".

اقرأ/ي أيضاً: ماذا تجني حكومة غزة من ملف تصاريح العمال؟

يؤكد أبو حبل أن هذا النوع من الأدوية، هو علاج غير مأمون ومن دون فعالية، لأن مصدره غير معروف وطرق نقله كذلك، وإذا كان جرى حفظه بطريقة سليمة.

ويشير أبو حبل إلى أنه بسبب هذه المخالفة بات لدى بعض الصيادلة دوافع للحصول على الربح غير المشروع الذي ضيعه في الربح المشروع، وأيضاً زادت المضاربة في السوق الدوائية.

ويلفت إلى أن استمرار المضاربة يعني وجود غش دوائي، وبيع علاج مهرب على أنه علاج رسمي، وبيع أدوية فاسدة، مؤكداً أن ذلك حدث في غزة، وأن هؤلاء الصيادلة جرى تحويلهم إلى النيابة التي اتخذت بحقهم الإجراءات الجزائية.

دور جهات الاختصاص… يولد خلافات حادة بين أطراف المتابعة

ويظهر أبو حبل أنه بسبب هذه المضاربة، وصلت لنقابة الصيادلة شكاوى من الصيادلة، واستمعوا إلى تذمر بعضهم من الوضع الذي يسير به السوق الدوائي في الفترة الحالية.

ويوجد في غزة 850 صيدلية، يعمل بها 1700 صيدلي، بينما هناك نحو 4200 صيدلي منتسبين لنقابة الصيادلة، ويتوقع أن يزيد عددهم نحو 400 صيدلي كل عام، على اعتبار أن الجامعات تخرج هذا العدد من كليات الصيدلة، وذلك وفقاً لبيانات حصلت عليها "زوايا" من نائب النقيب نقابة الصيادلة في غزة سميح أبو حبل.

وعن إجراءاتهم لوقف المضاربة في ثمن الأدوية، يوضح أبو حبل أن البيع دون السعر الرسمي لا تمنعه الحكومة في غزة ممثلة في وزارة الصحة، على الرغم من أنها ضبطت التسعيرة الدوائية عام 2015، إلا أنها بعد أن حددت الأسعار، تنصلت من هذا الأمر ورفعت الصحة يدها عن الموضوع، وقالت لنقابة الصيادلة، يمكنكم البيع حسب ما تروه مناسب ونحن لن نتدخل بتاتاً، وهذا أضعف موقف النقابة، "لذلك نحن نفكر قريباً في مقاضاة وزارة الصحة".

اتصلت "زوايا" بمدير دائرة الصيدلة في وزارة الصحة أشرف أبو مهادي، ورد قائلا: "نحن غير مسؤولين عن آليات عمل الصيدليات، مسؤوليتنا تقع على تحديد سعر الدواء وعدم رفعه من الصيدلي فقط، أما خفض الثمن فهذه منافسة، وإذا ترفضها النقابة عليها أن تلزم منتسبيها في البيع بالثمن المحدد، لكن هذا ليس تخصصنا".

ويضيف أبو مهادي في حديث لـ"زوايا": "الأصل الالتزام بالتسعيرة الدوائية أما خفض السعر لا يوجد نص قانوني يمنعه، ولا يوجد نص قانوني أيضا يلزم بالبيع بالسعر المحدد، النص القانوني يطلب عدم رفع السعر فقط"، مؤكداً أن ما يجري بين الصيدليات تنافس غير شريف وأن هناك بيع بسعر أقل من التكلفة، لكنه يجزم مرة ثانية أن هذه مشكلة النقابة وليس الصحة.

مصادر الأدوية في غزة وحصتها في السوق المحلية

ويضاف لذلك رصدت "زوايا" أن المواطنين يشكون أيضاً من أكثر من ارتفاع طرأ على سعر الدواء مؤخراً، وبالبحث تبين أنه في شهر فبراير (شباط) 2022 نشرت الإدارة العامة للصيدلة التابعة لوزارة الصحة في قطاع غزة أنه "في ظل التغير الملحوظ في أسعار الأدوية في سوق الدواء العالمي، سيتم تعديل أسعار الأدوية في القطاع". وهذا التغير هو الذي أدى إلى ارتفاع سعر الدواء.

كما طرأ ارتفاع آخر على سعر العلاج مع بداية العام الجاري بنسب متفاوتة من 8 إلى 30%، ونتيجة لذلك اختفى من السوق المحلي في الفترة الأخيرة ما يقارب 3700 صنف دواء.

وبالعودة إلى نقابة الصيادلة المسؤولة عن ذلك الملف، يقول أبو حبل إن السبب هو ارتفاع تكلفة النقل والشحن عالمياً، وهو السبب أيضاً في اختفاء الأصناف، ونتيجة لذلك عزفت الشركات عن استيراد هذه الأدوية، لكنه يشير إلى أن العلاج في غزة لا زال ثمنه أقل بنسبة 30% من سعره في الضفة الغربية.

وعن مصادر العلاج في السوق الدوائي، يوضح أن غزة تحصل عليه من الاحتلال الإسرائيلي والضفة الغربية ومصر ودول أجنبية قد يكون بينها دول عربية مثل الأردن والسعودية.

وحول عدم حدوث انخفاض في ثمن الأدوية رغم أن هناك تبادل تجاري مع مصر، يشير أبو حبل إلى أن العلاج المصري لا يتجاوز من السلة الدوائية في غزة نسبة 8%، ولا علاقة للتبادل التجاري بين غزة ومصر باتفاقية استيراد الدواء المصري.

ويبين أن الدواء المصري دخل غزة بطريقة رسمية في عام 2021 فقط، حيث سمحت وزارة الصحة بتسجيله بعد أن وقعت بروتوكول تبادل الدواء مع السلطات المصرية، وقبل ذلك لم يكن هناك تبادل رسمي، بل كان مجرد تهريب.

ويوضح أن السلطات في غزة كانت ترفض إجراء اتفاقية تبادل الدواء قبل عام 2021، لعدم مأمونيته، ونظراً لضعف كفاءة الأدوية المصرية، وانتشار شركات أدوية هناك لا تخضع للسياسات والمقاييس التي نعمل وفقها.

ويضيف "بحسب السياسات فإن الأولوية في السوق الدوائي للمنتج الوطني، وفي فلسطين هناك 8 شركات تصنع الأدوية، منها 3 في غزة و5 في الضفة الغربية، ولها الأولوية في السوق الدوائي، ولها تسهيلات ودعم في التسجيل والسعر".

وعن ارتفاع سعر الدواء الفلسطيني، لا ينفي أبو حبل ذلك، بل يؤكد أن ثمن المنتج الدوائي الفلسطيني أغلى من أي منتج آخر حتى الأوروبي، بسبب التكلفة والكفاءة والتعرفة الجمركية والضرائب الإسرائيلية.

ويظهر أن العلاج الإسرائيلي أقل سعر من العلاج الفلسطيني، لأنه محدد بسعر شراء الفرد الإسرائيلي هناك للعلاج، ونحن لا نتجاوز هذا السعر بل يجب أن نكون مساوي أو أقل منه.

ويكشف عن نسبة توزيع حصص الأدوية حسب مصادرها في غزة، أن حصة المنتج الوطني في السوق الدوائي 60%، والإسرائيلي 10%، والمصري 8%، والبقية موزعة بين الأجنبي والذي يتم استيراده من دول عربية.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo