ماذا بقي من السلطة الفلسطينية في قطاع غزة؟

المجلس التشريعي الفلسطيني بغزة
المجلس التشريعي الفلسطيني بغزة

"ماذا بقي من السلطة الفلسطينية في قطاع غزة؟"، سؤال كبير يحتاج إجابات كثيرة، ويحمل تفاصيل بالعموميات، حيث لا يمكن معرفة مدى التواجد الحقيقي للسلطة في غزة، سواء على صعيد الممارسة السياسية أو العمل المؤسسي "الخدمي"، ذلك لأن الإحصاءات والأرقام الرسمية حول ذلك "شبه معدومة"!.

فعلى الصعيد السياسي، لا يوجد فعل سياسي ميداني للسلطة الفلسطينية في غزة، على اعتبار أن السلطة التي تحكم القطاع هي "سلطة الأمر الواقع" التي تديرها حركة حماس، حيث فشلت كل جولات المصالحة في تحقيق الشراكة السياسية وتوحيد شطري الوطن ومازال الانقسام حاضراً منذ ما يزيد عن 17 عاماً.

وبالتالي، في الجانب الأمني لا يوجد للسلطة الفلسطينية دور فيه بأي شكل من الأشكال، حيث معظم عناصرها في قوى الأمن يتلقون رواتب دون عمل، ذلك بعد أن جلسوا في بيوتهم بقرار رئاسي عقب أحداث الانقسام في ٢٠٠٧.

وبحسب نقيب موظفي السلطة في غزة عارف أبو جراد، فإن إجمالي عدد الموظفين بشقيه المدني والعسكري تقلص حالياً إلى 35 ألف موظف، بعد أن كان قبل سنوات بسيطة يصل إلى 58 ألف موظف يعملون في مختلف الوزارات الحكومية. (ما اسمه نقيب موظفي السلطة في غزة؟)

فضلاً عن أن موظفي السلطة في غزة، تعرضوا منذ عام 2017، إلى سلسلة من الإجراءات، تمثلت في الانتقاص من نسبة صرف الرواتب وإحالة الكثير منهم للتقاعد المبكر. فيما يطالب أكثر من 8 آلاف موظف في قطاع غزة "تفريغات 2005" عينتهم السلطة بين أعوام 2005-2007 باعتمادهم كموظفين رسميين، وصرف رواتبهم وعلاواتهم بشكل طبيعي أسوة بزملائهم بالضفة الغربية.

ويعاني القطاع المحاصر من جانب الاحتلال الإسرائيلي من أزمات اقتصادية مركبة، انعكست بالسلب على أوضاع السكان الذين تتجاوز أعدادهم 2.2 مليون نسمة، إذ لامست معدلات الفقر 70%، في حين وصلت معدلات البطالة إلى 50%.

تقاطع في العمل

أما على الصعيد المؤسسي والخدمي، فيقتصر عمل السلطة الفلسطينية على وزارات محددة وبشكل نسبي بسيط، بينما تغيب السلطة الفلسطينية في عمل قطاعات ومواقع حكومية أخرى بشكل تام.

ومن أهم القطاعات التي ما زالت السلطة الفلسطينية تمارس فيها الدور الخدمي هي قطاعات "الصحة، التعليم، والشؤون الاجتماعية، الزراعة، وصندوق إقراض البلديات"، فهناك تقاطع محدود في الجوانب التشاركية للخدمات التي يقدمها موظفو حكومة الضفة مع موظفي غزة داخل الوزارات التي تديرها حركة حماس، حيث يكون جل هذه الخدمات عبر مساهمات مؤسسات وجهات دولية وعربية، يتطلب وجود السلطة للموافقة على التمويل.

اقرأ أيضاً: كيف تحاصر دولة الاحتلال أطفال القدس داخل منازلهم؟

إضافة إلى ذلك، فإن مؤسسات وهيئات رسمية تابعة للسلطة ما زالت تمارس عملها في غزة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك هيئة الإذاعة والتلفزيون، وهيئة الشؤون المدنية التي تتولى التنسيق مع الجانب الإسرائيلي في تسيير أمور المواطنين من السفر والعلاج والعمل وخلافه.

محاولات كثيرة قام بها موقع "زوايا" للحصول على بيانات وإحصاءات رسمية لمعرفة مدى مساهمة السلطة الفلسطينية في أبرز قطاعين في غزة "الصحة والتعليم"، لكن كل هذه المحاولات قوبلت بالمماطلة والتسويف، وبالنهاية اصطدمت هذه المحاولات بالرفض، سواء من حكومة غزة أو الضفة.

غير أن بعض المعطيات الملموسة ميدانياً في السنوات الأخيرة، تشير إلى نجاح مساعي التعاون بين "حكومتي الضفة وغزة" تجنباً لانهيار قطاعي الصحة والتعليم، حيث -على سبيل المثال لا الحصر- هناك تعاون بين تعليم غزة والضفة فيما يخص توريد الكتب المدرسية وعودة مدرسين لأعمالهم وتوحيد المناهج الدراسية والتنسيق التام في امتحانات الثانوية العامة.

وبما يخص الصحة، أيضاً -على سبيل المثال لا الحصر- هناك الكثير من الطواقم الصحية لحكومة رام الله على رأس عملهم في المشافي والمرافق الصحية للقطاع، وهناك توريد شبه منتظم للأدوية من رام الله لغزة، إضافة إلى استمرار التحويلات العلاجية للمواطنين.

يذكر أنه على مدار السنوات الماضية، استنكف آلاف الموظفين في قطاعي الصحة والتعليم بقرار من "حكومة رام الله"، فيما عاد جزء منهم للعمل، وجزء آخر تم إحالته للتقاعد برغم أنه لم يصل للسن التقاعدي، فما لا يزال عدد من العاملين في القطاعين مستنكفين ويتلقون رواتبهم.

دفعات الشؤون "غير منتظمة"

أما بالنسبة لوزارة التنمية الاجتماعية، فإن ما تلتزم به الوزارة برام الله تجاه قطاع غزة هو برنامج التحويلات النقدية أو ما يسمى "شيك الشؤون"، حيث يستفيد منه 80 ألف أسرة بمبلغ يُدفع كل ثلاث شهور، لكنه لم ينتظم منذ أكثر من عامين.

ولاحقاً صرح وزير التنمية الاجتماعية أحمد مجدلاني، أن مخصصات الأسر الفقيرة المستفيدة من برنامج التحويلات النقدية ستصرف قبل حلول عيد الفطر في كافة المحافظات على حد سواء، منوهاً إلى أن الوزارة تبذل جهوداً مضنية لتأمين صرف مخصصات الأسر المعوزة على الرغم من الأزمة المالية التي تواجه الحكومة لتأمين المخصصات قبل نهاية شهر رمضان.

وحسب محمد نصار مدير دائرة الدراسات والأبحاث في وزارة التنمية الاجتماعية لـ"زوايا"، فإن قيمة "شيك الشؤون" يتراوح 450 شيكل شهرياً بمعدل 90 شيكل للفرد لو افترضنا أن عدد أفراد الأسرة خمسة، حيث يبلغ إجمالي المبلغ لكل المستفيدين 100 مليون شيكل، تساهم السلطة بـ20 مليون شيكل، والاتحاد الاوروبي بـ 75 مليون شيكل، و5 مليون شيكل أخرى عبر البنك الدولي.

ويشير نصار إلى وجود برنامج تنفذه وزارة التنمية الاجتماعية برام الله في غزة، عبارة عن "القسائم الشرائية" الممول من البنك الدولي، ويستفيد منه حوالي 23 ألف أسرة بواقع 120 ألف فرد، حيث أن قيمة القسيمة للفرد الواحد مبلغ 35 شيكل فقط.

ويؤكد نصار أن هناك البرامج الخاصة بالطفولة والمرأة وكبار السن، والتي يتم تمويلها من خلال اليونيسيف أو بعض الجمعيات المحلية التي تحصل على تمويل دولي، حيث أن التراخيص والحسابات البنكية لهذه الجمعيات بيد السلطة برام الله، وبالتالي فإنها تتحكم بأنها تطلب من الجمعيات والمؤسسات أن تتواصل مع الوزارة عن طريقها.

القطاع الزراعي

وعلى صعيد القطاع الزراعي، فقد أعلن وزير الزراعة رياض عطاري خلال زيارته بداية العام الجاري لقطاع غزة، عن انتهاء المرحلة الأولى من برنامج المساعدات الزراعية بتمويل من الاتحاد الأوروبي، والذي يدعم المزراعين الذين تضرروا نتيجة الحروب ولحقت بهم خسائر.

وأشار عطاري إلى أنه المرحلة الأولى تم تقديم 10 مليون يورو إلى قطاع غزة، و7 ونصف مليون يورو إلى الضفة الغربية، معلناً بدء المرحلة الجديدة بقيمة 10 مليون يورو، 60% منها سيخصص إلى قطاع غزة بناء على توجيهات الحكومة و40% إلى الضفة الغربية.

كما أعلن إطلاق مشروع بقيمة 5 ملايين دولار ممول من الداعمين والشركاء في الدنمارك والنرويج وبتنفيذ بين منظمة الفاو ووزارة الزراعة لإصلاح المراكب وتطويرها وتطوير القدرات الفنية للصيادين، إلى جانب خطوات مهمة يجب اتخاذها من أجل إعادة تفعيل إنتاجية مشروع الاقفاص البحرية المتخصصة بإنتاج الأسماك والتي مولت من إيطاليا ونفذت بين وزارة الزراعة والفاو بقيمة 2 مليون دولار.

وفي السياق، قال وكيل مساعد وزارة الزراعة طارق صقر، إن "الحكومة برام الله" تولي اهتماماً بدعم وتنمية القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني في غزة، مبيناً أن وزارته بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وصندوق درء المخاطر، اعتمدت قائمة بأسماء نحو 150 مزارعاً من متضرري الحرب التي شنها الاحتلال على القطاع عام 2008-2009.

ونوه صقر في حديث مختصر لـ"زوايا" إلى أن المراحل الأولى للمشروع الأوروبي يتم التركيز فيه على استفادة المتضررين الذين يتراوح حجم الضرر الذي لحق بمشاريعهم من 50 ألف دولار إلى 100 ألف دولار، مبيناً أن إجمالي عدد المزارعين المتضررين جراء الحروب المتعاقبة على غزة يقدر بنحو ثمانية آلاف مزارع، من بينهم عدد كبير استفادوا خلال السنوات الماضية من برامج ومشاريع المساعدات المالية التي يصرفها الاتحاد الأوربي لدعم المزارعين المتضررين بالتعاون مع وزارة الزراعة.

نفقات وموازنات مبهة

من جهته، أشار الكاتب والمختص في الشأن الاقتصادي حامد جاد، إلى أنه في ظل غياب الإحصاءات والأرقام حول مساهمة السلطة الفلسطينية في القطاعات الخدمية في غزة، فإنه يتعذر الجزم بحجم وقيمة هذه المساهمات والمشاريع التي أغلبها يتم تمويلها من مؤسسات وجهات دولية عبر السلطة.

ولفت جاد في حديثه لـ"زوايا" إلى أن تصريحات رئيس الحكومة محمد اشتيه، المتعلقة بإنفاق حكومته في قطاع غزة بملايين الدولارات "مبهمة طالما غير معتمدة على حقائق وأرقام ملموسة"، وفي نفس الوقت لا يمكن نفيها، عاداً أن الأصل أن تعلن الحكومة عن موازناتها ونفقاتها بالتفصيل، إذ أنه ولأكثر من عام سابق لا تعلن الحكومة عن هذه النفقات والموازنات بصورة حقيقية وشفافة، حسب تعبيره.

وكان الفريق الأهلي في ائتلاف أمان للنزاهة والشفافية، انتقد ما قال عنه "ابتداع فكرة ملحق لموازنة 2023"، واصفا ذلك بـ"محاولة لاستغفال المجتمع المدني والمواطن"، مؤكداً أن مجلس الوزراء لم يصدر أية بيانات سابقة تتعلق بإقراره موازنة 2023، وأن ابتداع فكرة ملحق لموازنة 2023 يأتي في سياق استمرار الحكومة في تبني سياسة ترحيل الأزمات المالية والالتزامات المالية المنصوص عليها في اتفاقياتها مع الاتحادات والنقابات والحراكات المطلبية وكسبا للوقت وانتظار حدوث مستجدات تبرر عدم الالتزام بالاتفاقيات.

 إقرار بوجود السلطة

وفي التعليق السياسي المرتبط بالجانب المؤسسي الخدمي للسلطة بغزة، فقد أقر أحمد يوسف المستشار السياسي السابق لرئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية، بأن السلطة ما زالت موجودة وما زالت هي العنوان الذي يمثل الحالة السياسية الفلسطينية، ولا زالت هي الجهة التي تتلقى المساعدات الخاصة بالقطاع التعليمي والصحي وغيره. فضلاً عن أن السلطة مازالت هي التي تتعاطى بالدرجة الأولى مع الأونروا.

وذكر يوسف في حديث لـ"زوايا" إلى أنه بالرغم من الانفصال السياسي نتيجة الأحداث السابقة، لا نستطيع أن نلغي دور السلطة في غزة، عاداً أن كل المنظمات والمنابر لا تتعامل إلا مع السلطة.

ولفت إلى أن أي مساعدات تدخل القطاع لدعم سكانه، سواء في القطاع التعليمي والصحي والاجتماعي أو الإغاثي من خلال المؤسسات، فإن السلطة هي من تعطي الموافقة عليها، ونحن هنا كـ"سلطة أمر واقع تحصيل حاصل"، حسب تعبيره.

وأشار يوسف إلى أنه بغض النظر عن نسبة تدخل السلطة في غزة وعملها، فإن ما يُقدم بموافقة السلطة لقطاع غزة أكبر بكثير من كل ما يدخل لقطاع غزة من أي مساعدات أخرى سواء القطرية أو غيرها.

وقال: "معظم أموال الدعم الخارجي التي تأتي لقطاع غزة، تستقبلها السلطة ولا تعطيها كاملة لغزة وإنما تستقطع جزءاً كبيراً منها"، عاداً أن ما يُقدم لغزة هو أقل بكثير مما يحتاجه القطاع، الذي لا يتعامل معه المجتمع الدولي إلا من خلال السلطة.

وتطرق يوسف إلى الأسباب التي تحول دون عودة السلطة لغزة، فقال "هذه قضية سياسية ولا زال الخلاف عليها كبير، ولا زال كل طرف من طرفي الانقسام له اعتراضاته أو على الأقل قراءته لشكل المصالحة رغم تدخل أطراف عديدة فلسطينية وعربية ودولية"، مضيفاً " أخفقنا في الوصول إلى نقطة تلاقي تعيد رأب الصدع".

وأضاف "العائق الأكبر للشراكة السياسية هو الانتخابات المعطة والتي كان آخرها حجة عدم مشاركة أهالي القدس فيها، فلو جرت الانتخابات للمجلس الوطني والتشريعي ثم الرئاسية لربما تحركت الأمور(..) رئيس السلطة محمود عباس لديه لاءاته التي وضعها حجر عثرة أمام المصالحة، لأنه ما زال يراهن على أنه يمكن أن يحقق اختراقاً في مشروع التسوية".

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo