كيف تحاصر دولة الاحتلال أطفال القدس داخل منازلهم؟

اعتداءات الاحتلال على الاطفال بالقدس
اعتداءات الاحتلال على الاطفال بالقدس

حاول الفتى المقدسي عمر غنام (14 عاماً) جاهداً التواصل مع عائلته وهو بداخل معتقل المسكوبية، لإخراجه من المعتقل إلى الحبس المنزلي، ظناً منه أنه سيكون في حال أفضل في ظل الضغط النفسي والمضايقات الشديدة التي تعرض لها داخل معتقل الاحتلال، لكنه لم يكن يعلم أن الحبس المنزلي سيكون الخيار الأشد قسوة ومرارة.

يقول والد الفتى عمر غنام في حديث لـ "زوايا" بذلنا جهودا عديدة لإخراجه من المعتقل إلى الحبس المنزلي، لكن تفاجأنا بإجراءات الاحتلال الظالمة، بعدما أصرت سلطات الاحتلال أن يكون حبسه في منزل أحد الأقارب وليس داخل منزله الواقع في بلدة الطور شرق مدينة القدس، ما دفع الوالد لإقناع عمته التي تعيش في حي رأس العامود في البلدة القديمة، باستقبال ابنه طوال فترة الحبس المنزلي.

ومن المتوقع أن تمتد فترة الحبس المنزلي للفتى غنام إلى 9 أشهر، وذلك في ظل تعنت سلطات الاحتلال وإصرارها على منعه من قضاء محكوميته بين عائلته.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل غرمت سلطات الاحتلال الوالد مبلغا بقيمة 5000 شيكل للإفراج عنه، والتعهد بدفع 60 ألف شيكل في حال أخل عمر بأي من شروط الحبس المنزلي، حيث تمنع تواصله مع أي شخص خارج المنزل، ومنعه من استخدام الانترنت، ومن الخروج من المنزل والذهاب للمدرسة.

اقرأ أيضاً: الموقف الإسرائيلي من "حرس بن غفير" تَجاهل فلسطينيي الداخل

ويتابع الاحتلال تحركات عمر داخل المنزل من خلال ربطه بسوار إلكتروني يرصدها أولا بأول، الأمر الذي يهدد حياته الدراسية ويجعله في حالة من التوتر الدائم.

وينتج عن هذه العقوبة ضغوط نفسية تطال الفتى المستهدف وعائلته، ويدلل والد الفتى غنام عليها بالإشارة إلى أن ابنه يسأل يوميا عن إمكانية إنهاء الحبس المنزلي في أسرع وقت، ويقول: "يعاني ابني من ضغوط نفسية كبيرة بعد غيابه عن منزله وعائلته، الأمر الذي انعكس سلباً علينا جميعا كعائلة وبشكل أكبر على والدته، وخلال حديث عمر اليومي معنا يخبرنا أنه لا يوجد أمامه شيء يفعله، وبالتالي فهو يعيش بفراغ كبير بعد رفض وإصرار المحكمة على منعه من الخروج لمدرسته".

حالة عمر ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، إذ تزايد استخدام سلطات الاحتلال لعقاب الحبس المنزلي بشكل ملحوظ في القدس منذ عام 2015، وذلك لاستهداف الأطفال دون سن الرابعة عشر، ثم امتدت لتطال كافة الفئات مع بقاء تركيزها على الأطفال بشكل كبير.

من ناحية قانونية، رأى المحامي المقدسي مدحت ديبة أن سياسة الحبس المنزلي التي تستهدف الأطفال بشكل خاص، تأتي ضمن سياسة العقاب الجماعي التي تمارسها سلطات الاحتلال في القدس.

ويقول لـ"زوايا": "إن عقوبة الحبس المنزلي جرى تشريعها بموجب القوانين الوضعية لدولة الاحتلال من أجل استهداف الفلسطينيين وفرض مزيد من السيطرة والتحكم بهم، وهي تتعارض مع المواثيق والقوانين الدولية التي تمنع تعذيب الأطفال وتحرمهم من حقهم في الذهاب إلى المدارس".

ويرى أن هذه العقوبة تعنى بحرمان الطفل المقدسي من ممارسة حياته بشكل روتيني وطبيعي، وهذا كله يهدف إلى التأثير في تشكيل وعي وبناء شخصية الطفل المقدسي خاصة في سن مبكر من حياته، لأن الغالبية العظمى من الأطفال يشكلون خط دفاع مهم في مدينة القدس وباقي المدن والمناطق الفلسطينية.

ويسعى الاحتلال من هذه العقوبة إلى إيجاد شريحة من الصغار غير متعلمة، وتعاني من تأثيرات نفسية، نتيجة إبعادها عن مقاعد الدراسة، وهو الأمر الذي قد يؤثر بشكل غير مباشر على العائلة اقتصاديا بحيث يتحول الطفل إلى مستهلك غير منتج حتى على مستوى دراسته، وفق حديث المحامي ديبة.

وبحسب إحصاءات محلية، فإن قوات الاحتلال أصدرت خلال شهر أبريل/نيسان الماضي ما يقارب 66 قراراً بالحبس المنزلي، طالت 4 نساء وهم مرابطات في المسجد الأقصى، و22 طفلاً.

وتفيد الإحصاءات الصادرة عن "نادي الأسير الفلسطيني" و"هيئة شؤون الأسرى والمحررين" اتساع رقعة استهداف الحبس المنزلي لأطفال القدس، حيث أصدرت سلطات الاحتلال نحو 2200 قرار بالحبس المنزلي بين يناير 2018 ومارس 2022، بحق أطفال قصّر، منهم 114 طفلاً كانت أعمارهم تقل عن 12 عاماً، مقارنة بنحو 228 قراراً بالحبس المنزلي في الفترة بين 2015-2017.

اقرأ أيضاً: كارنيغي: "إسرائيل" روجت الأكاذيب لتبرير الاغتيالات بحق الفلسطينيين

ويرى الباحث المقدسي فراس ياغي في حديث لـ "زوايا"، أن دولة الاحتلال تتعامل مع أهالي القدس ضمن سياسة ومفهوم القمع المباشر وغير المباشر، وهي تحاول أن تفرض هذه السياسة عبر شرطتها وحرس الحدود، والتي من ضمنها الحبس المنزلي الذي هو جزء من القمع المباشر نحو المقدسيين، وهو يمارس عادة ضد الفتية الذين لم يبلغوا سن السابعة عشرة وبشكل أكبر خلال فترات التوتر والاشتباك.

وتحاول شرطة الاحتلال إيهام الأهالي بوجود فرصة ثانية أمام الأطفال قبل الحبس المنزلي، لتستخدم الأهل كوسيلة ردع للابن أو الابنة، وإلا ستكون عقوبته لاحقا أقسى وأكبر، لكن كل ذلك لم يوقف المواجهات اليومية في عدة نقاط ومناطق في مدينة القدس التي يقودها الفتية والشبان المقدسيين، وفق ياغي.

وحول تداعيات عقوبة الحبس المنزلي على العائلة المقدسية، اعتبر أمجد أبو عصب رئيس لجنة أهالي الأسرى المقدسيين في حديث لـ " زوايا" أن سياسة الحبس المنزلي ليست بجديدة على قوات الاحتلال وهي تطال النسيج المجتمعي في القدس، ولها تداعيات تطال الأسرة المقدسية ككل، نظراً لأن هذه العقوبة دائماً ما يرافقها إجراءات في التمديد والمحاكمة، وبالتالي تكون أصعب من السجن الفعلي الذي يكون أقصى مدة لإصدار الحكم فيه هو 9 أشهر.

ويوضح أبو عصب أن معاناة الأسرة المقدسية تزداد مع ازدياد مدة الحبس المنزلي، لأن الطفل يصبح في حالة تمرد حتى على عائلته في ظل منعه من الخروج للشارع وممارسة حياته بشكل طبيعي كباقي الأطفال الذين هم في سنه.

وينوه إلى أن سلطات الاحتلال دائماً ما تجبر عائلة الطفل المحبوس منزلياً على إيداع مبالغ نقدية طائلة تصل إلى ما يقارب 40 ألف شيقل كجزء من شروط الإفراج عن الطفل وإدخاله في الحبس المنزلي، إضافة إلى شرط خلو السجل الأمني لكفيل الطفل مثل والده أو والدته، وبمعنى أدق إذا كان والد أو والدة الطفل أسير محرر يمنع من أن يكون كفيلا لطفله، وهذا يضع العائلة تحت ضغط آخر بإيجاد كفيل.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo