لغة التهديد ليست من استراتيجيات المقاومة الحقيقية لشعب محتل

تهديدات المقاومة الفلسطينية
تهديدات المقاومة الفلسطينية

اعتادت الفصائل الفلسطينية منذ ولادتها على اطلاق التهديدات باتجاه الاحتلال الإسرائيلي، كانت هذه التهديدات تعلوا صيحتها وتخبوا أحيانًا كثيرة، استمر هذا الحال وامتد كثيرًا حتى أخذ ذروته في فترة انتفاضة الأقصى فأخذت الفصائل تتبارى في تهديد الاحتلال بالرد المزلزل على اعتداءاته المتكررة وجرائمه التي يرتكبها بحق تلك قادة الفصائل وبحق المقدسات ومن ثم الشعب وراحت تنفذ العمليات ضده بشكل كثيف وعنيف، حتى أن بعض الفصائل كانت تشتبك فيما بينها على تبني أحد الشهداء، أو إحدى العمليات ضد إسرائيل، توالت الأحداث وحصل ما حصل من انسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة، وما تبعه من انقسام ما زال مستمر إلى الآن، كانت حدة التهديدات تختلف حسب الجو السياسي، والحالة الداخلية للفصائل، وهنا نصل إلى مرحلة التهديد الكبير الذي أطلقته حركة حماس بخصوص اقتحام المسجد الأقصى وما حدث جراء اعتزام الاحتلال هدام منازل في حي الشيخ جراح، مما دفع بحركة حماس إلى اطلاق الصواريخ مباشرة على مدينة القدس بعد امهال الاحتلال بوقف اعتداءاته، وبالطبع لم يلتزم الاحتلال وحصل ما حصل من حرب استمرت لعشرة أيام وراح ضحيتها أكثر من 200 شهيد، كان ربما هذا هو التهديد الذي أقفل الباب الفعلي للتنفيذ، أو على الأقل جعل لغة المهددين تختلف كثيرًا عما سبق، لأن تكلفة "سيف القدس" كانت عالية، عوضًا على ما تبعها من تسهيلات مالية واصدار التصاريح الخاصة بالعمال كمقدمة لوعود أكبر تتعلق بفك الحصار السياسي والاقتصادي عن القطاع الذي تحكمه حركة حماس.

اقرأ أيضاً: "أين محور المقاومة"؟ سؤال يبحث سكان غزة عن إجابته

في هذه القضية بالذات –ما يخص مدينة القدس- تعتبر إسرائيل أنه قد تم المساس بقضيتها المركزية باعتبارها العاصمة الموحدة لها، فقررت حكومتها التي عملت عدة مرات على تغيير مسار مسيرة الأعلام تحت نصائح بعدم التصعيد والتي تقيمها كل عام في ذكرى ما يسمونه توحيد القدس واحتلال الجزء الشرقي منها عام 1967.

بعد تلك السنة (2021) عمدت اسرائيل إلى تكثيف اقتحاماتها للمسجد الأقصى وبصوة عنيفة غير معهودة وكانت تتعمد في الكثير من الاقتحامات استفزاز المصلين والاعتداء عليهم دون وجود حالة مقاومة كما حدث عام 2022، وهي بهذا الفعل ترد على (جرح كرامتها) الذي حصل عندما تم اطلاق الصواريخ على مدينة القدس وتفريق التظاهرة على شاشات التلفاز، هذا الفعل عمل على إشعال وتيرة التهديدات مرة أخرى، وهناك من وعد من قادة الفصائل بأن صور الاعتداءات على المسجد الأقصى والمصلين لن تتكرر، وتكررت عشرات المرات بعد ذلك عن قصد لكي يفرغوا تهديدات الفصائل من مضمونها فتصبح أمام الناس عاجزة من قدرة الفعل، أو تظهر وكأنها مردوعة، وهذا وحدة كافٍ لأن يقلب التهديد على عكسه ويكسوه الكثير من السخرية الجماهيرية في أوساط الفلسطينيين الراغبين في الانتقام وتنفيذ التهديد، ومن الاسرائيليين الذي رأوا في التهديد تحدي كبير لقوتهم التي لا تقهر واعتداء على حقهم في التقرير في عاصمتهم.

ما فعل بنا أسلوب التهديد؟!

إن اتباع الفصائل لأسلوب التهديد كوسيلة مقاومة أضحى غير لائق وكثير الضرر على مفهوم المقاومة النفسي قبل العملي، عوضًا على الخلل الحقيقي فيه من الناحية الكفاحية، فنحن شعب محتل، وهذا وحده يكفي لأن تستمر عملية المقاومة وتتصاعد دون حاجة لإطلاق التهديدات التي عمل ويعمل المحتل على كسرها بطريقة منظمة، فماذا يعني أن تربط مقاومتك للاحتلال بأن يقوم بعمل معين كمسيرة الأعلام مثلًا؟!

لا يمكن تفسير ذلك الأمر من الناحية السياسية أو الكفاحية ففلسطين كلها والقدس واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 ويفعل فيها ما يحلو له، بل إن حركة التهويد لم تتوقف في القدس لحظة، ناهيك عن حركة الاستيطان وغيرها من التغييرات الديمغرافية، وما ومسيرة الأعلام إلا الشكل الكرنفالي الذي يتم اقامته سنويًا لتتويج عملية التهويد المستمرة بشكل يومي، فهل الأولى أن أُهدد من أجل مسيرة كرنفالية، أم أقاوم حالة الإحلال التي تحدث في القدس وفي مختلف مدن الضفة الغربية؟

إن هذا التهديد المتعلق بمسيرة الإعلام -وهو بالمناسبة قد خفت عن السنوات السابقة بعد إعلان نتنياهو عن تنفيذ المسيرة كما هو مخطط لها حتى وإن حدث إطلاق للصواريخ، وهو ما حدث بالفعل

اقرأ أيضاً: قذائف الهاون سلاح أرهق الاحتلال بمعركة "ثأر الأحرار"

، فقد تمت مسيرة الأعلام دون إطلاق للصواريخ، وستحدث في العالم القادم، وسيعمل على إظهار ذلك الحدث فارغ المضمون وكأنه بطولة قومية يهودية وتحدي للجميع، بالمقابل أصيبت نفوس الناس التي شاهدت تلك الصور بينما يرن في أذنها صدى التهديدات بالوهن وخيبة الأمل بعد أن تم تحييدها النفسي عن الفعل الحقيقي على الأرض منتظرة ومعتدة ومتحامية بالتهديد الصاروخي المكرر والذي لم يكن له جدوى انتقامية حقيقة، وها هو نتنياهو يعقد اجتماع حكومته تحت أنفاق حائط البراق، ويعلن عن حزمة تسهيلات للمستوطنين لتشجيعهم للإقامة والسكن في مدينة القدس، وسوف يصدر قرار آخر قريبًا يقضي بتسريع عملية هدم المنازل بوتيرة أكبر وسيكون حي الشيخ جراح في عين العاصفة، لكي لا يحدث ما يخطط له الاحتلال يجب على الفصائل أن تمحي من قاموسها لغة التهديد، ومفردات الخطوط الحمراء والصفراء، وأن تتعامل مع الاحتلال بأنه حلقة كاملة من الألم والصراع، وأن وجوده بحد ذاته هو انتهاك لكل الخطوط، وكم أخشى أن هذا الأمر قد أصبح أكبر من قدرة الفصائل التي ربما لن تستطيع حتى استعمال لغة التهديدات مرة أخرى.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo