"سمن على عسل".. كيف تطورت علاقة مصر بحكومة غزة؟

لقاءات حكومة غزة مع المخابرات المصرية
لقاءات حكومة غزة مع المخابرات المصرية

تشهد العلاقة بين السلطات المصرية والحكومة القائمة في قطاع غزة، تطوراً لافتاً على أكثر من صعيد، فمن جانب حركة حماس التي تدير هذه الحكومة، فقد سعت إلى تحسين هذه العلاقة، رغبة في الانفتاح على مصر، وتفكيك العديد من الأزمات في غزة، خاصة المتعلقة بالاقتصاد.

ما المسموح وما الممنوع في هذه العلاقة، ووفق أي ضوابط تسير هذه العلاقة؟

ومن جانب آخر، ترغب مصر في استقرار الأوضاع في شمال سيناء، وتعزيز حضورها في الملف الفلسطيني. ولكن السؤال الهام والعريض المطروح "ما المسموح وما الممنوع في هذه العلاقة، ووفق أي ضوابط تسير هذه العلاقة؟".

وعليه، أجرى موقع "زوايا" تقييما للعلاقة بين مصر وحكومة غزة في الوقت الحالي من خلال استطلاع آراء بعض الساسة والمراقبين، واستيضاحا لطبيعة العلاقة بين الجانبين هل هي مقتصرة على الشق الاقتصادي والمنفعة المشتركة بينهما، أم أنها مقرونة بالتطور السياسي؟.

ومن الأخبار اللافتة لتطور العلاقة بهذا الصدد، والتي نشرها موقع "المصري اليوم" في مارس الماضي، أن معبر رفح شهد تنقل 6693 مسافراً في كلا الاتجاهين خلال الفترة من الخامس إلى التاسع من شهر مارس/ آذار الجاري، ويتضمن في التفاصيل أن 3163 شخصاً عبروا إلى الأراضي المصرية قادمين من القطاع، مقابل عبور 3530 مسافراً من مصر إلى غزة، خلال الفترة المشار إليها.

محاور ثلاثة

من ناحيته، عبر د. أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، بصراحة أن بعض التفاصيل الدقيقة لهذه العلاقة -بين حكومة غزة والحكومة المصرية- لا تكون متاحة للمراقب العادي، لكنه يقدر أن مثل هذه العلاقات تدور حول ثلاثة محاور أساسية هي " المحور السياسي، والاقتصادي، والإنساني".

وأوضح أحمد في حديث لـ"زوايا" أن المحور السياسي، يأتي انطلاقا من موقف مصر الذي يجمع ما بين الالتزام بمعاهدة السلام مع (إسرائيل) والالتزام بالحقوق الفلسطينية بشكل مطلق كما ورد في قرارات الشرعية الدولية، مشيراً إلى أن هذا الوضع يجعل هناك قاسماً مشتركاً بين مصر والحكومة القائمة في غزة، لأنه من حيث المبدأ مصر تؤيد الحقوق الفلسطينية، ولكنها -في نفس الوقت- بحكم معاهدة السلام مع (إسرائيل) لا تستطيع أن تشارك في صد أي اعتداءات إسرائيلية على قطاع غزة، ولذلك تبذل جهودها دائماً في محاولة التوسط للوصول إلى تهدئة أو تسوية، عندما يطول الصدام المسلح بين الطرف الإسرائيلي المحتل وبين حركة حماس التي تقود غزة.

اقرأ أيضاً: إعلامي مصري يوضح: أسباب تراجع الدعم العربي للقضية الفلسطينية

ولفت إلى أن الموقف السياسي المصري سالف الذكر، ينطوي بالتأكيد على أنه قد يكون هناك بعض الاتجاهات داخل غزة عموماً وفي الحكومة القائمة هناك خاصة، موافقة تماماً لما تقوم مصر به من دور سياسي تجاه غزة، مؤكداً أنه بالمحصلة "هناك قاسم مشترك على الأقل يتمثل في الدعم المصري الكامل للحق الفلسطيني، كما هو موجود في قرارات الشرعية الدولية".

وبما يخص المحور الاقتصادي، فقد ذكر أحمد وجود تعهد مصري بالمشاركة في إعادة إعمار قطاع غزة، فضلاً عن توريد الكثير من الاحتياجات الاقتصادية عبر معبر رفح التجاري، رغم أن هذا -الجانب الاقتصادي- شابه بعض الاعتراضات التي قال إنها "تفاصيل كثيرة لا علم له بها"، لكنه أشار إلى أن مصر من حيث المبدأ متمسكة بهذا الدور.

وفي التفاصيل الرقمية والانعكاسات الاقتصادية، فقد كان موقع "زوايا" قد نشر تقريرا سابقا يتضمن الإحصائيات الرسمية للواردات والصادرات من معبر رفح التجاري بين القطاع ومصر لفترة من الفترات السابقة، وذلك لقياس توجه حكومة غزة نحو الاستعاضة عن معبر كرم أبو سالم بمعبر رفح في بعض الواردات، من أجل تعويض النقص وزيادة إيراداتها وتأمين رواتب موظفيها والنفقات التشغيلية للوزارات.

أما بالنسبة للجانب الإنساني، فقد نوه أحمد إلى أنه نتيجة للعلاقة الوطيدة بين الشعبين المصري والفلسطيني وبالذات في غزة "الأمر يتطلب نوعا من التسهيلات بالنسبة للمواطنين الفلسطينيين، خصوصاً أن هناك أبعاداً كثيرة لهذه العلاقة تحاول السلطات المصرية قدر استطاعتها تسييرها لغزة مثل السفر والعلاج والدراسة والحج وغيرها عبر مصر".

وحول الأطراف التي يمكن أن تكون منزعجة من علاقة مصر بحكومة غزة، فقد ذكر أحمد بوضوح "إن إسرائيل تريد أن يكون موقف مصر كموقفها، تجاه الحد من قدرات للمقاومة المسلحة المشروعة في غزة ضد الاحتلال"، عاداً أن وجهة النظر الإسرائيلية تعتبر مقاومة غزة، نوع من أنواع الإرهاب، وتريد من السياسية المصرية أن تتبنى هذا الموقف.

وعبر أحمد عن اعتقاده أن هذا الموقف "موقف إسرائيلي لفظي، لأن الأخيرة تستفيد من الصلة المصرية بحكومة غزة، وخاصة عندما تتعرض لمآزق أثناء اعتداءاتها المتكررة على القطاع (..) حيث توفر الدبلوماسية المصرية لـ(إسرائيل) مخرجاً لا يريق ماء وجهها". وكرر" ألاحظ أن علاقة مصر بحكومة غزة، ليست مصدراً لتوتر كبير في العلاقة بين مصر وإسرائيل".

أما فيما يتعلق بالسلطة الفلسطينية، فقد ذكر أحمد أنه من الطبيعي أن لن يكون هناك ارتياح لدى السلطة برام الله من استمرار وجود علاقات بين مصر وحكومة غزة، وذلك على أساس أن السلطة تعتبر هذه الحكومة غير شرعية، عاداً أن هذه المسألة بالغة التعقيد والحساسية بالنسبة لمصر، علماً أن حركة حماس كانت قد فازت بأغلبية تشريعية في آخر انتخابات جرت في فلسطين، ومصر لا تستطيع أن تتنكر لمسؤوليتها تجاه قطاع غزة (..) رغم أن هذه القضية قد تنطوي على نوع من أنواع الدرجات بالغة الحساسية، ولكنني لا أتصور من الممكن أن تقطع الحكومة المصرية علاقتها بغزة، فهذا مستحيل سياسياً وجغرافياً وإنسانياً"، حسب تعبيره.

 على مستوى غير رسمي

ويتحفظ الكثير من مسؤولي حركة حماس وحكومتها بغزة، على التطرق للعلاقة السياسية والأمنية التي بينهم وبين السلطات المصرية، مبررين ذلك بأن "الحديث الإعلامي يعكر صفو هذه العلاقات".

يذكر أن الإعلام المصري المؤيد للنظام الحاكم شن حملة إعلامية ضخمة ضد "حماس"، ارتفعت وتيرتها بعد أحداث مصر في شهر يونيو 2013، وهدم الجيش المصري على إثرها الأنفاق الحدودية بين غزة ومصر.

بدوره، تحدث أسامة نوفل مدير عام السياسات والتخطيط بوزارة الاقتصاد بغزة لـ"زوايا" عن طبيعة ومراحل تطور الشق الاقتصادي بين حكومته والسلطات المصرية.

وأوضح أنه بعد مرحلة إغلاق الأنفاق الأرضية على الحدود المصرية الفلسطينية، تبلورت رؤية مشتركة بين مصر والأمم المتحدة، والسلطة الفلسطينية كانت طرف فيها نحو "تسهيل حركة إدخال بعض البضائع السلعية من مصر إلى غزة، لكن تحت منظور الجانب الإنساني فقط".

لا يوجد أي اتفاقيات وزيارات حكومية رسمية وخبراء اقتصاديين بين الطرفين

ويؤكد نوفل أنه لا يوجد في الوقت الحالي تعاون على المستوى الرسمي بين الحكومة المصرية والحكومة بغزة، حيث لا يوجد أي اتفاقيات وزيارات حكومية رسمية وخبراء اقتصاديين بين الطرفين، وإنما التفاهمات التي تتم هي من خلال المخابرات المصرية وقيادة حركة حماس"، منوهاً إلى أن التعاون الرسمي كان يزعج السلطة الفلسطينية، وهو ما تتجنبه السلطات المصرية.

وأشار إلى أن المنفعة واضحة لقطاع غزة من بوابة صلاح الدين بأشكال عدة، حيث أن الآلية الموجودة تستجيب لسرعة إدخال السلع من مصر خلال ثلاثة أيام أو أربعة، في حين أن الاستيراد من الخارج قد يستغرق شهرين وثلاثة، إضافة إلى محاولة فك الارتباط الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي وإعادة الرؤية في التبادل التجاري، فضلاً عن أن العديد من السلع التي يمنع الاحتلال إدخالها عبر كرم أو سالم أصبح يتم إدخالها عبر معبر رفح التجاري.

اقرأ أيضاً: خفايا الإصلاح القضائي... التغييرات القضائية من سيء إلى أسوأ

وعلى ضوء ما ذكره نوفل، فقد أكد أن إيرادات حكومة غزة باتت تأتي من خلال بوابة صلاح الدين عبر الجمارك على "السجائر والوقود وغيرها مواد البناء"، منوهاً إلى أن السلطة الفلسطينية أكثر المستفيدين من حصار القطاع.

كما يرى أن السلطة من أكثر الأطراف المنزعجة من علاقة حكومة غزة بمصر، حيث أن ذلك يقلل من إيراداتها، وخاصة بعد أن توسعت قاعدة الإدخال والكميات للسلع من مصر إلى غزة، مبيناً أنه كان في السابق يدخل 13% من الواردات لغزة من مصر، ولكن اليوم بعد تحويل إدخال مواد البناء إلى الجانب المصري أصبح حوالي 37%.

وعبر نوفل عن اعتقاده، بأن مصر ماضية في مسارها لتبني ملف قطاع غزة، حيث كان لها دور مميز في وقف الحروب السابقة وتحقيق التهدئة هذا من جانب، وتسهيل المساعدات الإنسانية والسماح للسلع بأشكالها من الدخول وتصدير بعد الأصناف الأخرى من غزة إلى مصر من جانب آخر.

 الممنوع أكثر من المسموح

طلال عوكل الكاتب والمحلل السياسي، عبر عن وجهة نظره في العلاقة الحالية بين مصر وحكومة غزة قائلاً " الممنوع أكثر من المسموح، أو بالأحرى كل شيء في السابق مُحاصر ومُقيد ومُتحفظ عليه، ولكن اليوم أضحى هناك من الضوابط السابقة ما هو مسموح به".

وأشار إلى أن هذه العلاقة "قدرية" بين مصر وعموم فلسطين وغزة على نحو خاص، وذلك بحكم الجغرافيا والتاريخ، حيث العمق الاجتماعي في العلاقات بين الشعبين والحكم الإداري المصري للقطاع لسنوات مضت، فضلاً عن المصلحة الاقتصادية القائمة الآن بين غزة ومصر. مستدركاً "لا يوجد اقتصاد بدون سياسية، فالأمر ليس إنساني بالتأكيد".

وعلى صعيد الأمن، فقد ذكر عوكل لـ"زوايا" أن الوضع في مصر كان يعاني من موجة طويلة وواسعة من "الإرهاب" وخاصة في سيناء المجاورة لغزة، حيث لعبت "حكومة حماس" دوراً كبيراً في التعاون مع مصر لمنع تسلل المسلحين من وإلى غزة.

وأوضح عوكل أنه ربما لفترة من الفترات، كانت "حكومة حماس" مُتهمة بإدارة شبكة أنفاق تجارية تُعينها على تحصيل موارد مالية للتخلص من الحصار المفروض عليها لسنوات، وليس ذلك فحسب، فقد كانت وسائل الإعلام المصرية تتهمها بتهريب السلاح والمسلحين وتهديد الأمن المصري.

وأردف أنه بحكم التلاقي الفكري لحماس مع جماعة الإخوان المسلمين، فقد خلف هذا توترات في العلاقة بين مصر وغزة، لكن بعد سنوات انتهى هذا التوتر وتحول إلى تعاون، بما فيه "تعاون أمني وضبط للعلاقات سواء فوق الأرض أو تحتها"، وبات كل طرف يعبر عن حرصه بحدود معينة تجاه الطرف الآخر.

ويرى عوكل أن الاستنتاجات مهمة، علاقة الجوار الجيواستراتيجي تُلزم في كثير من الأحيان الطرفين للتعاون، ولاسيما الفلسطيني باعتباره الحلقة الأضعف في ظل الاحتلال والحصار، فنجده مضطراً أحياناً كثيرة أن يقدم تنازلات أو يتغاضى عن بعض الحقوق أو الإشكاليات كما هو حاصل في معبر رفح على سبيل المثال.

الأطراف المنزعجة

وبالمقابل، يؤكد عوكل أن هناك بعض الأطراف المنزعجة من أي تطور للعلاقة بين مصر وحكومة غزة، ومن هذه الأطراف "السلطة الفلسطينية وإسرائيل" اللتين تنزعجان في جوانب محددة، وربما مرتاحتين في جوانب أخرى.

وأوضح أن ما يزعج السلطة برام الله، هو عدم قدرتها على ضبط الواردات على معبر رفح كما هو الحال في معبر كرم أو سالم الذي يتحكم به الاحتلال ويتحصل للسلطة على الضرائب ويوردها لها من خلال المقاصة.

ونوه إلى أن مصادر القوة لحركة حماس بالنسبة للسلطة مزعجة جداً لها، حيث ترى السلطة في خصمها السياسي "نداً قوياً"، وشعوراً بأن حماس غير مهددة كما السابق ووضعها الأمني والاقتصادي مستقر إلى حد ما.

أما بالنسبة لـلاحتلال الإسرائيلي، فقد عبر عوكل بالقول "بصراحة إسرائيل مرتاحة من هذه العلاقة بين مصر وغزة، وقد تنزعج أحياناً"، مشيراً إلى أن المخطط الإسرائيلي ما زال يتجه إلى دفع غزة كلها باتجاه مصر، وبالتالي لن تكون السياسة الإسرائيلية منزعجة كثيراً، فهي واقعياً ليس لديها مشكلة في هذه العلاقة التي دائماً تحقق لها الهدوء الأمني ما بينها وبين غزة عبر الوساطة المصرية.

أما الكاتب والمحلل السياسي بكر عويضة، فيقول إنه وفقاً لآخر مستجدات العلاقة بين مصر وقطاع غزة، فقد لفت انتباهه أكثر من تطور مهم، حيث يرى أن مصالح مصر الاقتصادية، وضرورات أمنها الاستراتيجية، تطلبت دائماً الحرص من جانب القاهرة على تميز العلاقات مع فلسطين عموماً، وقطاع غزة خصوصاً.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo