أوضاع لا تحتمل..

تفجر الأحداث بين "فتح" و "عصبة الأنصار" بـ"عين الحلوة"

المسلحين في عين الحلوة
المسلحين في عين الحلوة

تضع أم عصام "بقجةً على رأسها، وتمسك بعكاز في يدها الأخرى، أثناء خروجها من منزلها في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، جنوب لبنان. الدمعة ظلت حبيسةً في عيون أم عصام، التي ما فتئت تلهج بلسانها "النكبة ما خلصتش، النكبة ماخلصتش".

هربت أم عصام، الإمرأة الثمانينية، وكأنها تعيد المشهد الذي تركت فيه فلسطين إبان النكبة، وها هو الشقاء والنزوح كتب عليها كل حياتها.

الكثير من سكان عين الحلوة أيضاً غادروا بيوتهم، إثر الاشتباكات الأخيرة التي اندلعت بالمخيم، وشهدت استخدام القنابل والرصاص الكثيف وحتى قذائف "الار بي جي" مما تسبب بشل الحركة في المكان، وإقفال المحال والأسواق وحتى المدارس وعيادات الأونروا.

وفي التفاصيل، إشكال فردي له خلفيات سابقة، بين عناصر من حركة فتح، وآخرين ذوي انتماءات اسلامية، تابعين لتنظيم "عصبة الأنصار" ذو الخلفية السلفية.

WhatsApp Image 2023-03-12 at 11.23.38 AM.jpeg
خلو أحياء عين الحلوة من المارة، نتيجة التوتر الأمني

فيما بعد، تطور الإشكال في "الشارع الفوقاني" بالمخيم، وتحول الى اشتباكات عنيفة، تسبب بوقوع جرحى من الطرفين والمدنيين، عدا عن خسائر مادية فادحة بممتلكات السكان.

وبعد انقضاء اليوم الأول على الاشكال، جاء الإعلان عن وفاة الشاب ذو الـ19 عاماً "محمود زبيدات"، العنصر في حركة فتح، على يد "خالد علاء الدين" الملقب بالخميني، والتابع لعصبة الأنصار الاسلامية، لينفجر الوضع من جديد، وتتجدد الاشتباكات بوتيرة عالية، مما تسبب بنزوح عدد كبير من السكان.

WhatsApp Image 2023-03-12 at 11.23.51 AM.jpeg
احتجاجات السكان

استمرت حالة التوتر الأمني لأيام متتالية، عاش فيها الناس الكثير من الخوف، والقلق من اندلاع الاشتباكات في أية لحظة، ويقول أبو محمد أحد سكان الشارع الفوقاني ، بمخيم عين الحلوة لموقع "زوايا": "أنا لا أنام في الليل، أظل مستيقظاً، ومترقباً لأي مستجدات، خوفاً من اشتعال الأمور، لأتمكن من إجلاء أطفالي وعائلتي من منزلي الواقع في خط التماس تقريباً"

وفي محاولةٍ لاستيعاب الأزمة، تحركت الفصائل الفلسطينية، وعقدت عدة اجتماعات لحل القضية، كما أصدرت بياناً، طالبت فيه "عصبة الأنصار" بتسليم "الخميني" لسحب فتيل الأزمة، وعودة الحياة لطبيعتها بالمخيم، لا سيّما وأن المدارس والمحال التجارية مقفلة، وحال السكان متوقف، الذين يعانون أصلًا من أزمة اقتصادية خانقة.

WhatsApp Image 2023-03-12 at 11.24.31 AM.jpeg
اجتماع القيادة السياسية لنقاش أزمة عين الحلوة

وفي هذا السياق، يقول مسؤول اللجنة الأمنية بمخيم عين الحلوة؛ عبدالهادي الأسدي بمقابلةٍ صحفية مع موقع "زوايا": "الفصائل والفعاليات الفلسطينية واللبنانية، تسعى جاهدةً لإنهاء الحالة الأمنية التي يعيشها السكان، وعقدنا عدة اجتماعات لإيجاد حل يرضي جميع الأطراف".

استقدمت تعزيزات عسكرية من مخيم الرشيدية، وصلت لحد المئتي مقاتل

بعد انقضاء أيام، لم تثمر الجهود فيها عن حل الأزمة، ولم تقبل "عصبة الأنصار" بتسليم عنصرها المتهم بالقتل، عندها؛ بدأت حركة فتح بتعزيز استعداداتها اللوجستية، فنصبت السواتر الترابية، وأقامت الحواجز أمام مكاتبها بالمنطقة المتوترة، واستقدمت تعزيزات عسكرية من مخيم الرشيدية، وصلت لحد المئتي مقاتل، مما أثار حفيظة الناس بقرب اندلاع معركة كبيرة.

ومع تفاقم الوضع بالمخيم، دخلت قيادات لبنانية على مستوى رفيع، كرئيس مجلس النواب اللبناني "نبيه بري" وقيادات من "حزب الله"، على خط الأزمة، في سبيل تذليل العقبات وإيجاد حل يرضى جميع الأطراف، فيما دعا النائب بالبرلمان "أسامة سعد" لاجتماع في مكتبه بمدينة صيدا، حضره كل المعنيين بالقضية.

تأتي المساعي اللبنانية الحثيثة، خوفاً من تدهور الأمور واندلاع الاشتباكات، فموقع المخيم هو متاخم لمدينة صيدا، ويحاذي العديد من القرى، كما يُشرف على اوتوستراد الجنوب اللبناني الرئيسي، وبالتالي أي عمل عسكري كبير داخل المخيم، من شأنه أن يتسبب بالضرر للجوار اللبناني، وإيقاف حركة المرور.

وعادةً ما تحمل الدولة اللبنانية كل المسؤولين الفلسطينيين، نتيجة أي خرق أمني يضر بالوسط اللبناني، صادر عن المخيمات الفلسطينية، خصوصاً وأن الجيش اللبناني لا يستطيع الدخول للمخيم، حسب اتفاق الطائف، وإنما إدارة المخيمات تقع على المسؤولية الذاتية للفصائل الفلسطينية.

WhatsApp Image 2023-03-12 at 11.24.18 AM.jpeg
اجتماع القيادة السياسية لنقاش أزمة عين الحلوة

وفي آخر حلقات الأزمة، صرح عدد من قيادات الفصائل الفلسطينية، بنجاح المساعي وموافقة "عصبة الأنصار" على قرار التسليم، وفعلاً أصدرت الأخيرة بياناً قالت فيه إنها ستبدأ بترتيب عملية تسليم "الخميني" للدولة اللبنانية، في خطوةٍ منها لإنهاء حال التوتر الأمني. كما أزالت حركة فتح كل المظاهر العسكرية، من سواتر وحواجز، في إشارة لانتهاء المشكلة. فيما نقلت مصادر صحفية أن تسليم المتهم تم بالفعل، وسيكون في عهدة القوة المشتركة الفلسطينية.

اقرأ أيضاً: ترجمة خاصة العسكرة الماكرة لحركة الاحتجاج

وهذه ليست المرة الأولى التي تندلع فيها اشتباكات من هذا النوع بين "فتح" والتنظيمات الاسلامية، بمخيم عين الحلوة، فقد عاش السكان سابقاً عدة أحداث مشابهة، سقط على إثرها العديد من الضحايا، ولعل أشهرها معركة "بلال بدر" التي استمرت لأسبوعين، وشهد المخيم نتيجتها حركة نزوح جماعية، وخسائر فادحة بالبنية التحتية.

كما تجدر الاشارة، إلى أن التنظيمات الاسلامية بعين الحلوة، لديها عناصر ليسوا بفلسطينيين أو من أبناء المخيمات، فمنهم من وجد بالمخيم ملاذاً وهرباً من الدولة اللبنانية، ولعل الحكاية الأبرز، هي المغني اللبناني "فضل شاكر" الذي يعيش بعين الحلوة منذ عشر سنوات، بعد اتهامه بالمشاركة بأحداث مدينة "عبرا" التي سقط فيها عدد من عناصر الجيش اللبناني.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo