هل تحقق الشهادات العليا في فلسطين مجتمع المعرفة

ادارة المعرفة
ادارة المعرفة

لطالما شكل التعليم في فلسطين أولوية قصوى لدى الأسرة، سيما بعد النكبة الفلسطينية عام 1948 وحالة الشتات الكبير الذي وقع فيها الفلسطيني الذي اتخذ من دول عربية عديدة ملاجئ له ثم التحق في مدارسها ومؤسساتها التعليمة العليا، بالإضافة إلى فتح العديد من المدارس من قبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي تشكلت من أجل تقديم الخدمات للاجئين في أمكان تواجدهم.

وكان سبب لجوء الفلسطيني إلى التعليم هو الحاجة الماسة إلى الخروج من حالة الفقر والعديمة التي ألقي فيها رغمًا عنه جراء تهجيره من أرضه، فلم يعد للمواطن الفلسطيني أي أملاك أو أرضي يفلحها فصب جل اهتمامه على الحصول على الشهادة الجامعية وما يليها من شهادات عليا، كل ذلك توفر في بيئة عربية خاصة في جمهورية مصر العربية التي فتحت أبواب جامعاتها للطلبة الفلسطينيين وعاملتهم معاملة الطالب المصري، إلى تلك السنوات وحتى قيام السلطة الفلسطينية عام 1994 كان الحصول على فرصة للتعليم الجامعي صعبة لعدم توفر الجامعات في قطاع غزة حيث كان تأسيس الجامعة الإسلامية عام 1979 وجامعة الأزهر عام 1991 ولكنها لم تكن تكفي الأعداد الكبيرة الراغبة في الدراسة ناهيك عن تواضع التخصصات واقتصارها على تخصص واحد أو اثنين ، أما في الضفة الغربية فكان الأمر أقل صعوبة بسبب تواجد بعض الجامعات التي كانت تعمل قبل قيام السلطة الفلسطينية، لكن الأمر يبقى في إطاره الصعب، ولهذا كان الحصول على فرصة تعليم خارجية هي الحل الأمثل.

بعد قيام السلطة الفلسطينية حدث تغيير نوعي في عملية التعليم، إذ تأسس ما يقارب من 50 جامعة متنوعة ما بين أهلية وخاصة وحكومية منتشرة في أغلب المدن الفلسطينية في الضفة والقطاع غزة والقدس.

على ضوء ذلك الارتفاع في عدد الجامعات شهد قطاع الدراسات العليا ارتفاعًا ملحوظًا من حيث التحاق الطلاب ببرنامج الماجستير والدكتوراه المطروحة من قبل الجامعات الفلسطينية والجامعات والمعاهد العربية والأجنبية وافتتاحها لفروع الكترونية سهلت عملية التسجيل والتواصل حيث بلغ عدد حملة الشهادات العليا في الأرضي الفلسطينية حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2019 ما يساوي 42764 ألف، وأمام هذا العدد الكبير نجد أنه من الضروري طرح السؤال المنطقي: كيف استفاد المجتمع من هذه الرسائل والأبحاث العلمية وهل هناك تطبيق حقيقي لنتائج الدراسات أم أنها فقط حبر على ورق؟!

اقرأ أيضاً: بروفيسور إسرائيلي يطرح خيار السلام مع سوريا.. لماذا؟

ربما لا تحتاج الإجابة إلى بحث مطول فالواقع المعاش دليل حي على أن أغلب هذه الدراسات تبقي حبيسة الأدراج وتتعدد هنا الأسباب فأغلب تلك الدراسات كان الهدف منها هو نيل الدرجة العلمية لتحسين مستوى الدرجة الوظيفية، عوضًا على أن العديد من الجامعات قد سهلت عملية التسجيل والقبول في سبيل التحصيل المالي مما انعكس بالسلب على سمعة الدرجة العلمية وعلى المؤشر الحقيقي لقياس نتائج تلك الدراسات.

إن الفوضى في طرح البرامج الأكاديمية دون النظر إلى حاجات المجتمع يعد فسادًا واضحًا في الرؤية والتطبيق مما ينتج عنه حالة من التردي الواضح سواء في الحالة البحثية أو في انعكاس الصورة على الباحث نفسه ونجاحه في تطبيق النتائج والتوصيات التي خلص إليها في دراسته، بالإضافة إلى ذلك تعاني مؤسساتنا من غياب فكرة البناء المعرفي واستغلال تلك الدراسات في عملية التطوير من أجل تحسين جودة العمل بسبب سياسة الاقصاء التي يتعمدها مديرو تلك المؤسسات أو بسبب قصور النظر وعدم الوعي بأهمية البحث العلمي في تطوير المؤسسة وتحويلها إلى منظمة متعلمة تخضع بكاملها إلى سياسة التطوير المستمر.

بالإضافة إلى ذلك، لابد من التنويه إلى أن المؤسسات الأكاديمية في فلسطين لا توفر الحد المطلوب منها لتحقيق بيئة صحيح وسليمة للباحث سواء في توفير المعدات أو المكتبات الحديثة أو وسائل التحقق، كما أن الاهتمام الحكومي بجانب البحث العلمي يكاد يكون مهملًا مما يضع العراقيل أمام أي باحث حقيقي.

اقرأ أيضاً: "السلع المزدوجة".. هاجس إسرائيلي يحرم غزة من الانتعاش الاقتصادي

تكمن أهمية الجودة التعليمية المطلوبة في جانب البحث العلمي بأنها مادة مهمة لإمكانية التطوير وتحسين جودة العمل والخدمات المقدمة للمواطنين، بالإضافة إلى حجم التوفير وتقليل الجهد والوقت والنفقات على المؤسسات والأفراد وأيضًا الجهات الحكومية، ومن أجل هذا كله يجب أن تولي الجامعات والمؤسسات والجهات الحكومية الأهمية القصوى لاستثمار البحث العلمي وتوجيهه للبحث في الجوانب التي يحتاجها المجتمع لحل مشاكله وتطوير ما هو موجود سواء في الجانب التكنولوجي والذكاء الصناعي وفي جوانب الزراعة والصناعة وحل مشكلات المياه وتوزيع الكهرباء وقضايا أخرى ملحة وهذا كله يتطلب انفتاح حقيقي من قبل المؤسسات على تبني نتائج الأبحاث والدراسات التي من الواجب أن تكون قد مرت باختبارات حقيقية منذ لحظة التسجيل مرورًا بالبحث والدراسة والنتائج لتعزيز الثقة بالبحث العلمي ونتائجه، وهنا يكمن الواجب الكبير على الجامعات أن تنهض بالمستوى البحثي فيها وأن تضع المعايير المناسبة لقبول الأبحاث وأن تلتزم وتُلزم الباحث بالأنشطة والمتطلبات البحثة لنيل الدرجة الأكاديمية وعدم ترك الأمر للمحسوبية وعدم الرقابة التي تؤثر سلبًا على سمعة الجامعة والباحث في آنٍ معًا.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo