غاز غزة.. استثمار شائك لانعاش الاقتصاد الفلسطيني

غاز غزة
غاز غزة

يعيشُ العالمُ حالةً من التأهبِ عقب أزمة الطاقة التي تجتاحُ العديد من دولِ العالمِ، وفي الوقتِ الذي تسعى كل دولةٍ للحفاظ على ثرواتها وترسيم حدودها البحرية من أجل التنقيب عن الغاز، يأمل الفلسطينيون أن تشكّل حقول الغاز قبالة سواحل غزة بارقة أملٍ في ظل أوضاع معيشية صعبة وأزمة الكهرباء التي يعاني منها قطاع غزة.

وبحسب مصادر رسمية تحدثت لوكالة "الأناضول"، فإن صندوق الاستثمار الفلسطيني يتجه لاتفاقٍ فني مع الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" يقضي بتطوير حقل "مارين" قبالة سواحل غزة، فيما تجنبت المصادر الإشارة لدور الاحتلال الإسرائيلي في الاتفاق، مكتفية بأن الأمور تسير باتجاه تطوير الحقل بالتوافق مع جميع الأطراف ذات العلاقة وسط حالةٍ من الضبابية تشوب هذا الاتفاق.

الحاجة الأوروبية للغاز

وقال أستاذ العلوم المالية والاقتصادية الدكتور نصر عبد الكريم، أن إعادة تسليط الضوء على ملف "غاز غزة"، بسبب الحاجة الأوروبية للغاز في ظل الحرب الأوكرانية الروسية.

ويضيف عبد الكريم في حديثه لـ"زوايا": "ألقت الحربُ الأوكرانية الروسية بظلالها على قضية الغاز والطاقة حول العالم، وأذكت البحث في حقول غاز شرق المتوسط، وأصبح من الضرورة فتح كل الملفات العالقة حتى يتمكن الاحتلال الإسرائيلي وغيره من الدول في ترسيم الحدود واستخراج الغاز كل في منطقتــه".

حقل مارين

وحول حقول الغاز المكتشفة قبالة سواحل غزة، أوضح الخبير الاقتصادي أن حقل "مارين" مملوك لثلاثة أطرافٍ بموجب اتفاقية تم صياغتها في 2012، لصندوق الاستثمار الفلسطيني الذي يفترض أنه ملك للشعب الفلسطيني ويملك حصة بنسبة 27.5%، كما تملك شركة اتحاد المقاولين وهي شركة مقاولة فلسطينية 27.5%، كما تملك الشركة المشغلة نسبة 45% من العوائد.

وبينّ "عبد الكريم" أنَ السلطة ستجني حصّتها من غاز غزة عبر الإيرادات والضرائب والقيمة المضافة، متوقعًا أن تحصّل السلطة 150 مليون دولار سنويًا كونها الجهة السيادية.

وبالإشارة إلى هذا الإيراد الفلسطيني، فإن عبد الكريم ينوه إلى ضرورة أن تدخل هذه الأموال إلى خزينة السلطة، ويتم إنفاقها في كل القطاعات التي تحتاجُ الدعم سواءً كان اجتماعيًا أو اقتصاديًا حسب الاحتياج.

حصة غزة

وحول حصّة غزة من هذا الإيراد، أوضح أن هناك جهة حكومية تمثل الشعب الفلسطيني ألا وهي "السلطة الفلسطينية" تحصل الإيرادات ويتم إنفاقها حسب الأولويات وإن كانت غزة بحاجةٍ لإعمار أو تطوير شوارع تُخصص لها حصة في الموازنة.

اقرأ أيضا: الغموض يكتنف إدارة ملف "غاز غزة" واستخراجه لا زال معطلاً

وحول مطالبات حماس، التي دعت سابقا إلى حراكات تطالب بحق غزة في الغاز، قال "عبد الكريم" إن هذه الحراكات مشروعة، وحماس قد شعرت أن اتفاقًا يجري في إطار التفاوض وأن الطرف الفلسطيني المفاوض هو صندوق الاستثمار الفلسطيني وليس هي، لذلك ضغطت في هذا الاتجاه.

وأشار أن من حق حماس في غزة أن تعلي الصوت، من أجل استخراج الغاز والاستفادة منه فلسطينيًا بشكل عادلٍ.

الضغط العسكري

هذا وقد توصل مؤخرا الجانبين اللبناني والإسرائيلي اتفاق ترسيم حدود بحرية تسمح لهما بالتنقيب عن حقول الغاز في المتوسط، لكن "عبد الكريم" يشير إلى عدم توفر معلومات عن تأثير ضغوطات عسكرية مارسها حزب الله للوصول إلى الاتفاق أم أنه نتج عن ضغوط أمريكية بالدرجة الأولى، ووصلا بموضوع غزة فإنه استبعد أن "تستطيع المقاومة الفلسطينية الضغط لتحريك هذا الملف".

ورأى أن غياب الشفافية وبيانات الموازنة للسلطة ومدى مساهمة خزينتها تجاه غزة يجعل الأمور ضبابية، بسبب عدم وجود أرقام مُعلنة في هذا الجانب، مؤكدًا أن من حق غزة أن تتلقى مخصصات عادلة وفق احتياجاتهم من موازنة السلطة.

إسرائيل نهبت حقول غزة

من جانبه، قال الباحث الاقتصادي محمد نصار إنه تم اكتشاف عدة حقول من الغاز قبالة شواطئ غزة وهي حقل "غزة مارين"، الذي اكتشف عام 1999 ولم يتم استخراج الغاز منه، و"حقل ماري ب "، الذي اكتشف في عام 2000 وتم استنفاده إسرائيليًا في العام 2010، وحقل "نوا" الذي اكتشف في 1999 وتم استنزافه بالكامل، وحقل "المنطقة الوسطي" والمكتشف من قبل صيادين عام 2014".

وبيّن "نصار" خلال حديثه لـ "زوايا" أن الاحتلال الإسرائيلي استولى على حوالي 4.5 ترليون قدم مكعب من الغاز الفلسطيني، أي أنه سرق حوالي 20 مليار دولار بالسعر الحالي.

وأشار إلى أن الاستثمار المعطل من قبل الاحتلال الإسرائيلي في حقل مارين كان بإمكانه أن ينقل الاقتصادي الفلسطيني نقلة نوعية من خلال العوائد المالية الضخمة، والتخلص من الضغوطات التي تتعرض لها السلطة من قبل المانحين، كما كان بإمكانه أن يحل مشكلة كهرباء غزة، التي تعاني من نقصٍ حادٍ في الطاقةٍ.

واتفق "نصار" مع ما ذهب إليه "عبد الكريم" أن الذي أعاد قضية غاز غزة إلى الواجهة هي الأزمة الحادة في الطاقة التي تجتاحُ أوروبا، وحاجة كل دولةٍ لاستخراج الغاز المقابل لسواحلها.

وأوضح أن الأزمة الأوروبية عجّلت في عقد التفاهمات حول حقل "كاريش" و"قانا" والذي يقع على الحدود التي يسيطر عليه الاحتلال الإسرائيلي وبين لبنان.

وبينّ أن الاتفاق الجديد حول حقل مارين سيدخل إلى خزينة السلطة سنويًا من 150-200 مليون دولار لمدة 12 عامًا.

حقول الغاز وتنمية غزة

وحول استفادة غزة من هذه العوائد، قال "نصار" إن السلطة تهمل أي عملية تنمية في قطاع غزة، وأن أي إجراءات تقشفية لموازنتها تستهدفُ بالدرجة الأولى قطاع غزة.

ويعيشُ أكثر من 50% من أهالي غزة تحت خط الفقر إضافة إلى نسبة البطالة العالية التي تخطت 50%، كما يقول نصار.

ولفت إلى أنه وفقًا للقانون الدولي فإنه لا يجوز لأي شخص بالتنقيب عن الغاز إلا بموافقة السكان الأصليين، وأن الفصائل في غزة من حقها أن تطالب بحصة غزة من الغاز.

اقرأ أيضا: الغاز الإسرائيلي في خدمة الاستراتيجية السياسية الإسرائيلية

ورأى "نصار" أن الحراكات التي حدثت في غزة في الفترة الأخيرة، والتي طالبت بحقها من الغاز ليست مؤثرة ولا ترتقِ لقوةِ ضغطٍ على الاحتلالِ، مبينًا أن الحراك يجب أن يكون على صعيد نخبوي من أجل تحصيل الحقوق.

ويتعامل الاحتلال الإسرائيلي مع غزة وفق آلية "الهدوء مقابل التسهيلات الاقتصادية"، حسب نصار الذي يرجح أن ينتهي ملف غاز غزة باتفاقية برعاية مصرية، على غرار ما حدث في المنحة القطرية، وأن تلعب مصر دورًا إيجابيًا في استخراج غاز حقل مارين.

توصياتٌ

وأوصت دراسة أعدها الباحثان البروفسور محمد مقداد والباحث الاقتصادي محمد نصار بعنوان "غاز غزة بين الواقع والمأمول" بنشر بنود الاتفاق الذي جرى بين صندوق الاستثمار الفلسطيني واتحاد المقاولين مع "إيجاس" المصرية حول استخراج الغاز من حقل مارين، وكذلك التنقيب عن حقول أخرى في المياه الإقليمية لغزة.

كما أوصت بتقديم شكوى في المحاكم الدولية تطالب الاحتلال الإسرائيلي بتعويض الفلسطينيين عن استثمار غازهم، وكذلك استنزاف الاحتلال للغاز الموجود على حدود غزة في حقلي "نوا" وماري ب حيث تقدر قيمته الإجمالية بنحو 20 مليار دولار.

كما طالبت بالضغط على السلطة من أجل الحصول على موافقة السكان المحليين من خلال إشراك الفصائل الفلسطينية واطلاعهم على التفاصيل.

إضافة إلى ذلك، فقد أوصت بضرورة تعزيز التوافق والوحدة الوطنية بما يسهم في قدرة الفلسطينيين على الاستفادة من آبار الغاز ضمن مياههم الإقليمية بما يضمن تعظيم الفوائد المتحققة من تطبيق الاتفاقات.

وأكدت على ضرورة تعزيز التعاون مع الجانب المصري بما يضمن تحقيق المصالحة الفلسطينية، لأنها المدخل الحقيقي لإنهاء الانقسام وبناء الشراكة الحقيقية.

وطالبت الدراسة بضرورة تشكيل فريق وطني متخصص من قبل القوى الفلسطينية الفاعلة من أجل المراقبة على ملف الغاز والاتفاقيات والتوظيف وخطط استخدام الإيرادات وغيرها من الملفات.

ويأمل الفلسطينيون أن تعودُ عليهم عائدات حقول الغازِ بالتنمية والتطوير في ظل انقسام فلسطيني يعزز أوضاعَهم الكارثية من بطالةٍ وترد اقتصادي، وبين احتلالٍ ينهب ثرواتهم ويستنزفها بلا هوادة.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo