عودة حماس إلى سوريا.. صدام المبادئ والمصالح

اسماعيل هنية وبشار الاسد
اسماعيل هنية وبشار الاسد

بعد قطيعة استمرت لأكثر من عشر سنوات، تعود حركة المقاومة الإسلامية حماس من جديد لمحاولة ترميم علاقتها بالنظام السوري، في خطوة يصفها مراقبون بـالاضطرارية، نظرا لما تشهده المنطقة العربية والإقليمية من تحولات جديدة.

وبالرغم من كل ما سرب عن مفاوضات وجهود تجري خلال الأشهر الماضية في الغرف المغلقة لإعادة حماس إلى دمشق بوساطات من حزب الله وإيران وحتى روسيا، إلا أن الحركة ظلت صامتة إزاء ذلك، حتى أعلنت في بيان رسمي لها يوم 15 أيلول الماضي أنها ماضية في تطبيع علاقاتها مع النظام السوري.

وقالت "حماس" في بيانها "تؤكد الحركة على مُضيّها في بناء وتطوير علاقات راسخة مع الجمهورية العربية السورية"، مبررة القرار بأنه يصب في "خدمة الأمة وقضاياها العادلة، وفي القلب منها قضية فلسطين، لا سيما في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة".

لم يتوقف البيان عند هذا الحد، بل ذهبت حماس في مضمونه إلى مغازلة النظام السوري، عندما أعربت عن تقديرها لـ"الجمهورية العربية السورية قيادةً وشعبًا؛ لدورها في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة (...) نتطلع أن تستعيد سوريا دورها ومكانتها في الأمتين العربية والإسلامية، وندعم كل الجهود المخلصة من أجل استقرار وسلامة سوريا، وازدهارها وتقدمها".

الدكتور أحمد يوسف المستشار السياسي السابق لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية من بين الأصوات التي أبدت تحفظات على هذه الخطوة وبشكل خاص حول توقيتها.

وصف "يوسف" رغبة بعض قيادات "حماس" في ‏الخارج بالعودة إلى سوريا، في مقال نشره عبر جريدة القدس الفلسطينية، بأنها تأتي في سياق ‏حسابات يبدو أن المصالح -للأسف- دافعها ‏الأول.

وتابع يوسف إنَّ "العملية في جانبها المتعلق بالمبادئ ‏والأخلاق تبدو مُحرِّجة، وستجر على الحركة ‏الكثير من الانتقاد من ناحية، وفقدان ثقة الشارع ‏الإسلامي من جهة ثانية، إذ أنَّ هناك من يرى ‏في هذه الخطوة أنها متسرعة، ولا طائل من ‏ورائها حالياً، وهي إن تمَّت ليست أكثر من ‏مغامرةً متهورة لبعض الإخوة في القيادة ممن ‏استهوتهم مظاهر الزعامة!!".

وفي حوار خاص مع موقع "زوايا"، كشف أحمد يوسف أن القصة لا زالت تحت البحث والدراسة في الأوساط الحمساوية والتقييم لمدى سلامتها، حيث أن الأصل أن تكون علاقات حماس مع عمقها العربي والإسلامي كلها طيبة مع الشعب والنظام، ولكن بنفس الوقت هذه الخطوة قد تكون مخاطرة أو خطوة في غير الاتجاه الصحيح من ناحية التوقيت، وليس من ناحية الأصل في أن تكون علاقة حماس مع الجميع موجودة، أو في سياق أن يكون هناك محور قوي داعم للقضية الفلسطينية تكون سوريا طرفا فيه.

وأوضح يوسف، أن رؤية حماس تقوم على أنه يجب أن لا يكون هناك قطيعة مع أي بلد عربي وإسلامي، وإذا ما أتيحت الفرصة لتعزيز مثل هذه العلاقة يجب أن لا تتوقف حماس من السعي لتحسين علاقاتها في عمقها العربي والإسلامي باعتبار أنه ركيزتها في دعم القضية الفلسطينية.

وتابع يوسف أن من يؤيد هذه الخطوة من قيادات حماس "يعتقدون أنه طالما أن الأمور هدأت في سوريا فلا بأس من التفكير، وهذا في سياق تشكيل حلف جديد لكل من يتصدى لهذا الاحتلال الإسرائيلي، سواء إيران وحزب الله وسوريا أو في اليمن أو أي قوى تشكل حالة رفض للاحتلال".

لكن هذا القرار، بحسب يوسف، ما زال في طور النقاشات لدى قيادات الحركة في الداخل والخارج حول التوقيت وإن كان مناسبا أو غير مناسب، حيث أن الجرح السوري ما زال مفتوحا، ولا زال الوضع السوري على حاله، ولا زال هناك ملايين المهجرين، وهذه العودة قد تؤذي مشاعر هؤلاء الناس الذين ما زالوا يرون في النظام أنه نظام مستبد ويعمل ضد شعبه.

لذا أكد يوسف على أن الكثيرين داخل حركة حماس يرون أن التوقيت غير مناسب، والتوقيت المناسب يكون إذا ما تحركت الأمور وصار هناك انفراجة في العلاقة بين سوريا والدول العربية، وسهل ذلك عودة الكثير من النازحين إلى مدنهم وقراهم، وهدأت النفوس نوعاً ما.

اقرأ أيضاً: ترجمة خاصة لم يعد التحدث عن الأمل في إسرائيل

وتابع "أما الآن فالقضية ما زالت حساسة ولا تعمل لصالح حركة حماس إذا ما توجهت تجاه دمشق، ومن يتابع يجد ترحيبا من الإعلام السوري بعودة حماس صاغرة إلى سوريا، وهذا شيء لا ترتاح له الحركة ولا الشعب الفلسطيني، لأن رأس مالنا كفلسطينيين هو كرامتنا".

وقال يوسف إن "الحركة تحاول الآن أن تؤسس لرضى وقبول لدى الشارع الفلسطيني، فالموضوع لا زال مفتوحا للنقاش حول جدوى وتوقيت مثل هذه العودة".

ويرى يوسف أن مخاطر هذه العودة تتمثل في أن "الشارع العربي والفلسطيني ما زال متعاطفا مع مآسي السوريين، وبالتالي مثل هذه الخطوة قد تؤثر، حيث شاهدنا بعض ردود الفعل من بعض العلماء المسلمين الذين قدموا تحذيرات للحركة من خطورة هذه العودة في مثل هذا التوقيت".

وحول شكل العلاقة التي تريد حماس استعادتها مع سوريا؟ رد يوسف أن "تعطي هذا الانطباع أن سوريا كما كانت تاريخياً داعمة للقضية الفلسطينية ومحضن دافئ للكثير من قيادات الفصائل، وخط أول لدعم القضية الفلسطينية.

وتابع "نريد أن تعود العلاقة، وأن تكون سوريا آمنة لكل الفلسطينيين بما فيهم الكوادر الموجودة لحماس في سوريا، وفي قطر، وفي لبنان، وأن تبقى سوريا كباقي الدول المفتوحة لحركة حماس"، مضيفاً "نريد تطبيع علاقات مع دولة شقيقة طوال عمرها كانت حاضنة للقضية الفلسطينية ومحضن للثورة الفلسطينية، ولا نريد أن نبتعد كثيراً عن سوريا، باعتبار أن هذا وطن لمئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين يحضون برعاية واهتمام كبير داخل سوريا".

من ناحيته، قال الباحث والمحلل السياسي ساري عرابي لموقع "زوايا" إن الأسباب التي دفعت حماس لمراجعة علاقاتها مع النظام السوري متعددة، أولها أن حماس لم تقرر القطيعة مع النظام السوري وإنما قررت الخروج من سوريا لأسباب أمنية وحتى لا تحسب على النظام في الأزمة السورية الداخلية، ولكن النظام اعتبر ذلك انحيازا من الحركة ضده، ومن ثم قطع النظام العلاقات مع الحركة، ولم تقم الحركة بذل، حيث أن حماس ترتبط مع دول تقيم علاقات وتطبع مع الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي سياسة حماس هي تحييد الخصوم أو كسب الأصدقاء، وليس توليد العداوات هذا أولاً.

أما السبب الثاني لعودة حماس إلى سوريا، بحسب عرابي، أن هناك إعادة تقييم للوضع في سوريا بعد عشر سنوات، هل ما تزال الثورة مستمرة أم أنها حرب أهلية وما هي نتائج هذه الأحداث؟".

والسبب الثالث أن هناك تحولات في الإقليم وإعادة تموضع، ومرحلة غموض في المستقبل، وبالتالي تحرص الحركة على توسيع علاقاتها وتوثيق تحالفاتها بحيث تتعدد خياراتها، وتكون قادرة على مواجهة أي مفاجآت مستقبلية.

وفي معرض الحديث عن المكاسب من عودة حماس إلى دمشق، أفاد عرابي أن المكاسب المرجوة لحماس من هذا النظام، أولاً توثيق العلاقة مع إيران الداعم الأول والرئيسي للحركة ومقاومتها في فلسطين، وثانياً العودة إلى الساحة السورية وهي ساحة حيوية لحركة فلسطينية كون أن سوريا فيها عشرات آلاف اللاجئين، وبالتالي هناك مصالح لحركة مقاومة وحركة سياسية، ولأسباب اجتماعية وإنسانية أن تكون بين أبناء شعبها.

ويرى عرابي أنه من الضروري لحماس أن تكون في سوريا لتوثيق العلاقات مع الفصائل في دمشق، ولتعزيز دور الحركة ومكانتها بين الجماهير الفلسطينية في الشتات.

وتابع أن منافس الحركة الوحيد في الساحة الفلسطينية هي السلطة وحركة فتح قد عززت علاقاتها مع النظام السوري على أنقاض علاقات حماس مع النظام السوري، وبالتالي حماس معنية أن تتطور علاقتها في البيئة الإقليمية.

وآخر هذه المكاسب، وفق عرابي، أن هناك تطورات تجري في المنطقة ومصالحات مع النظام السوري، وذلك في نفس الوقت الذي تخشى حماس فيه أن تفقد بعض المواقع الموجودة فيها بسبب هذه التحولات، وبسبب علاقات بعض الدول مع الاحتلال والولايات المتحدة، حيث أن حماس تقيم علاقات مع هذه الدول، ولا تريد أن تجد نفسها يوماً ما خارج الجغرافيا.

أما الخسائر، فقد لخصها عرابي بأنها ستكون خسارة إعلامية ومعنوية ودعائية، لأن هذه الخطوة لا تحظى بالشعبية سواء داخل قواعد حركة حماس وربما داخل أوساط قيادية داخل الحركة، وكذلك داخل جماهير عربية داعمة لها.

والخسارة الثانية أنها "كلما تعززت علاقة حماس مع المحور الإيراني فقد تدفع حماس بعض الأثمان من خسارة هذا المحور، ولكن حماس تدير علاقتها بتوازن، بحيث أن علاقاتها مع إيران ومع النظام السوري ليست على حساب علاقتها مع الآخرين".

ولا يعتقد عرابي أن حماس ستتكلف خسارات سياسية ثقيلة، حيث أنها ما زالت تحتفظ بعلاقات جيدة مع قطر وتركيا، وعلاقات سياسية معقولة مع دول أخرى مثل النظام المصري، ولكن هناك خسارات شعبية ودعائية في الأوساط الإسلامية الداعمة للحركة التي لا تؤيد هذه الخطوة.

من ناحيته، يرى المحلل السياسي نهاد أبو غوش أن التطورات الأخيرة لدى بعض المراكز الإقليمية دفعت هذه المراكز إلى مطالبة حماس بأن لا تنشط من أراضيها، وتحديداً تركيا وقطر، وبالتالي ضاقت الأرض على حماس.

وأضاف أبو غوش في حوار مع موقع "زوايا"، أن هناك مشكلة في أن تضع حماس نفسها ضمن محور إقليمي، فلا هذا المحور ولا هذا المحور يصح التبعية له، وكان الأصل لحماس أن تحتفظ باستقلاليتها الوطنية الفلسطينية، وأن تتعامل بمنطق أن القضية الفلسطينية توحد العالم العربي والإسلامي وليست جزءا من صراع المحاور، ولذلك كل هذه الخيارات بالتنقل من هذا المحور إلى ذلك خيارات فاشلة، لذلك نرى أن حماس تنتقل من موقع العداء من سوريا ونظامها إلى موقع الولاء والتأييد.

وشدد أبو غوش أن أي فصيل فلسطيني يجب أن لا يكون جزءا من أي صراع داخلي عربي، لأن لنا قضيتنا، وعلى كل الفصائل أن تسعى إلى أن تستمد شرعيتها من شعبها الفلسطيني أولاً ومن مؤسساته، لا أن تكون جزءا من صراع المحاور العربية، الذي يخدم فقط من يقود هذه المحاور.

وردا على أن حماس تسعى لإقامة علاقات مع جميع الدول العربية والإسلامية؟ يرد أبو غوش أن هذه التبريرات نسمعها في تفسير كل شيء، ونفس التبريرات قيلت حين اتخذت حماس مواقف مناقضة وحين التجأت إلى قطر وإلى تركيا، وهذه تبريرات كلها، مضيفا "لا ينبغي لأي فصيل وطني فلسطيني أن يساعد في جعل القضية الفلسطينية ورقة بأيدي من يريدون تحسين مواقعهم الإقليمية، لأن قضيتنا الفلسطينية تواجه دائما مشكلة أن كثيرا من الأنظمة العربية تريد استخدامها كورقة، وليس دعما نزيها لعدالة هذه القضية، فالكل يريد أن يأخذ حصته من هذه القضية ويوظفها".

ويرجح أبو غوش أن عودة حماس إلى سوريا قد جرت بالشروط السورية، وليس بالشروط الحمساوية، مكملا "أكيد إذا كان هناك شروط، هذا يغضب بعض قيادات حماس، وقيادات في جماعة الإخوان، وهناك جو عام لدى قيادة الإخوان في العالم العربي يهاجم حماس وقيادتها".

وهذه المسألة يجب أن تدفع حماس لحسم موقفها بشكل نهائي، كما أشار أبو غوش، إذا كانت هي فرع فلسطيني لحركة الإخوان المسلمين؟ أم هي فصيل فلسطيني لديهم مرجعية فكرية إسلامية؟ وقال: "أعتقد أن الحركة حاولت في السنوات الأخيرة أن تعزز الخيار الثاني في أنها جزء لا يتجزأ من الحركة الوطنية الفلسطينية وبمرجعية فكرية إسلامية".

واستدرك أبو غوش بالقول "أنا مع وحدة سوريا ولا أرى في عودة حماس إلى ساحة سوريا مشكلة، لأنه يوجد لنا شعب فلسطيني في سوريا، ووجود حماس وغير حماس في سوريا حق طبيعي وهذا مطلوب وإيجابي، وبالتالي عودة حماس جيدة، ولكن لا ينصح أن يكون أي طرف منحاز لأي محور سواء كان عربي أو غير عربي، بل وجودك بين شعبك هو الأهم".

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo