"فرق تسد".. سياسة إسرائيل لاستمالة الدروز وسلخهم عن فلسطينيي الداخل 

الدروز الإسرائيليين
الدروز الإسرائيليين

وضعت إسرائيل في صلب استراتيجيتها ومنذ تأسيسها، على أرض فلسطين، العمل على تقسيم المنطقة العربية، وخصوصا سورية ولبنان لدويلات طائفية مستغلة التنوع الفسيفسائي الطائفي القائم في هذه الدول، وذلك لإضفاء الشرعية على وجودها كدولة يهودية من جهة، ولإشغال العرب بصراعات طائفية فيما بينهم من جهة أخرى.  
 
وينتمي عشرات من الدروز الإسرائيليين إلى الحركات الصهيونية الدرزية، وعلى الرغم من أن الدروز أكثر "فخراً" بكونهم إسرائيليين بالمقارنة مع المُسلمين والمسيحيين العرب، الا أنّه عندما يتعلق الأمر بالاندماج مع الأغلبية اليهودية، يتقبلّ الدروز اليهود كجيران أو كأصدقاء أو كزملاء عمل بشكل أقل من المسلمين والمسيحيين. 

ورغم أن الدروز يتعاملون مع اليهود بشكل يومي في بعض المؤسسات مثل وزارة الجيش الإسرائيلي، الا أنهم كانوا أقل استعداداً للعلاقات الشخصيّة مع اليهود بالمقارنة مع المسلمين والمسيحيين العرب.

وفي عام 2018 أثار قانون الدولة القومية سخط الدروز لما ينطوي عن إقصاءٍ لكُل من هو غير يهودي، مما تسبب بتقديم 3 نوّاب دروز استئنافًا ضد القانون المذكور، تزامنًا مع حملة احتجاجات أطلقتها المراجع الروحية والفاعليات في القرى الدرزية، وصولًا إلى تقديم بعض الضبَّاط الدروز استقالاتهم من الجيش الإسرائيلي، فضلًا عن انتقاد الكثير منهم للقانون بكتابات عبر صفحات موقع فيسبوك.

ونادى بعض الضبّاط الدروز بوقف فرض التجنيد الإلزامي على أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل مما أثار خشية مسؤولين إسرائيليين من احتمال حصول تمردٍ دُرزيٍّ داخل الجيش وخروجٍ جماعيٍ منه. 

وتأكيدًا على خطورة الوضع داخل الجيش الإسرائيلي، التقى رئيس أركان الجيش حينها "غادي أيزنكوت" بالزعيم الروحي لطائفة الموحّدين الدروز الشيخ موفق طريف في مُحاولةٍ لامتصاص نقمة الطائفة على ذلك القانون. 

وشارك أكثر من 100 ألف درزي في تظاهرةٍ احتجاجية أقامها الإسرائيليون المُعارضون لقانون الدولة القومية، تحت شعار "المسيرة من أجل المساواة"، وذلك أمام مبنى بلدية تل أبيب.

اقرأ أيضاً: "وحدة الساحات".. تطلع فلسطيني وسط ضياع سياسي

وتقدّم المشاركين المرجع الروحي الشيخ موفق طريف، وشخصيات سياسية وعسكرية إسرائيلية، بينهم يوفال ديسكين الرئيس الأسبق لجهاز "الشاباك"، ورفع المشاركون الأعلام الدرزية والإسرائيلية، فيما قامت بلدية تل أبيب بطلاء مبناها بألوان علم الطائفة الدرزية.

ويرى د. جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية ورئيس قسم دراسات العلاقات الدولية في مركز جسور للدراسات الاستراتيجية، أن قادة جيش الاحتلال يأملون في أن تكون العلاقات الوطيدة بين دولة إسرائيل والدروز مدخلاً لتمكين الجيش من أجل العمل بين دروز سورية بهدف تقويض وزعزعة النظام في سورية، وقد تم أيضاً طرح فكرة أن تقدم إسرائيل للدروز وعداً بإقامة حكم ذاتي لهم في منطقة جبل الشيخ ضمن اطار دولة إسرائيل.

وكانت فرنسا أول من حاول إغراء الدروز بإقامة كيان خاص بهم، وكانت أولى محاولاتها على يد نابليون بونابرت، الذي عرض على الدروز إقامة كيان خاص بهم فيما لو تعاونوا معه في احتلال عكَّا.

وشنت إسرائيل هجوما على جنوب سورية لتصل إلى جبل الدروز، وبالمقابل تشن هجوماً من جنوب لبنان لتصل الى جبال الشوف بحجة التواجد الفلسطيني، تمهيداً للإعلان عن عن قيام دولة درزية تمتد جغرافياً من جنوب سورية مروراً بالجولان وصولاً الى جبال الشوف وتكون عاصمتها السويداء في سورية، تعترف بها إسرائيل وأميركا. 

وقد رصد لهذه الغاية مبلغ أولي وقدره 30 مليون دولاراً، حيث ستقوم إسرائيل لاحقاً بنقل دروز الجليل والكرمل إلى الجولان، وهكذا تتخلص إسرائيل من الدروز داخل حدود ال 48 وتسيطر على قراهم، وبالمقابل يتشكل حزام درزي مدعوم من إسرائيل يشكل حاجزاً بينها وبين الجانب العربي.

وبحسب "عودة" فإن دولة الاحتلال عملت مع بداية الثورة في سورية على إحياء المشروع من جديد، حيث لوحظ ازدياد النشاط العسكري الإسرائيلي بحجة حماية أمنها في منطقة الجولان، خصوصاً بعد أن تفاقمت الأوضاع على الساحة السورية، وتحولت الثورة مع الزمن الى حرب دامية بين الأطراف المتصارعة وبُدئ لاحقاً الحديث من قبل النظام عما عرف بمشروع "سورية المفيدة"، وفُتح بذلك الباب لطرح موضوع التقسيم. 

وكشف "عودة" أن الحكومة الاسرائيلية شجعت على هوية منفصلة وهي الهوية "الدرزية الإسرائيلية" التي اعترفت بها الحكومة رسمياً، حيث تم فصل الطائفة الدرزية عن المجتمع الإسلامي والديانة الإسلامية وجعلها ديانة مستقلة في القانون الإسرائيلي في وقت مبكر من عام 1957. 

ويتم تعريف الدروز كجماعة عرقية ودينية متميزة في إسرائيل حسب وزارة الداخلية في تسجيل التعداد السكاني، وحسب نظام التعليم الإسرائيلي فإنّ المدارس الدرزية مستقلة ومختلفة في منهاجها عن المناهج في المدارس العبرية والعربية، وتتمتع المدراس الدرزية بالحكم الذاتي داخل النظام التعليمي الناطق باللغة العربيّة. 

وكان تخصيصُ منهاجٍ تعليميٍّ خاصٍّ بالطائفة الدرزيّة في فلسطين، خطوةً مفصليّةً من سلسلة خطوات أخرى قامت بها سلطاتُ الاحتلال الإسرائيلي ما بين السنوات 1956-1975 بهدف فصل الدروز عن مجتمعهم العربيّ الفلسطينيّ، ومحاولة استمالتهم لصالح المشروع الصهيونيّ. 

بدأت تلك الخطوات بالخطوة الأشهر عام 1956؛ فرض التجنيد الإجباريّ عليهم، وعلى الشركس، ومن ثمّ عام 1957 تمّ الاعتراف بهم كأقلية دينيّة إثنية منفصلة، أيّ اعتبارهم إثنية مختلفة، وكأنهم ليسوا عرباً.

اقرأ أيضاً: الصحف العبرية: انتصارنا تكتيكي والقوة العسكرية لم تنجح في حل مشكلة غزة

ولاحقاً، فُصِلت المجالس المحليّة للقرى الفلسطينيّة الدرزيّة عن بقية المجالس العربيّة. عام 1963، ولتثبيت سياسات الفصل والتشويه، أنشِئت محاكم دينيّة خاصّة بالدروز، والذين كانوا قبل ذلك التاريخ يتعاملون مع المحاكم الشّرعية الإسلاميّة. توّسعت سياسات الفصل حتى طالت الأعياد الدينية؛ في عام 1969 أُلغي الاعتراف بعيد الفطر كعيدٍ رسميٍّ للدروز، وفي مقابله اعتُرِف بما سُمّي "عيد النبي شعيب" كعيد رسميّ للدروز.

من جهته رأى المحامي "سامي مهنا" الرئيس السابق للاتحاد العام للكتاب العرب الفلسطينيين أن "سياسة فرق تسد"، هي محاولة لاستمالة الدروز، حيث استغلت المؤسسة الإسرائيلية الوضعية الخاصة للعرب الدروز كأقلية، وفرضت بمساندة بعض القيادات التقليدية الدرزية قانون التجنيد الإلزامي، ما أدى إلى انخراط الكثيرين في المؤسسة. 

وأضاف: "حتى الآن، يحاول الطرفان، المؤسسة الإسرائيلية والجزء الدرزي الموالي لها، والمدعوم من المجلس الديني، بالإبقاء على هذه الحالة، على الرغم من أن صوت وقوة الطرف الآخر، أي الطرف الوطني يرتفع ويزداد قوة.  

كما عملت السلطات الإسرائيلية على فصل الدروز عن بقية العرب، عن طريق المنهاج التعليمي، وقانون الخدمة الإلزامية، وفصل البلديات الدرزية عن بقية البلديات العربية.

أما عن تأثير الدروز في الانتخابات التشريعية الثالثة، أوضح "مهنا" أن نتنياهو سوّق نهجاً مختلفاً عن بعد التحريض على فلسطيني الداخل بشكل سافر، الأمر الذي أدى إلى زيادة نسبة التصويت عندهم كرد فعل مباشر، بالتالي ارتفاع عدد أعضاء القائمة المشتركة، وارتفاع نسبة التصويت لها، من العرب الدروز.
 
وزار نتنياهو حينها رئيس المجلس الديني الدرزي الشيخ موفق طريف في محاولة للتقليل من نقمة عرب الداخل على سياساته العنصرية. كما زار مدناً عربية مثل طمرة واعبلين، وظهر في وسائل إعلام عربية.

المصدر : متابعة-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo