إشاعات الضفة وإرباكاتها.. مؤشرٌ على اقتراب نهاية حقبة عباس؟

محمود عباس
محمود عباس

شهدت الضفة الغربية في الأيام الأخيرة سيلًا من الإشاعات غير العادية فيما يخص السلطة الفلسطينية، بدءا من صحة الرئيس محمود عباس، ومرورا بنقل صلاحيات، وكذلك تغيير وشيك لحكومة محمد شتية، علاوة على روايات وُصفت بغير الصحيحة عن نفق لحركة حماس من بيتونيا يصل الى رام الله، وكذلك إبلاغ كاذب عن متفجرات في جامعة بيت لحم.

هذه الإشاعات ترافقت، أيضًا مع تعاظم للعنف المجتمعي والعائلي في الضفة الغربية

وهو ما حذا بمراقبين إلى القول إن كل ما سبق متصلة ببعضها البعض، من حيث وقوف جهة منظمة وراء بثها، إضافة إلى أنها تنبؤ بقرب انتهاء مرحلة فلسطينية صعبة وبدء أخرى "خطيرة".

من يقف وراء طاحونة الإشاعات؟ وعلى ماذا تُدلل؟

مصادر سياسية متطابقة من السلطة الفلسطينية قالت لـ "زوايا" إن هناك أربع جهات منظمة تقف وراء بث هذه الإشاعات، لتحقيق غايات سياسية: الأولى، تيار القيادي المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان، أقطاب فتحاويين متخاصمة، حركة "حماس"، وإسرائيل.

وبغض النظر عن دقة حديث هذه المصادر المقربة من عباس عن حقيقة الجهات التي تقف خلف طاحونة الإشاعات الأخيرة، فإنه لاشك بان طبيعة التأثير، ووقوع قناة "بي بي سي" البريطانية في فخ النشر عن صحة عباس، قبل أن تسحبه مرة أخرى، قد دلل على أن جهة منظمة ومن قلب السلطة قد وقفت، على الأقل، وراء بث بعض هذه الشائعات.

اقرأ أيضاً: تحليل: استراتيجية الاحتلال للتنمية تقوم على أساس الانفصال

الواقع، أنه بعيدًا من صحة هذه الشائعات من عدمها، فغن ما أقلق أكثر المراقبين والشارع الفلسطيني، بأن هذه الشائعات إيذانا لمرحلة فلسطينية أشد خطورة، من منطلق قرب نهاية حقبة عباس، وبدء حقبة أخرى قائمة على صراعات على خلافته في رئاسة السلطة. وهو ما يعني أن هكذا شائعات وأخرى ستزداد في الفترة المقبلة.

"ما شهدته الضفة غير طبيعي"..لسببين

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بير زيت د.غسان الخطيب إن ما شهدته الضفة الغربية في الأيام الأخيرة من إشاعات وإرباك، هو أمر غير طبيعي وليس عاديًا، لنوعين من الأسباب: الأول، الصعوبات الإقتصادية التي يعيشها البلد، فكل المؤشرات تشير إلى "أننا نعيش ظروفا اقتصادية أكثر صعوبة، وهذه الظروف تؤثر على الفئات الأضعف". وأضاف الخطيب لموقع "زوايا" أنه من الطبيعي، كلما ساءت الأوضاع الاقتصادية، أنتج ذلك قلاقل سياسية وأمنية واجتماعية".

أما النوع الثاني للأسباب، يعود لجهات "مُعادية" للسلطة التي تحاول أن تستغل الظروف لتعميق حالة عدم الإستقرار والزعزعة لغايات وأغراض سياسية. وأعرب الخطيب عن اعتقاده بأن إسرائيل ليست بريئة من ذلك لا من السبب الأول ولا الثاني، حتى لو لم تكن إسرائيل السبب الوحيد وراء الظروف الاقتصادية والسياسية الداخلية الفلسطينية، إلا أنها تبقى الجهة المسؤولة بشكل.

الخطيب: الوضع صعب الآن..لكن الإنهيار أصعب وأخطر على الجميع

وحول ما إذا كانت بمثابة مؤشرات لمرحلة مليئة من القلاقل، أوضح الخطيب أن هذا يتطلب وعيا ليس، فقط، من الجمهور الفلسطيني، وإنما، أيضا، النخب السياسية مطلوب منها أن تعي أننا نعيش في ظروف سياسية واقتصادية صعبة، وأن الإنهيار لن يكون في صالح أحد، وسيعود بالضرر على الجميع.

وحذر الخطيب من انه بالرغم من أن الوضع الذي يعيشه الفلسطينيون، الآن، ليس مريحا، ولكن في حالة الإنهيار في الضفة، سيكون الوضع أصعب بكثير من جميع النواحي الإقتصادية والاجتماعية والسياسية. لذلك، دعا الخطيب إلى ضرورة أن يكون هناك وعي وتظافر للجهود وأن يكون هناك نوع من العمل وتنسيق المشترك بين ممثلي النخب المختلفة من أجل تجاوز المرحلة الخطيرة والصعبة والتي تُهدد بإنهيار الوضع القائم.

"ناشر الإشاعة يريد التأكيد على كبر سن عباس وأزمة الخلافة"

من جهته، أكد المختص بالشأن السياسي الفلسطيني محمد دراغمة لموقع "زوايا" أن هناك سيلًا من الاخبار والإشاعات التي تقف وراءها جهات منظمة تمتلك مواقع اخبارية ولديها صفحات في السوشال ميديا، ما يجعلها قادرة على نشر "إشاعات". ونوه دراغمة بأنه في فلسطين، فإنه ثبت أن نسبة المتلقين للأخبار من وسائل التواصل الاجتماعي أكبر بكثير من الذين يتلقوها من الإعلام المهني.

وأوضح دراغمة أن الهدف من بث هذه الإشاعات هو تحقيق أمور سياسية عديدة، ففي حالة صحة عباس، فإن المُراد هو تذكير الفلسطينيين بأن عباس ليس في عمر صغير، بل وصل إلى 87 عامًا، وان فرصة مغادرته للحكم هي واردة في أية لحظة.

وأما المسألة الثانية التي تقف في خلفية الإشاعات المتعلقة بصحة عباس، فهي مرتبطة بعدم وجود آلية لانتقال السلطة، فالقانون الأساس الفلسطيني ينص على ان رئيس المجلس التشريعي هو الذي يتولى منصب رئيس السلطة لفترة زمنية مدتها شهرين، في حال شغور المنصب لأي سبب طارئ، لحين إجراء الانتخابات. لكن المعضلة القانونية الفلسطينية، هي أنه لا يوجد مجلس تشريعي، ولا توجد إمكانية لإجراء انتخابات .

لذا، فإن الإشاعة عن صحة عباس جاءت ضمن حملة سياسية، لإثارة الرأي العام ضد السلطة؛ لأنها لم ترتب مرحلة ما بعد محمود عباس.

لكن، من يقف وراء الإشاعات؟

يجيب دراغمة بوجود مصالح متشابكة بين أشخاص من داخل حركة "فتح"، مع حركة "حماس" وإسرائيل. واعتبر دراغمة أن لحماس مصلحة بعد تعيين حسين الشيخ امينا لسر منظمة التحرير، لتوجه النقاش الفلسطيني حول هوية وريث عباس وما إذا كان هذا شرعيًا أم لا؟، وهل يتقبل الناس الأمر؟

وتابع دراغمة: "لأنه لا يوجد اعلام مهني لدينا، يذهب النقاش الى مساحة اخرى وهي الإشاعة لإثارة نقاش وتحقيق نقاط سياسية".

اقرأ أيضاً: المفكر المصري عبد الله السناوي لـ "زوايا": نصحت أبو مازن بحل السلطة وهذا كان رده

في المقابل، تبدو السلطة الفلسطينية عاجزة عن مواجهة طاحونة الشائعات التي تطالها، فبحسب دراغمة، لا يوجد لدى السلطة ماكينة إعلامية مهنية وإنما ترويجية غير احترافية، فضلا عن ان السلطة ليست من النوع الذي يولي أهمية للرأي العام، ما يعني فقدان التواصل مع الجمهور. وهو ما يؤدي إلى تلقي السلطة للضربات دون أن تستطيع أن تدافع عن نفسها.

بالمحصلة، جاءت الإشاعات الأخيرة لتمثل دور "البروفا" لما يمكن أن يشهده الشارع الفلسطيني بالمرحلة المقبلة، وسط مخاوف من احتدام الصراع على وراثة محمود عباس..لكن محمد دراغمة شدد على أن الرأي العام الفلسطيني واعٍ جدًا، ام يجعل أي ترتيبات بعيدًا عن الديمقراطية ليس سهلة. ورأى دراغمة أن الشعب الفلسطيني سيتحرك ليقول كلمته، وسيتدخل بشكل حيوي، وإن صمت فلن يصمت طويلًأ. وشدد على أن الإستقرار الفلسطيني مفتاحه الوحيد هو الديمقراطية والإنتخابات.

مي البزور: المخاطر الإجتماعية والأمنية والسياسية في الضفة قد تزداد

من جانبها، توقعت أستاذة علم النفس الاجتماعي والسياسي د.مي البزور ازدياد الأوضاع الإجتماعية والأمنية والسياسية سوءًا في الضفة الغربية خلال المرحلة المقبلة، إذا ماتم ربطه بالوضع السياسي المعقد، موضحة انها ليست شخصية متشائمة، لكن ما يحدث يبعث على الخشية من القادم.

وحللت البزور الأسباب من منظور علم الاجتماع ودراسة نفسية الجماعة الفلسطينية، و"علم الجماعة" هو مختص، مبينة أن الجماعة الفلسطينية تعاني من غياب البوصلة والمشروع الوطني الجامع، فضلًا عن مشكلات جدية على الصعيد الاقتصادي، وما يترافق معه من بطالة متزايدة.

وأضافت مي البزور لموقع "زوايا" ان معايير الجماعة الاجتماعية والأخلاقية تشهد خلخلة، مع غياب القانون، وهذا كله أدى إلى زيادة العنف بكل أشكاله، وهذا نابع من اليأس، وعدم شعور الفرد بالإنجاز الشخصي، ما ينتج مزيدًا من الشرذمة والإنقسامات وردود الأفعال الغاضبة، لدرجة أن الناس اصبحت مشحونة، بموازاة تراجع قيم التسامح والعفو.

المنظومة السياسية والإقتصادية جعلت الشعب يائسًا

ونوهت البزور أن هذا سببه الأساس عدم شفافية ومصداقية السلطات السياسية، سواء بالضفة الغربية أو قطاع غزة، وهذا بدوره يزيد وتيرة الغضب وردود الأفعال غير الطبيعية.

وحذرت البزور من أنها إذا بقيت الأمور على حالها، دون إصلاح أو معالجة، فإن الإشاعات ستتخذ وتيرة مرعبة، وستتخذ القلاقل الأمنية والسياسية منحى أشد خطورة، خاصة مع ظهور ظهور نخبة جديدة بالمجتمع، حيث طغت مصالحها الإقتصادية على كل شيء.

وتساءلت البزور: "مَن يحمي في الخليل؟.. القانون ام العشائر؟، وهل المكلفون بإنفاذ القانون معتمون بان يسود القانون؟". وهنا تُعرب البزور عن اسفها بان المواطنين باتت تفهم لغة القوة، وأصبحت الإنتهازية والشرقة والإستيلاء على الحقوق هي "فهلوة"، وغر ذلك هو "مَن ليس له ظهر ساند".

وختمت البزور حديثها بالقول إن اللوم مُوجه للمنظومة الاقتصادية والسياسية في البلد، والتي أعطت فئة معينة نفسًا، بينما حبست الأغلبية دون هواء، والنتيجة أن الشعب مستنزف ويائس والأرض تتآكل ضمن سجن كبير، وسط انقسامات داخلية.

وفي السياق، أكد خبراء في الشأن الإسرائيلي أن المستويات الأمنية الإسرائيلية، هي الأخرى، باتت تتحدث في الأروقة الضيقة، عن أن مرحلة عباس وصلت لنهاياتها، وذلك بناء على التطورات المتسارعة التي تعصف بالوضع الفلسطيني، معتبرة أن نهاية حقبته ستقود لصراعات، وربما مواجهات داخلية عنيفة في بعض المناطق، وحالة من عدم الإستقرار قد تمتد لفترة زمنية معينة.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo