للمرة الأولى منذ بدء العدوان على قطاع غزة، تتكشف معالم خطة إسرائيلية طويلة المدى للتطهير العرقي، حيث كشفت تقارير صحفية إسرائيلية عن زيارة سرية لرئيس الموساد إلى واشنطن لمناقشة "إجلاء" سكان غزة، فيما تواصل إسرائيل تدميراً منهجياً يستهدف 70% من مباني القطاع لجعلها غير صالحة للسكن
رؤساء الموساد في واشنطن: مفاوضات الترحيل القسري
زيارة برنياع تفضح المخطط الحقيقي
أكد الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي من صحيفة "هآرتس" بأن لإسرائيل خطة تطهير عرقي بعيدة المدى، مشيراً إلى أن رئيس جهاز الموساد ديفيد برنياع زار واشنطن الأسبوع الماضي لمناقشة "إجلاء" سكان غزة. وكشف الصحافي باراك رافيد أن برنياع أبلغ محدثيه أن إسرائيل بدأت فعلاً محادثات مع ثلاث دول في هذا الشأن
هذا الكشف يلقي ضوءاً جديداً على الأسباب الحقيقية وراء إقامة ما توصف بـ"المدينة الإنسانية" في جنوب القطاع، والتي يُنظر إليها كمعسكر اعتقال مؤقت لتسهيل عملية الترحيل لاحقاً
استراتيجية التدمير: محو غزة من الخريطة
70% من المباني غير صالحة للسكن
كشفت الأبحاث الأكاديمية الإسرائيلية حجم الدمار الحقيقي في القطاع. فقد حلل عدي بن نون، المحاضر في قسم الجغرافيا بالجامعة العبرية، صوراً جوية باستخدام خوارزميات قياس الدمار، ليخلص إلى أن70% من مباني غزة تعرضت لأضرار كبيرة تجعلها غير صالحة للسكن.
وأكد بن نون أن "الدمار موجود في كل المستويات: البيت، والمؤسسات العامة، مكان العمل، مؤسسات التعليم والأراضي الزراعية. كل شيء تم تدميره".
المنطقة الوحيدة الناجية تحت الهجوم
دير البلح، التي كانت المنطقة الوحيدة بدمار أقل من 50% (43% من مبانيها مدمرة)، باتت الآن تحت الهجوم الإسرائيلي، حسب تقارير "هآرتس" يوم الاثنين الماضي.
اعترافات نتنياهو: "لا مكان للعودة إليه"
تصريحات مسجلة تكشف النوايا الحقيقية
في اجتماع لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، صرح نتنياهو حرفياً: "إننا نقوم بهدم المزيد والمزيد من المنازل. ولا يوجد لدى سكان غزة مكان يعودون إليه. وسوف تكون النتيجة الوحيدة لذلك هي رغبة الغزيين في الهجرة من القطاع".
كما أخبر الجنود أن "الحكومة تعمل على إيجاد دول تستوعب لاجئين من غزة. وأنا أؤمن بأن 50% منهم وأكثر سيخرجون. وحسب رأيي، ربما أكثر بكثير من ذلك".
خطة "اليوم التالي": السيطرة الدائمة
رؤية نتنياهو الاستراتيجية
طرح نتنياهو في فبراير 2024 رؤيته لـ"اليوم التالي"، والتي تتضمن:
- السيطرة العسكرية المستمرة في غزة
- إقامة منطقة عازلة واسعة
- تكليف جهات محلية بإدارة القطاع مدنياً وشرطياً
هذه الخطة تتماشى مع عمليات التدمير الممنهج وتشجيع الميليشيات المحلية المناهضة لحماس، كما أكدت تحقيقات صحفية أجنبية.
غياب المعارضة: إجماع إسرائيلي على التطهير
انجراف أحزاب الوسط مع "روح الحرب"
يؤكد الخبير العسكري يغيل ليفي أن أهداف نتنياهو الاستراتيجية لم تواجه أي تحدٍ في الجدل الإسرائيلي العام، حتى بعد اتضاح أن تحقيقها يتطلب حرباً مستمرة وثمناً أخلاقياً باهظاً.
أحزاب الوسط الإسرائيلي لم تقف في وجه هذه الأهداف لأنها "انجرفت مع روح الحرب"، مما يعني أن المعارضة الداخلية لخطة التطهير العرقي شبه معدومة.
التحليل: استراتيجية التطهير العرقي متعددة المراحل
المرحلة الأولى: التدمير والتجميع
- تدمير ممنهج لـ70% من البنية التحتية
- تجميع السكان في "مدينة إنسانية" (معسكر اعتقال)
- قطع كل إمكانية للعودة إلى الحياة الطبيعية
المرحلة الثانية: الضغط والترحيل
- مفاوضات دولية لاستقبال "لاجئين" من غزة
- تشجيع "الهجرة الطوعية" تحت الضغط
- استخدام الأزمة الإنسانية كأداة إكراه
المرحلة الثالثة: السيطرة الدائمة
- فرض الحكم العسكري الإسرائيلي
- إقامة سلطات محلية تابعة
- تحويل ما تبقى من غزة إلى منطقة عازلة
الخلاصة: مخطط بعيد المدى تحت الأنظار
تكشف التطورات الأخيرة عن مخطط إسرائيلي محكم للتطهير العرقي في غزة، يجمع بين التدمير الممنهج والدبلوماسية السرية والضغط النفسي على السكان. هذا المخطط، الذي يحظى بإجماع إسرائيلي نادر، قد ينتهي بسبب الاستنزاف العسكري أو الضغط الدولي، لكن ليس بسبب معارضة داخلية حقيقية.
ما يجري في غزة اليوم ليس مجرد حرب عسكرية، بل تنفيذ لمشروع استعماري يهدف إلى إعادة تشكيل الجغرافيا الديموغرافية للمنطقة بالكامل.