المنهاجُ الفلسطيني.. تمويلٌ مشروط بطمس الهوية وحلول غائبة

اضراب الطلبة الفلسطينية تضامناً مع المنهاج الفلسطيني
اضراب الطلبة الفلسطينية تضامناً مع المنهاج الفلسطيني

يسعى الاحتلالُ الإسرائيلي عبر أدواته الضاغطة على ممولي السلطة الفلسطينية، لا سيما الاتحاد الأوروبي، من أجل تغيير المنهاج الفلسطيني وحذف النصوص المتعلقة بالثوابت الفلسطينية بحجة "معاداة السامية" و"نبذ الإرهاب"، مشترطًا تمويلها بتنفيذ هذه الشروط بشكل مسبق.

واعتمد الطلبة الفلسطينيون قبل العام الدراسي 2000-2001 على المنهاج الأردني بالضفة والمنهج المصري في قطاع غزة بحكم القرب الجغرافي، وعند استلام السلطة الفلسطينية إدارة وزارة التربية والتعليم بدأت العمل على إعادة صياغة منهاج يتناسب مع الحالة الفلسطينية والمضامين التي نصت عليها، إلا أن الاحتلال لم يرق له وجود المعاني الوطنية في المنهاج الفلسطيني.

مناهج تتضمن الحقوق الفلسطينية

من جانبه، قال أستاذ المناهج وطرق التدريب المساعد في الجامعة الإسلامية محمد أبو سكران، أنّ المناهج الفلسطينية الجديدة تتضمن العديد من الحقوق الفلسطينية مثل حق العودة والأسرى والشهداء والقدس، وتعتمد على حق الفلسطيني وهذا ما أزعج الاحتلال الإسرائيلي.

وبعد أن استقل المنهج الفلسطيني عن المنهجين الأردني والمصري، واستقلالية الفلسطينيين بمنهاج خاص بهم، سعى الاحتلال لطمس الحق الفلسطيني، وفق ما ذكره "أبو سكران" لـ "زوايا".

وأشار إلى وجود مدن مثل "حيفا" و"صفد" وخارطة فلسطين كاملة في المنهج الفلسطيني وهو اعتراف ضمني بالأراضي المحتلة، فيما يسعى الاحتلال لتغيير ثقافة الشعب الفلسطيني والاعتماد على النسيان مع مرور الزمن، لافتًا إلى أن الضغوطات التي تمارس لتغيير المنهاج الفلسطينية ليست جديدة.

1.jpg

2.jpg

 

مراقبة أوروبية بضغط إسرائيلي

وبيّن الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية "يبوس" سليمان بشارات، أن المناهج الفلسطينية تخضع للملاحظة والرقابة الأوربية وما يتم رصده من الاحتلال، منوهًا أنه في المرحلةِ الأخيرة زادت عمليات الضغط من الاتحاد الأوروبي على السلطةِ لتغيير المنهاج بسبب الضغوطاتِ الإسرائيلية.

وبشأن تذرع الاحتلال بالمناهج الفلسطينية، فلقد مارس الاحتلال الإسرائيلي ضغوطاته على الاتحاد الأوروبي لاشتراط التمويل بنبذ ما يسمى "الإرهاب" و"معادة السامية" في المناهج الفلسطينية.

ويسعى الاحتلال الإسرائيلي والمنظومة السياسية الدولية إلى تفريغ الهوية الفلسطينية من المواطن الفلسطيني تحت إطار مفهوم "التعايش" وبناء الحالة التعليمية على أساس التعايش والتفريغ من الانتماء والهوية والفلسطينية، والترويض الفكري والمنهجي والفكري والثقافي، كما يوَضح بشارات لـ "زوايا".

فصل الفلسطيني عن الواقع

كما أن الاحتلال يضغط من أجل الفصل بين الحالة السياسية والواقع الذي يعيشه المواطن الفلسطيني، وما زاد الطين بلة أن الحالة الفلسطينية مرهونة للواقع السياسية المرتبط بالحالة السياسية والتمويل الخارجي.

اقرأ أيضاً: المنهاج الفلسطيني.. هل يواكب التطور المعرفي والتحديات الوطنية؟

ونبّه "بشارات" أنّ المساعدات الأوروبية هي مجرد مصاريف تشغيلية ولا تمت إلى البناء أو التنمية المستدامة بأي شكلٍ من الأشكالِ، كي لا يحدث نوع من الاستقلال الاقتصادي والسياسي وبالتالي التمرد على الاشتراطات الأوروبية والإسرائيلية.

ونظرًا للحالةِ السياسية الفلسطينية المتهالكة وغياب المجلس التشريعي وغياب دور الحكومات، فإن رأس المال وجلب التمويل يطغى على الحالة السياسية والوطنية. "حسب بشارات".

استبدالُ المعاني الوطنية

وقال المختص التربوي والتعليمي مخلص سمارة المُشارك في إعداد المنهج الفلسطيني سابقًا ، أن المناهج الفلسطينية تتغير كل عامٍ بناءً على تقييمات وتوصيات، مؤكدًا على أن المعلم الوطني الحقيقي هو الذي يسخر أهدافه الوطنية داخل الغرفة الصفية ولا يخضع للاشتراطات.

ومنذ نشأة السلطةِ الفلسطينية خضعت المناهجُ الفلسطيني لعدةِ تغييراتِ قد وصلت في بعض الأحيانِ لجوهرية، مبينًا أن المناهج الفلسطينية مرهونة للاتفاقيات والتمويل الخارجي والأوروبي وهي أقل حريةٍ في اختيار نصوص المنهاج والمادة التعليمية. بحسب "سمارة"

وبين "ٍسمارة" أن هناك محاولات لاستبدال بعض المعاني الوطنية بغيرها نظرًا لضغوط الممولين والاتحاد الأوروبي، لافتًا أن الأونروا قد غيّرت خارطة فلسطين وقيم وطنية في العديد من الكتب الدراسة لمواد تعليميةٍ أخرى.

فيما أظهرت صفحات مصور من الكتب المدرسية للمنهاج الفلسطيني أن الأونروا في العام 2017 استبدلت خارطة فلسطين في كتاب الصف الأول للغة العربية إلى كلمة "فلسطين" وحذفت صورتها.

3.png

واستبدلت "الأونروا" أيضًا خارطة فلسطين في أحد دروس الرياضيات للصف الرابع الابتدائي، بثوبٍ فلسطيني.

4.png

وأزالت "الأونروا" كلمات "الاحتلال" و"المسجد الأقصى" و"الحواجز الأمنية" بالكامل من أحد دروس الرياضيات للصف الثاني.

5.png

كما أزالت "الأونروا" مدينة القدس والأغوار من أحد دروس العلوم للصف الرابع، واستبدلتها بـ "قلقيلية" واكتفت بأريحا دون الأغوار.

6.png

 

نبذ "الإرهاب" والدعوة للتطبيع

وبضغطٍ إسرائيلي، يخطط الاتحادُ الأوروبي لإلزام المنهاج الفلسطينية بقيم السلام ونبذ العنف وما يسمى بـ "الإرهاب" و"تجريم المقاومة" و "الدعوة للتطبيع" ومحاولة تقزيم "المقاومة الشعبية" والانسياق خلف اتفاقية "سيداو" وترويجها من خلال المناهج الفلسطينية، كما يبيّن "سمارة" الذي شارك في إعداد المنهاج الفلسطيني سابقًا، خلال حديثه لــ "زوايا".

اقرأ أيضاً: "عربات النار".. مناورة إسرائيلية ضخمة وسط ملفات ساخنة

وأكد أنه مهما بلغت حجم الضغوطات لا يجب أن يفرّط بالمعاني الوطنية والثوابت من باب المجاملة والمداراة، مبينًا أن العديد من المعاني الوطنية المباشرة تم استبدالها بأخرى غير مباشرة.

مسؤولية المعلم

واعتبر "سمارة" أن المسؤولية الوطنية تقع على عاتق المعلم داخل الغرفة الصفية في إيصال المعاني والثوابت الوطنية الفلسطينية لعقول الطلبة.

ولتجاوز اشتراطات المانحيـن في تغيير المناهج الفلسطينية، لفت سمارة إلى أن الممولين لا يُلاحقون العملية التعليمية داخل الصفوف بل تتم عملية الملاحقة في الكتب، فلا يجب أن يعلق المعلم قصوره التعليمي على شمّاعة المناهج الفلسطينية والرقابة.

ويسعى الغرب لإرضاء الاحتلال الإسرائيلي من خلال اشتراطات المناهج، ولفت "سمارة" أن الاشتراط ليس إلزاميًا وأن القرارات الدولية بشأن المناهج من الممكن أن يتم انتزاعها على غرار قرارات تجريم الاستيطان وغيرها في الأمم المتحدة.

ودعا السلطة في حال تم اشتراط التمويل بتغييرات جوهرية بالبحث عن ممولين آخرين بعيدًا عن الاشتراطات.

وبشأن تأثير المنهاج على الحالةِ الوطنية، وصف "سمارة" المناهج الفلسطيني بالقاصرة والضعيفة في تأثيرها على الجيل الفلسطيني، عازيًا حالة الثورة المندلعة في الأراضي الفلسطيني حاليا أنها بسبب منصات التواصل الاجتماعي التي باتت في كل بيتٍ فلسطينيٍ.

وبعد هذه الضغوطاتِ المتتالية والتلويح بعصا التمويل المشروط بتعديل المنهاج الفلسطيني، والتي أدت إلى تقليص المساعدات سواءً للسلطة أو الأونروا أو أي جهة مانحة لقطاع غزة، تبقى العملية التعليمية الفلسطينية مرهونةً بالتمويل المشروطِ وضعف الحالة الفلسطينيةِ وتشظيها في ظل الانقسام والتبعية الاقتصادية للاحتلال، وضعف التنمية وغياب مشاريع المستدامة، التي تمكّن الفلسطيني في الاعتماد الكامل على أنفسهم.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo