فلسطين من أسوأ دول العالم في "حرية الصحافة".. ما الأسباب؟

الصحفيين الشهداء في حرب غزة
الصحفيين الشهداء في حرب غزة

تراجع مستوى الحريات في فلسطين بشكل غير مسبوق 38 خطوة إلى الوراء، فبعد أن كان ترتيبها العام الماضي 132 على مستوى العالم، بلغ هذا العام 170 من أصل 180 دولة، أما عربيا فقد جاءت في الترتيب الـ19، وفق التقرير السنوي لمنظمة مراسلون بلا حدود، الذي نشرته مؤخرا تحت عنوان "عصر الاستقطاب الجديد".

وفي إشارة إلى ممارسات الاحتلال، قال المنظمة إن "الصحافيين دفعوا ثمناً باهظاً سواء خلال اعتداءات الاحتلال في القدس المحتلة عام 2021 أو خلال "العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة حيث قتل صحافيان في قصف".

وأوضحت أن "الصراع مع إسرائيل يقوّض عمل الصحفيين الفلسطينيين بشدة، حيث تنطوي تغطية المظاهرات على مخاطر كبيرة بالنسبة لهم. كما يتعرضون للاعتقال والعنف والملاحقات القضائية، بينما تُدمَّر معداتهم ويُحرمون من بطاقة الاعتماد.

هذا ويؤدي استخدام الجيش الإسرائيلي للذخيرة الحية في عمليات تفريق المتظاهرين إلى إصابات خطيرة في صفوف المراسلين".

وقد استندت المنظّمة في مؤشر الحريات الذي تنشره سنويا إلى 5 عوامل أساسية هي: السياق السياسي لكل دولة، الإطار القانوني لعمل الصحافيين، السياق الاقتصادي، والسياق الاجتماعي والثقافي، الأمان المتاح للصحافيين في عملهم.

أسباب التراجع

عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين عمر نزال رأى في حديثه لـ "زوايا" أن ثلاثة أسباب أدت إلى تراجع ملحوظ في الحريات في فلسطين خلال العام الماضي، الأول انتهاكات الاحتلال التي تصاعدت وكانت الأعنف بسبب العدوان على غزة وما تبعها من مواجهات في الضفة والداخل.

أما السبب الثاني، فأوضح نزّال الزيادة الحادة في الانتهاكات الداخلية ضد الصحفيين، خاصة خلال فترة استشهاد الناشط نزار بنات وما تبعها من احتجاجات أدت لاعتداءات عنيفة طالت الصحفيين.

اقرأ أيضاً: عملية "إلعاد" فردية..لكنها مختلفة عن سابقاتها لأكثر من سبب

وارتبط السبب الثالث بسلسلة المشاريع والقوانين التي أصدرتها وفرضتها السلطة التنفيذية سواء في الضفة أو غزة، والتي شكلت تراجعا عن قانون المطبوعات والنشر والقوانين الأخرى المتعلقة بحرية الصحافة.

ولتمكين الصحفيين من انتزاع حريتهم، قال نزّال: "ذلك بحاجة لجهود أعلى لوقف الانتهاكات التي ارتفعت في عهد الحكومة الحالية، إلى جانب الحاجة لنضال نقابي أعلى، فما تقوم به نقابة الصحفيين غير كافٍ، ويجب إعادة تفعيل النقابة من خلال انتخابات تعيد هيكلتها وتجدد دورتها القيادية".

أدوات جديدة لمحاربة المحتوى

الصحفية والناشطة في الدفاع عن الحريات الإعلامية مجدولين حسونة، قالت لـ"زوايا" إن الحريات الإعلامية في فلسطين متراجعة أصلا ليس فقط خلال العام الماضي وإنما طيلة الأعوام الماضية، وجاء تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" ليؤكد أن الحريات الإعلامية تسير من سيء الى أسوأ.

وأضافت: "نحن نعيش ما بين احتلال يقمع الصحفيين الفلسطينيين، ونظام سلطة قمعي يقمع الحريات، وهذا ليس جديدا، فكل عام تنخفض الحريات بسبب ضعف القوانين التي لا تساند حرية الصحافة، بل على العكس تضيق عليها مثل قانون الجرائم الالكترونية، الذي تم سنه مؤخرا ويتم محاكمتنا عليه لمجرد النشر على فيسبوك".

ورأت أن غياب الفصل بين السلطات وغياب السلطة التشريعية أثر بشكل كبير على حرية الصحافة خصوصا عندما يتم اعتقال الصحفي.

ونتيجة لذلك، فرض الصحفيون على أنفسهم نظام رقابة ذاتية خشية من أن يتعرضوا للانتهاكات والملاحقات، وفق الصحفية حسونة.

الى جانب ذلك الضغط الاقتصادي على الصحفي، أدى لتردده في النشر وإعادة الحسابات وسياقها المناسب حتى لا يتعرض لمضايقات او فصل من عمله.

ولم تعد الانتهاكات ضد الصحفيين تقليدية، فمؤخرا بدأت شبكات التواصل الاجتماعي بمحاربة الصحفي والمحتوى الفلسطيني، مما أدى لتقليل الحريات، وإجبار الصحفي الفلسطيني على تغيير خطابه أو الامتناع عن النشر في القضايا التي تتعلق بالاحتلال، حتى لا يتعرض حسابه للتقييد او الإغلاق.

واعتبرت حسونة أنه في حال استمرت العوامل سالفة الذكر دون معالجة، فسوف تصبح فلسطين الأسوأ على العالم من حيث الحريات الإعلامية.

ورأت أن التغيير يبدأ من أساس المشكلة، أي من السلطة التنفيذية أولا، ثم من الصحفيين ثانيا، بسبب سكوتهم على الظلم الواقع عليهم، لذلك عليهم مقاومة الظلم والنضال ضده بطرق مختلفة ورفع الصوت عاليا.

"القوانين قاصرة"

واتفق رئيس المعهد الفلسطيني للاتصال والتنمية الصحفي فتحي صبّاح مع من سبقوه بأن العدوان على غزة والشيخ جراح وقمع الصحفيين أثناء المظاهرات الاحتجاجية ضد قتل الناشط نزار بنات مثلت نقلة نوعية في تراجع مستوى الحريات.

وقال صبّاح لـ"زوايا" إن الاعتداء على الصحفيين من قبل الاحتلال أو من قبل السلطتين في غزة والضفة لا ترتبط بمناسبة معينة، لكن العام الماضي شهد نقلة نوعية.

وأشار إلى استمرار الانقسام السياسي وغياب المجلس التشريعي منذ سنوات طويلة، وعدم الفصل بين السلطتين القضائية والتنفيذية في الضفة وغزة، وضعف المؤسسات الرقابية، فاقم من أزمة الحريات.

وشدد على ضرورة توسيع السلطتين في الضفة وغزة صدرهما لاستيعاب الاحتجاجات وحرية العمل للصحفيين، وأن تؤمن بذلك كواجب عليها قانونا، مؤكدا على وجوب امتثال السلطتين للقوانين المتاحة وإن كانت لا تلبي الطلب من حيث الحريات.

وأضاف أن المطلوب إقرار منظومة تشريعية إعلامية متكاملة، فمثلا قانون النشر والمطبوعات لعام 1995 وهو سابق لانتخابات المجلس التشريعي، ولم يقر المجلس أي قانون يخص الإعلام والصحافة، فلا يوجد لدينا قانون الحصول على المعلومات، ولا يوجد لدينا مجلس أعلى للإعلام.

ورأى أن دور نقابة الصحفيين أقل من المطلوب في الحريات الإعلامية، مطالبا بتعزيز دورها بشكل أكبر فعالية.

"التقرير يخلط الأوراق"

أما وزارة الإعلام فشككت بمصداقية ومهنية تقرير "منظمة مراسلون بلا حدود". وقالت نداء يونس مدير العام الإنتاج الإعلامي والعلاقات العامة في الوزارة لـ"زوايا"، "إننا لا ننظر للتقرير بجدية، لأن مؤشراته غير واضحة ويتضمن خلطا واضحا بين الأوراق بين دولة الاحتلال والسلطة الفلسطينية وحماس، نتمنى أن لا يكون ذلك مقصودا".

وأضافت: "في حال تحدثنا عن عمل مهني شفاف يجب أن تكون المؤشرات واضحة، حتى نستطيع نقاش كل بند على حدى، فهو يتضمن خلطا واضحا وفاضحا للأوراق ونرفض مناقشته".

اقرأ أيضاً: أحمد مناصرة ...عندما يقتل الاحتلال الطفولة

وتساءلت يونس "هناك تراجع في مؤشر الحريات في كثير من الدول العربية بثلاثين درجة وأكثر فهل يعقل ذلك؟ وهل يعقل أن يضع التقرير دولة الاحتلال في مؤشر الأفضل في حريات الصحافة، في ظل ما تقوم به من انتهاكات بحق الصحفيين الفلسطينيين؟!"

"انتهاكات فردية"

وفيما يتعلق بدور الحكومة، قالت إن الحكومة تقوم بتوثيق كافة الانتهاكات الإسرائيلية وتنشرها وتوزعها على وسائل الإعلام، أما فيما يتعلق بالانتهاكات الداخلية، فيتم تشكيل لجان تحقيق ويتم التعامل مع الشكاوى الواردة.

وأشارت إلى أن الانتهاكات تكون أحيانا تصرفات فردية، وأحياناً أخرى نابعة من عدم تيقن، لأن الصحفيين لا يلبسون الدروع أو لا يحملون البطاقات الصحفية أو التعريفية بهم.

يُذكر أن منظمة مراسلون بلا حدود كانت قد ناشدت المحكمة الجنائية الدولية في 2018 للتحقيق في "جرائم الحرب" المرتكبة في سياق مسيرات العودة، بعد استشهاد صحفيَين اثنين في قطاع غزة وما صاحب ذلك من إصابات عديدة.

وفي مارس/آذار 2021، خلصت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في ذلك الوقت، فاتو بنسودة، إلى وجود عناصر كافية لفتح تحقيق رسمي، لكن شيئاً من ذلك لم يحصل حتى الآن.

وبالإضافة إلى العنف الجسدي الذي ترتكبه قوات الاحتلال خلال مظاهرات الجمعة، لاحظت "مراسلون بلا حدود" تصاعد موجة العنف ضد الصحفيين الفلسطينيين، سواء في سياق العدوان العسكري الذي شُن على قطاع غزة في مايو/أيار 2021، أو بعد الاحتجاجات التي أعقبت قمع المقدسيين في حي الشيخ جراح، أو في خضم موجة التوترات والمواجهات في حرم المسجد الأقصى المبارك خلال شهر رمضان الجاري.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo