عملية "إلعاد" فردية..لكنها مختلفة عن سابقاتها لأكثر من سبب

عملية إلعاد
عملية إلعاد

ثمة قاسم مشترك في معظم العمليات المسلحة الواقعة داخل أراضي-48، بإستثناء عمليتي بئر السبع والخضيرة، وهو أن منفذيها ينحدرون من محافظة جنين، إضافة إلى عدم الإنتماء العضوي أو الأيديولوجي من قبل المنفذين لأي فصيل فلسطيني، بل أنهم عبروا عن جيل من الشباب والفتية الذي قرر الإنفجار في وجه الاحتلال، بطريقة ونتيجة غير مسبوقتين.

فبالنظر إلى منفذَي "عملية إلعاد" أسعد الرفاعي (19 عامًا) وصبحي أبو شقير (20 عامًا)، فإن التقديرات الأمنية الإسرائيلية تُؤكد عدم تبعيتهم لأي فصيل فلسطيني، وهو ما يؤكده مواطن من بلدة رمانة قضاء جنين والتي يتحدر منها المنفذان، حيث أوضح لموقع "زوايا" أنّ المنفذَين الرفاعي وأبو شقير لا ينتميان لأي فصيل، وأنهما يعملان في مستوطنة إلعاد في مجال الكهرباء. وأضاف المواطن، مفضلًا عدم ذكر اسمه، أنه لا يُمكن لأي فصيل أن يجرؤ على تبني عملية إلعاد، ولا العمليات الأخرى، إذ أن المنفذين خططوا ونفذوا، من تلقاء أنفسهم، بعيدًا من الأحزاب.

"عملياتٌ بإيحاء من حماس..حتى لو كانت فردية"!

لكنّ المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، تحاول أن تُحمل حركة "حماس" مسؤولية بعض هذه العمليات، عبر القول إن المنفذَين أقدما على العملية بإيحاء وتأثير من حماس، بحكم أنها دعت في الأيام الأخيرة، على لسان رئيسها في غزة يحيى السنوار، إلى تنشيط الهجمات المسلحة ضد الأهداف الإسرائيلية، بغض النظر عن عدم تبيعة منفذي العمليات للبنى التحتية العسكرية الخاصة بالفصائل.

غير أنّ جهات إسرائيلية ترى أن الفصائل الفلسطينية، بما فيها حماس، تتنافس، خلال السنة الأخيرة، على احتواء آلاف الشباب الفلسطيني الذين لا ينتمون لأي فصيل أو حزب، فتعمل على تبني هؤلاء الشباب واستقطابهم؛ ذلك أن الفصائل، خاصة "فتح" و"حماس"، تشعر بالقلق من حالة ميدانية يفجرها جيل شبابي لا ينتمي إليها، وهو ما دفع هذه الفصائل إلى العمل على مباركة هذه العمليات، وأحيانًا تبينها، ولو عبر الحث عليها عبر وسائل الإعلام.

"الشباب لا يحتاجون إلى مُحرّض؛ لأن ممارسات الاحتلال أغضبته"

بدوره، قال الكاتب الصحافي وعضو الكنيست الإسرائيلي الأسبق نظير مجلي، لموقع "زوايا"، إن تحريض إسرائيل على حركة "حماس"، هي محاولة منها لتجاهل الحقيقة الواقعية والمنطقية القائلة إن الممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين هي التي تسببت بكل ما يجري..إذ أنها أغلقت الباب أمام أي إمكانية للحل السلمي يمكن للإنسان أن يبني عليه شيئا، وهو ما خلق جمهورًا وشبابًا فلسطينيًا غاضبًا ومحبطًا.

اقرأ أيضاً: أوراق قوة بيد الفلسطينيين يمكن استغلالها لوقف العدوان

وتابع مجلي: "في إسرائيل مرة يقولون إن سبب العمليات هو التحريض السياسي، وتارة أخرى يقولون إن الإجراءات الأمنية غير كافية"..لكنّ مجلي شدد على أن الممارسات الإسرائيلية صنعت شبابا فلسطينيين كارهين للإحتلال، وهم لا يحتاجون إلى تحريض أو مُحرّض كي ينفذوا هذه العمليات، التي قال مجلي عنها "إنها عمليات موجعة ومؤلمة فلسطينيًا، ولا أتمناها". غير أنه تساءل: ماذا يُمكن أن يقال لشباب لم يعد يحتمل وبات يائسًا؟.. في حين لا تجد إسرائيل إلا الحلول الأمنية التي لا تأتي بنتيجة تُذكر!

الواقع أنّ حركة "حماس" تبدو هي الأخرى معترفة بأن هناك جيلًا فلسطينيًا بلا إنتماء حزبي، بدليل أن مسؤولها في غزة يحيى السنوار، قد عبر عن ذلك ضمنًا، لمجرد أنه قرر دعوة الفلسطينيين في الضفة الغربية بأن ينفذوا عمليات بما يمتلكون من أسلحة سواء "رشاشات أو ساطور أو سكاكين أو فأسًا". فهو اعترف، بهذا المعنى، أن حماس ولا أي فصيل مسؤولون عن تسليح هؤلاء الشباب أو التخطيط لعملياتهم التي ينفذونها.

"حماس تسعى لدور غير مباشر في عمليات الضفة"

وقد أكد رئيس شبكة الأقصى الإعلامية التابعة لحركة "حماس" وسام عفيفة على ذلك أيضًا، حينما قال لموقع "زوايا"، أن التبني "غير المعهود" من قبل كتائب "القسام"-ذراع "حماس" العسكرية لعملية "ارئيل"، التي وقعت قبل أيام وأدت إلى مقتل حارس أمن المستوطنة الواقعة قرب سلفيت..هو إيذان بتصعيد "حماس" العمليات المسلحة في الضفة في المرحلة المقبلة. لكنّ عفيفة نوه بأن حضور "حماس" في هذه العمليات قد يكون بطريقة غير مباشرة، من خلال التعبئة الشعبية لتعزيز وتكثيف هذه العمليات، وليس بالضرورة أن يتبع المنفذون عضويًا حركة "حماس" أو بنيتها العسكرية.

وهنا، يُستشف من هذه القراءة، بانه يمكن أن يكون الدور الميداني ل"حماس" في الضفة، في سياق التعبئة والحض على مزيد من العمليات، وهي ما وصفها الأمن الإسرائيلي ب"عمليات الإلهام والتأثير" من قبل حماس وفصائل أخرى، في جيل شباب غير منتمٍ حزبياً، كي ينفذ هذا النوع من العمليات الموجعة لإسرائيل.

هل تجر عمليات الضفة حربًا جديدة على غزة؟

أيًا كان الأمر، فإن النتيجة تدفع إسرائيل إلى الإدعاء بأنها تقف عاجزة أمام التنبؤ المسبق بهذه العمليات، ذلك أنها تندرج في سياق فردي، وليس بنيوي عسكري تابع لفصائل محددة..وهو السبب نفسه الذي يدفع إسرائيل إلى اتهام حماس بتحريض المنفذين، ذلك أن تل أبيب تبحث عن جهة ملموسة تعلق عليها فشلها وتنفس غضبها من خلالها، فهي لا تجد بنية عسكرية فصائلية للإنتقام منها، كلما وقعت عملية فردية.

وهنا، يتعاظم السؤال حول ما إذا كان التحريض الإسرائيلي ضد "حماس" من شأنها أن يجر باتجاه حرب جديد على قطاع غزة..لكنّ مصادر من "حماس"، وأيضًا في داخل أراضي-48، كلها تستبعد، خلال أحاديثها لموقع "زوايا"، أن يشن الاحتلال الإسرائيلي حربًا جديدة على قطاع غزة في هذا التوقيت..إذ أنهم يعتقدون أن حرب غزة لا زالت بعيدة في الوقت الراهن، رغم كل شيء.

اقرأ أيضاً: جنين تحت الحصار.. وهبة شعبية لنصرتها

وبدا مدير تحرير الاهرام المصرية أشرف أبو الهول متناغمًا مع الإنطباع القائل إنّ عمليات الضفة هي "فردية بإمتياز"، أي لا دخل لها بأي فصيل فلسطيني. وأوضح أبو الهول لموقع "زوايا"، أنّ إسرائيل هي التي تتحمل مسؤولية ما يجري، وأنها مضطرة للقبول بالعودة إلى طاولة المفاوضات السياسية لمعالجة وضعها الأمني.

عملية "إلعاد" أكثر إيلامًا من سابقاتها..لماذا؟

اللافت أن المختص بالشأن الإسرائيلي محمد سلامة، أشار إلى مفارقات بين عملية "إلعاد" وسابقاتها من العمليات الأخيرة، وإن كانت تُصنف جميعها "فردية" وليست فصائلية. وأوضح سلامة، وهو من فلسطينيي-48، لموقع "زوايا"، أن عملية "إلعاد" أثارت الرأي العام الإسرائيلي بمستوى أكبر من العمليات السابقة؛ لأكثر من سبب: الأول، كونها بدت وكأنها ترجمة فعلية لدعوات يحيى السنوار لكل فلسطينيي الضفة والمقيمين في أراضي-48 بأن يهموا بما يمتلكون من أسلحة وسكاكين و"ساطور" لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل.

فشل استخباري و"عملياتي" أيضًا

وأما السبب الثاني، فهو أن الفشل الإسرائيلي في هذه العملية لم يقتصر على كونه "استخباراتيا" فحسب، بل كان أيضًا فشلاً عملياتيًا في تعقب المنفذَين اللذين تمكنا من الإنسحاب والتواري عن الأنظار. وبين سلامة أنّ المنفذين انسحبا رغم أن "إلعاد" هي مكان يعيش فيه "الحريديم" (اليهود المتدينون)، ما يعني أنها مكتظة بالسكان، كما جرت عليه العادة في البلدات المتدينة.. لكن، وبالرغم من ذلك، فإن المنفذين تمكنا من الإختفاء.

وجددت عملية "إلعاد" الدعوات لتسهيل منح رخص السلاح للإسرائيليين، بما فيهم المتدينون..فالمعروف في إسرائيل، أن اليهود المتدينين لا يخدمون بالجيش الإسرائيلي، وبالتالي لا يمكنهم الحصول على تصاريح لحمل السلاح. لكن العملية المزدوجة الأخيرة قد دفعت إلى تعالي الأصوات لتسليح المتدينين أيضاً، بحجة أنهم لو كانوا مسلحين، لتمكنوا من التعامل بشكل أسرع مع منفذَي العملية.

ومما يُدلل على الفشل الاستخباري الإسرائيلي، هو أن الأمن الإسرائيلي قام، على نحو نادر، بنشر صورة المنفذَين، قبل الوصول إليهما. وهو ما يعني أن المؤسسة الأمنية في تل أبيب لم يكن لديها طرف خيط للوصول إليهما، فطلبت مساعدة من الشارع الإسرائيلي، عبر التعريف بشكلهما ونشر صورتهما.

كما كان الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي حاضرًا، لمجرد أن منفذي عملية "إلعاد" وصلوا إلى المكان، من دون تصاريح، فلم تتمكن من العلم المسبق بكيفية وصولهما للمكان، ومن ثم تنفيذهما العملية.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo