أن تكون فلسطينياً

فلسطيني يرفع علم فلسطين
فلسطيني يرفع علم فلسطين

ان تكون فلسطينيا فهذا يعني الكثير الكثير مما لا ينتهي ولا ينقضي.

ان تكون فلسطينيا معناه ان يكون كل شيء حولك مختلفا: طعم الحياة وطعم الموت, طعم الفرح وطعم الحزن.

ان تكون فلسطينيا , وكما قال الشاعر محمود درويش, " يعنى أن تصاب بأمل لا شفاء منه"

ان تكون فلسطينيا أن ترى وتقرأ الاشياء بلون اخر بعيدا عن كل الالوان الاخرى.

منذ خلقت فلسطينيا يولد معك الكثير من الحروف والكلمات والذكريات والرسوم المختلفة.

تصاحبك وتلازمك منذ أن تولد والى ان تجد لك قبرا في ارض لا تخطر لك على بال.

يوم ان تولد يوضع في فمك ملعقة من زيت الخليل, فيها شيء من المرارة لكن فيها نكهة من رائحة القدس وحجارة مغموسة بتاريخ عريق وامة مجيدة.

يوم ان تولد يدرسونك خارطة الميلاد : (فلسطين ليست سقط متاع، فلسطين تاريخ وحضارة، هى مهدك ولحدك ومشوارك الطويل والمتعب, لكنه مشوار الشجعان والابطال لوطن انجب الانبياء والشهداء, وانبت زهورا وورودا لم تنبت في مكان اخر)..

أن تكون فلسطينياً يعني أن ترضع من ثدي أمك حليبا مختلفا, حليبا مطعما بكثير من معاني الظلم والقهر والغربة , لكنه ايضا مطعم بنكهة التحدي والرجولة والإصرار.

يوم ان تولد عليك ان تتعلم الكثير من هذه الدنيا الواسعة : مفردات الوطن, عشق التراب, معنى الحنين, قضبان الزنازين, أن تحبس دموعك, طرق الموت المتعددة , صنوف المعاناة , وجوه الاعداء الكالحة , تتعلم من وقفوا معك ومن خانوك وباعوك بازهد الاثمان.

اقرأ أيضاً: إعادة إعمار غزة تحت رحمة الممولين.. إلى متى؟

عليك أن تعرف مفردات السياسة ومصطلحات الفلسفة وأسماء الأسلحة والحواجز واسماء السجون ووحدات القنص والاغتيال.

عليك أن تقرأ التاريخ جيدا والا رسموا لك صورا كاذبة وحشوا عقلك بأوهام واضاليل عن السلام والتعايش مع الذئاب والكلاب الضالة.

ان تكون فلسطينيا ان تكون غريبا في مطارات العرب, مشتبها, مدعوا لتحقيق طويل ومتعب عن ايامك ونشاطاتك وانتمائك, ومن ثم ترحيلك مقيدا بدون سبب.

تحلم كثيرا ان تحصل على تأشيرة سفر أو ان تمر من المطارات كما اصحاب الشعر الاشقر والعيون الزرقاء.

يوم ان تكون فلسطينيا عليك ان تحفظ اسماء الشهداء وصورهم , وان تحفظ معارك الكرامة وبطولات الافذاذ, ان تحفظ الثورات والانتفاضات والهبات.

ان تقرأ تاريخك من الكتابات على جدران المخيم المتهالكة, وترى فيها صورا لشعب لا ينكسر ولا يستسلم.

يوم أن ترى الاطفال يلعبون في أزقة المخيم المتربة والمعجونة بالطين ترى فيهم صورة المستقبل وهم يلبسون الكاكي ويحلمون البنادق وترى دماءهم وقد وشمت أجسادهم النحيلة.

ان تكون فلسطينيا معناه انك اذا خرجت فربما لا تعود الا محمولا على الاكتاف او يسجل اسمك في مقبرة الارقام او تجد لك متسعا في سجن من سجون الاحتلال الكالحة.

يوم ان تتزوج فربما لا تجد فرصة لتسمع صراخ طفلك وهو يولد , وقد تراه شابا ذا شاربين بعد عقود من السنين.

قد تعود الى زوجتك الوفية وتجد ان شعرها قد غزاه الشيب وظهرت التجاعيد على وجهها وانهكتها عذابات الانتظار.

ويوم ان تموت يكون موتك مختلفا فربما تزغرد الناس ويكتبون اسمك على جدران المخيم ما يبقى ذاكرتك الى الابد.

ان تكون فلسطينيا معناه ان تصاب بمرض الحنين والشوق الدائم والمزمن, مرض لا شفاء ولا خلاص منه, يتقلب معك في صحوتك ويقظتك، في نومك وأحلامك, يسكن معك في بيتك المغطى بالزينكو وينام معك على " الجنبية" ، ويأكل ويشرب معك ولا يفارقك الا يوم خروجك من سجل الاحياء.

يوم ان ولدت القضية الفلسطينية ظهرت معالمها التي كانت تقول بان هناك من يريد ان يسلب الارض والوطن ويطمس الهوية ويستجلب شعبا اخر.

ويوم ان حلت النكبة على الشعب الفلسطيني حلت مرحلة اخرى من مراحل التاريخ, غير تلك المراحل التي يعرفها باقي البشر.

انها مرحلة معجونة بالدم وممزوجة بالألم ومضمخة برائحة الزيتون.

لا يكاد الفلسطينيون يجدون طعم الراحة, سواء في وطنهم او في شتاتهم, لكن يجمعهم هذا الحب الابدي الراسخ في قلوبهم لسهول ومروج فلسطين وبقاعها المبارك.

رغم اثقال الزمن التي تنوء بها أمم واجيال ورغم جبال الالم التي تجرعوها ورغم كل انواع العذابات التي تنوعت وتعددت الا أن فلسطين لم تفارق قلوبهم ولا ذاكرتهم, ومن ذاك الذي يستطيع ان ينسى القدس بشوارعها وحجارتها ورائحتها المعبقة بالتاريخ المجيد , ومن يقدر على ان ينسى هذه الفتاة المضيئة حيفا او العروس المزينة عكا او غزة المستريحة على شاطئ البحر.

نحن الفلسطينيون تسكن ذاكرة الوطن وحبه وعشقه معنا وتسبح في دمائنا وترقد في اعصابنا وتأبى علينا أن لحظات النسيان ان تسرق لحظة من حياتنا.

رغم هذا الوحش الهمجي المدجج بالقتل والكراهية وكل انواع الشرور, ورغم نهمه اللامحدود في سفك الدماء واستباحة الاعراض ووأد الحياة وسرقة الاسماء, واختطاف البسمة من شفاه الاطفال والامهات الا اننا أقوى واعظم وأكبر , لان الارادة التي تسكننا والعزم الذي ولد فينا يفوق دباباته المدرعة وطائراته الضخمة وجنوده المدججين بالسلاح والعتاد.

اقرأ أيضاً: أوراق قوة بيد الفلسطينيين يمكن استغلالها لوقف العدوان

منذ 74 عاما, لم نسكت, لم نصمت, لم ننم, لم نغفو, لم ننسى .

ان تكون فلسطينيا فهذا يعني انك يجب ان تجهز نفسك لحياة مختلفة, متعبة ,يتداخل فيها الخوف والرهبة من المستقبل والتشبث بالأمل .

ان تكون فلسطينيا معناه ان تحمل في قلبك وعقلك وجسدك المتعب من طول السفر كلمة واحدة لا غير , كلمة الوطن, وكما قال الشاعر درويش (تعلّمتُ كل الكلام، وفكَكته كي أركب مفردةً واحدة هي: الوطنُ)

في فلسطين: الحياة لا تشبه الحياة,

والموت لا يشبه الموت,

والاعراس لا تشبه الاعراس,

هنا التاريخ يكتب بشكل ومداد مختلف,

وهنا يولدون ويموتون بشهادات غير تلك التي تصدر في أروقة الحكومات

هنا يكون التناقض والتماثل وسر الاشياء.

يوم ان تسير الى مدرستك او مكان عملك وبدلا من ان تسلك طريقا زراعيا مليئا بالاشجار اليافعة على جبال جنين او الازهار المنثور في الطريق بين رام الله والقدس تجد نفسك امام جندي متجهم مدجج بخوذة تحجب ملامح وجهه وتبرز عينيه الكالحتين , واقف على حاجز حجري مصوبا بندقيته يقول لك "عدت من حيث اتيت".

ويوم ان تعود الى بيتك تبحث عن قليل من الراحة في ليل هادئ تفاجأ بأصوات الجنود الصاخبة ومعهم الكلاب تنبح في وسط الليل تبحث عن " مخربين" , يدقون الابواب بعصيهم ويصرخون بصوت عال ويطلبون من الناس الخروج في

ان تكون فلسطينيا لا تنس دوما ان تصطحب معك هويتك في جيبك والا كنت مشتبها ومعرضا لتحقيق طويل: لماذا تخرج بدون هوية!!

ان تكون فلسطينيا تكون مخيمات اللجوء مسكونة في ذاكرتك بمسالكها الضيقة وطرقها المتربة المغبرة واطفالها الذين يلهون في الشوارع والامهات اللواتي يجلسن في مجموعات يتحدث عن ايام الهجرة واللجوء.

ان تكون فلسطينيا يجب ان تتعود على صوت اخر, غير صوت الموسيقى والعصافير الزاهية والبلابل المغردة في احراش الخليل وقلقيلية , وغير صوت البحر في غزة , لا ترهب من صوت الصواريخ ذات القدرات التدميرية الهائلة وصوت الانفجارات التي تكاد تقصم الارض نصفين وصوت هدير الدبابات والمدافع الرشاشة وصوت الجرافات الضخمة التي تهدم البيوت بضربة واحدة من شفراتها.

يوم العيد المليء بالفرحة وضحكات الاطفال والاراجيح ولمة الجيران والاصحاب كثيرا ما تحول الى يوم صامت لا روح فيه ولا صوت غير صوت الموت وتساقط الجدران وكثرة الدماء في الطرقات.

ان تكون فلسطينيا معناه لا تجد مكانا امنا , فالاماكن كلها اهداف محتملة, حتى الاماكن المخصصة للعبادة لم تسلم من صواريخ فتاكة وقنابل ذات قدرات هائلة في التدمير والحرق.

واذا كانوا علموك ان القانون الدولي والانساني يقولان بحرمة اماكن العبادة والمستشفيات وسيارات الاسعاف واصحاب الملابس البيضاء وأنها في مأمن عن الات القتل فهذا خطأ كبير وجسيم لا ينبغي ان تركن اليه.

ان تكون فلسطينيا معناه الا تكون ضعيفا, ولا مهزوما ولا منكسرا ولا قابلا للمساومة والبيع والشراء.

ان تكون صلبا صلدا جلدا شديد المراس شديد البأس.

ان يكون دمك وجسدك ليس لك.

ان تكون روحك معلقة في قناديل القدس.

الا تعرف الخوف. لا تعرف الهروب .. لا تعرف الاستسلام.

ان تكون فلسطينيا ان تكون رجلا كامل الرجولة, كامل المروءة ,الشجاعة هي النطفة , التضحية هي العلقة والفداء هي المضغة , ثم تكون خلقا اخر

ويوم تموت, لا تموت كما يموت الاخرون, تموت مستريحا سعيدا ان خرجت روحك طاهرة مطهرة , تموت واقفا كما النخيل , وتدفن مع زغاريد النساء اللواتي يغنين اغاني واهازيج الشهداء (زغردي يا ام الشهيد.. سبل عيونو وماد ايدوا يحنولو غزال زغير بالمنديل يلفولو)

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo