اقتصاديات المواسم الدينية

بائع في اسواق غزة
بائع في اسواق غزة

للاعياد في البلدان المتقدمة اقتصاديات مختلفة تماما عن بلداننا النامية والفقيرة خصوصا، فهي مواسم للانفاق وتعزيز دورة الدخل والانتاج كونها بلدان منتجة تستحوذ على جل القيمة المضافة للانتاج والاستثمار عالميا وكذلك الاستهلاك، اما بلداننا الاسلامية خصوصا محدودة الدخل بما فيها فلسطين وخصوصاً قطاع غزة فهي ترتبط بنمو الطلب والاستهلاك على سلع واحتياجات اساسية مثل الغذاء والملبس الذي يلبي ايضا احتياجات ممتدة زمنيا وليس لفترة الموسم فقط. كما ويصاحبها تشوها للاسعار اي ارتفاعا قد يصاحبه جمودا Price Rigidity اي ارتفاع لفترات زمنية اطول ويعزز ارتفاعها المستقبلي يضغط على المستهلك محدود الدخل اصلا والذي بالكاد يستطيع تلبية احتياجاته الاساسية مع معدلات ادخار محدودة جدا بل احيانا سالبة كما هو الحال في قطاع غزة وفلسطين فاجمالي الاستهلاك الفلسطيني اكبر من الناتج الفلسطيني اي ان الادخار سالب والمستهلك يمول استهلاكه من المدخرات السالبة او الاقتراض. ومن هنا تبدأ المعضلة فالسلوك المعتاد للضغط على الاسعار لا يقود لعبئ ضائع في الرفاه المجتمعي Access Burden فقط وانما لتحويل مشوه للدخول والثروات لصالح فئة محددة من سلسلة التزويد، دون وجود سياسات حكومية واضحة وتسمح بتزويد وتوفير السلع ومحاربة التواطؤ المنظم او الغير بين كبار التجار والمزودين العارضين او المستوردين حتى لا يتم هذا التشوه في الاسعار. ان هذا الامر لا يحدث في الدول المتقدمة بسبب مرونة جهاز العرض والسياسات الحكومية على الرغم من ارتباطها بإستهلاك رفاهية في فترة المواسم والاعياد وهو ما يوضحه مؤشر اسعار عيد الميلاد Christmas Price Index.

وتكمن معضلة القطاع ان الطلب في المواسم ممول بدخل آني بسبب عدم توفر مدخرات تسمح بالطلب على فترة زمنية اطول وحاجة ماسة لا رفاهية لانخفاض الدخل وارتفاع الفقر، اي ان عملية الاستهلاك ممولة من راتب او دخل لا يتوفر الا حين الموسم مما يسمح بالاستغلال والضغط على الاسعار خلال مدة زمنية محدودة جدا مما يسبب ايضا مزيدا من الاقتراض من قبل المستهلك لمحاكاة النمط الاستهلاكي السائد ومزيدا من الافقار للمستهلك وتعزيزا للسلوك الاستغلالي للمزود، اي ان ضغط الاسعار ناجم عن محددودية الفترة الزمنية التي تتوفر فيها القدرة الشرائية للمستهلك.

اقرأ أيضاً: أوراق قوة بيد الفلسطينيين يمكن استغلالها لوقف العدوان

ولو نظرنا الى قطاعات السلع الغذائية واللحوم والدواجن والملابس والصرافة المنظمة فهي قطاعات احتكار قلة على مستوى كبار التجار وليس منافسة احتكارية مما يسمح بالتواطؤ غير المنظم بينهم، والذي يفترض ان يجرمه القانون، للتحكم في الاسعار، فاسعار المواد الغذائية والسلع الاساسية مثل اللحوم البيضاء مفرطة الارتفاع واخذت في الانخفاض مع نهاية الموسم وان كان هناك الكثير من المبررات التي يمكن ان يسوقها او الاجراءات التي يمكن ان تسوقها الادارة الاقتصادية الحكومية فلم تفضي لشئ ودفع المستهلك الثمن وكذلك الملابس فترة العيد والتي تخدم المستهلكين كجزء مهم وربما وحيد من الكسوة السنوية خلال العيدين وليس نمطا ترفيا فقد ارتفعت اسعارها بشكل نفرط وغير مبرر بحجة تعويض كساد الاسواق سابقا وقد برز التباين الحاد بين فترة "الموسم المنقوص" (عند التوقع بالتصعيد العسكري) والاطمئنان لحالة الموسم والتي ارتفع خلالها متوسط سعر ملابس الاطفال من 10 دولار الى 20 دولار وهي اسعار مرهقة تماما لمستوى دخل كقطاع غزة، وحتى اسعار العملات مثل الدينار والتي توصف بالشح خلال العام وسعرها في السوق الموازية اعلى من سعر سوق المال او ما يسمى السوق الرسمي كما يطلق عليه الا ان اقبال المواطنين على الاقتراض واستخدام مدخراتهم من الدينار والدولار جعل السعر اقل في السوق الموازية لدى محلات الصرافة استغلالا للموسم ولامتصاص هذه المدخرات بسعر اقل رغم الشح وهو ما يجعل من هذه المواسم للاسف على روحانيتها ودينيتها واشتياق المتعبدين لها مرتعا لجشع واستغلال الكثيرين.

كما ان فقاعة الطلب المرتبطة بمحدودية العرض ومحدودية زمن الطلب والعرض ينجم عنها تراجع في جودة السلعة والخدمة وليس ارتفاعا لاسعارها فقط. ما زالت ل العوامل والمواسم تثبت ان هذا الشعب شديد الصمود والصبر والتحمل.

اقرأ أيضاً: إسناد حكومي غير كافٍ.. الضرائب في غزة تثقل كاهل المواطنين

ومن جانب آخر، فإن تحفيز المسلمين لإخراج زكاة الفطر عينا يترتب عليه مزيدا من الهدر من خلال هامش الربح اثناء عملية شراء القمح او التمر او الزبيب وغيرها وكذلك اثناء عملية البيع المتوقعة من الفقير لتوفير السيولة المفقودة لديه، واعتقد ان من يعزز اولوية اخراجها عينا لا نقدا لم يأخذ بعين الاعتبار ان التمر كان نقدا سلعيا Commodity Money لدى العرب زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أي انه يقوم مقام النقد في شراء السلع المختلفة وفي هذا مقال آخر. ومن جانب آخر لا بد من نقاش تحديد نصاب الزكاة في الذهب او في الفضة لاختلاف النصاب بينهما جوهريا فهو في نصاب الفضة اقل بكثير من نصاب الذهب في ظل الارتفاع الحاد في اسعار الذهب عالميا، مما يعزز اثر الزكاة المقصود في اعادة توزيع الدخل والثروة في المجتمع ويعالج مشكلة الفقر.

كما ان العييدية وهي امر طيب يعزز الصلة الا ان له اثرا في السلوك الاجتماعي الاقتصادي مما يرهق الكثير من محدودي الدخل في ظل اضطرارهم للمحاكاة الاجتماعية لهذا السلوك.

ان هذه المواسم لها اقتصادياتها الخاصة والتي لا بد من الاهتمام بمعالجتها بشكل جذري ومستمر لتترك آثارا اقتصادية واجتماعية رغب بها وتعتبر من مقاصد الشريعة الإسلامية السمحه، لا ان تترك آثارا معاكسة

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo