حماس والجهاد.. تقارب يتجاوز التباينات

الجناح العسكري لحركة حماس والجهاد الإسلامي
الجناح العسكري لحركة حماس والجهاد الإسلامي

توالت في الفترة الأخيرة اللقاءات الموسعة بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وذلك على كافة المستويات بما فيها المستويين السياسي والعسكري، حيث انبثق عن هذه الاجتماعات لجان عمل مشتركة.

وحسب الإعلان المشترك للحركتين، فإن اللقاءات تناولت سبل تطوير العلاقات الثنائية، وترسيخ العمل المشترك بين الحركتين، باعتبارهما رأس حربة "مشروع المقاومة" جنباً إلى جنب مع فصائل المقاومة كافة وكل الوطنيين الأحرار.

وفعلياً، فقد انعكس ذلك من خلال الأنشطة الجماهيرية المشتركة، والتي كان آخرها الوقفة الجماهيرية لتي نظمتها حركتي حماس والجهاد في محافظة خان يونس- السبت الماضي- وفاءً لدماء الشهيد البطل رعد حازم منفذ عملية تل أبيب، واحتفالاً بعمليات المقاومة الفلسطينية واسناداً للمقاومين الأبطال في الضفة الغربية والداخل المحتل.

واقتباساً من تقرير لـ"القدس العربي" فإن حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" تنتميان إلى المشروع الإسلامي، وتأتي "حماس" أولاً في الجانب العسكري في القطاع الذي تسيطر عليه منذ 2007، فيما تأتي "الجهاد" ثانياً، لكن بفارق واضح في القدرات والإمكانيات والإنجازات لصالح "حماس".

وقبل سيطرة حركة "حماس" على القطاع بالقوة، وبسط نفوذها الواسع وطرد عناصر السلطة الفلسطينية و"فتح" في 2007، كانت العلاقة مع حركة "الجهاد" في أسوأ أحوالها، وكان التنافس على استقطاب الشباب وإدارة المساجد على أشده، وكثيراً ما كان يتم افتعال مشاكل بين الطرفين. لكن في النهاية كان يتم السيطرة عليها من قبل تيارين في الحركتين يحاولان دوماً تقريب وجهات النظر، ويعتبران أنّهما تكملان بعضهما مع مساحة من التباين والاختلاف.

خلاف ووحدة عالمشروع

فما الذي دفع بالحركتين لتجاوز الخلافات والبحث عن أرضية مشتركة للالتقاء والتفاهم وتنسيق المواقف في ظل وجود نزعات التنافس وخصومة الأقران وأحلام القيادة والتصدر للمشروع الفلسطيني، وما غاية حماس والجهاد من اللجان المشتركة وأهدافهما على المستويين السياسي والعسكري، وما انعكاسات ذلك على الفصائل الأخرى من جانب وعلى ردع الاحتلال من جانب آخر، وما أبعاد هذا على الاصطفاف في المحاور الفارسية والعربية وعوائد التمويل المادي والتسليح العسكري؟، هذه الأسئلة وغيرها وجهتها "زوايا" لقيادة الحركتين والمتابعين للشأن الفلسطيني والإسرائيلي.

ويرى القيادي في حركة حماس حماد الرقب، أن التقارب بين حركته والجهاد الإسلامي، نتيجة طبيعية للتقدم في ملف العلاقات الوطنية والإسلامية، مشيراً إلى أن ذلك ألقى بظلال على كثير من الأعمال والمواقف المشتركة سواء في مسيرات العودة والموقف من الأسرى ومن ما يجري في القدس وعلى عموم ملفات القضية الفلسطينية.

وأوضح الرقب في حديث لـ "زوايا" أن حركة الجهاد الإسلامي فصيل قريب جداً من حركة حماس أيديولوجيا وينطلق من منطلقات متشابهة، وهو عملياً يمثل ثاني قوة عسكرية بعد قوة حماس، عاداً أن الوصول إلى آلية من آليات التفاهم المشترك والالتقاء والبرامج بينهما، تجعل كلا الحركتين تسيران على مسافة واحدة من مجمل القضايا المتعلقة بالشأن الوطني الفلسطيني.

اقرأ أيضاً: تهديد مقاومة غزة للاحتلال.. مجازفة خطرة أم آخر أوراق الضغط؟

وأشار الرقب إلى أن وحدة حماس والجهاد تنسلخ على الفصائل الأخرى، لافتاً إلى أن علاقة حركته بباقي الفصائل الوطنية علاقة مبنية على التواصل والتفاهم واللغة المشتركة والمشاورات الدائمة، وذلك على قاعدة احترام الكل الفلسطيني، ولكن هذا الأمر يسير بصورة أوضح وأعمق مع الأخوة في الجهاد، كما قال.

وكان القيادي بحركة الجهاد الإسلامي خالد البطـش صرح مؤخراً "نحن وحماس وذراعينا العسكريين الأقوى والأكثر تسليحاً على الساحة الفلسطينية، وهما جسد واحد عنوانه المقاومة".

وحول انعكاسات هذا التقارب، فقد أكد الرقب أن انعكاس هذا التقارب على فصائل المقاومة هو "انعكاس إيجابي" ويأتي بصورة تعطي حالة من حالات رفع الروح المعنوية، حيث أنه عندما تكون الفصائل وخاصة الكبرى مثل حماس والجهاد والقوى المتنوعة والمختلفة موحدة، فإن ذلك يعطي دفعة معنوية قوية جداً لمقاومة الاحتلال، مستدلاً بحديثه على الأعمال العسكرية التي كانت تنفذها غرفة العمليات المشتركة والتي تشبه رئاسة أركان جيش فلسطين، حيث يكون التنسيق والتناغم في الفعل الميداني.

وقال الرقب "من المبشر أن تكون اللقاءات واللجان والغرف المشتركة بين حماس والجهاد وبقية الفصائل، هي قوة في الرأي والفهم والوعي، فإن العصي إذا اتحدن أبين الانكسار(..) هذه الوحدة تمثل انتكاسة للعدو سواء على الصعيد السياسي أو العسكري والأمني، ونرجو أن يتكلل هذا الأمر بالمشروع الكبير الذي تنتمي إليه كل الفصائل الوطنية والإسلامية وهو مشروع تحرير فلسطين".

أما عن انعكاس ذلك التقارب على العدو، فقد أكد الرقب أنه له انعكاسات كثيرة السوء عليه، حيث كان يعمل العدو دائماً على قاعدة فرق تسد والاستفراد بفصيل دون الآخر، غير أن حالة النضج الموجودة لدى حركات المقاومة اليوم "قفزت كثيراً عن المكر الصهيوني"، حسب تعبيره.

يذكر أن الجنرال الصهيوني يستحاق بريك قال ذات مرة "من الصعب التصديق أن إسرائيل قادرة على تطبيق سياسة فرق تسد في غزة، والتفريق بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي"، وذلك في إطار تعلقيه على الخلاف الذي وقع بين الحركيتين في إحدى جولات التصعيد على غزة، وسرعان ما تجاوزتا هذا الخلاف واستطاعتا تطويقه من خلال التفاهم والتنسيق والحوار الجاد.

وكمن سبقه، فقد اعتبر خضر حبيب القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، أن التقارب بين حركته وحماس "ليس بالأمر الغريب"، مشيراً إلى أن الجهاد وحماس يجمعهما كما باقي الفصائل الوطنية "المقاومة والشراكة في الوطن، في مواجهة عدو مركزي واحد هو الاحتلال الصهيوني".

وأشار حبيب في حديثه لـ "زوايا" إلى أنه من المنطق والعقل والحكمة أن يكون بين كل فصائل المقاومة وبخاصة حركتي حماس والجهاد اللتين تجمعهما قواسم مشتركة كبيرة "وحدة في المواقف والميدان"، مؤكداً أن هذا التقارب من ضرورات الشرع والواقع.

ونوه إلى أن المقصود باللجان المشتركة بين حركتي حماس والجهاد "هي لجان على المستويين السياسي والعسكري تنسق فيما بينهما المواقف والأفعال وقتما اقتضت الضرورة".

وقال "نحن في هذا السياق نحاول تعزيز العلاقة وتنسيق المواقف مع حماس، فالحركتان هما عصب المقاومة في فلسطين"، عاداً أن هذا التنسيق ينسحب على المستويين السياسي والعسكري، مضيفاً "ليس من المنطق أن يكون هناك تباعد بين حركتين تواجهان عدواً مشتركاً وتدافعان عن قضية واحدة وهي القضية الفلسطينية العادلة والمقدسة". وتابع "نحن نشعر أنه من الضروري جداً أن يكون هناك تنسيق وعمل مشترك".

وعن انعكاسات ذلك التقارب بين حماس والجهاد على وحدة فصائل المقاومة من جانب، وعلى ردع الاحتلال من جانب آخر، فقد أكد حبيب أن وحدة المقاومة وفصائلها المختلفة من الضروريات لمواجهة العدو الصهيوني، مؤكداً أن العمل المقاوم الموحد "سوف يُوجع الاحتلال ويمنعه من الاستفراد بأي فصيل وسيردعه عن التمادي في جرائمه ضد شعبنا".

اصطفافات ومحاور

وحول رأيه فيمن يقول أن لهذا التقارب أبعاد لها علاقة بالاصطفافات والمحارو وضمان التمويل والتسليح؟، فقد رد حبيب بالقول "نحن نعمل ما يمليه علينا الشرع ويتطلبه الواقع، بضرورة أن يكون هناك وحدة وتنسيق وتكامل في المواقف، حيث أننا نخوض معركة في مواجهة عدو مشترك، وبعد ذلك لا يضيرنا ماذا يتمحور الآخرون"، في إشارة إلى الانقسام العربي والدولي في المحاور وخاصة المحورين الإيراني والسعودي.

وأردف حبيب بأن من وصفهم "الآخرون" هم أصحاب أجندات مختلفة، فمنهم من يقف مع فلسطين ومنهم من يعاديها (..) الالتفات إلى الأقوال والتغريدات في هذا المضمار ليس مهماً بالنسبة لنا، بقدر فعل الواجب في أن نكون جسدا واحدا، إذا تداعي منه عضو تداعت له سائر الأعضاء.

اقرأ أيضاً: "كتيبة جنين".. مقاومة تشتد رغم المستحيل

وأكمل حبيب قائلاً "من يدعم فلسطين ويقف معنا نقول له شكراً، ولكن نحن لا نبيع مواقف ولا يمكن أن نكون أدوات في يد أي محور أو أي دولة، فنحن أصحاب قضية مركزية ومن يحب الإسلام وفلسطين فليأتي إلى فلسطين والأخيرة لا تذهب لأحد"، على حد تعبيره.

أما الرقب القيادي في حماس، وفي رده على من يقول بأن لهذا التقارب أبعاد لها علاقة بالاصطفافات والمحارو وضمان التمويل والتسليح؟ أجاب "في اعتقادي أن هذا الكلام ليس نابعاً من أصحاب اختصاص يعرفون الحقيقة والواقع، ويأتي في سياق مبررات واهية لا أصل ولا جذر لها، فالقضية ليست مرتبطة على الإطلاق بأي محور سوى محور فلسطين القضية المركزية".

وأضاف "نحن نمد أيدينا إلى كل أبناء الأمة العربية والإسلامية من أجل أن يقفوا معنا, لكي نستمر في صراعنا مع العدو حتى نتمكن من التحرير، ولكن لم يحدث مطلقاً أننا اصطففنا يوماً مع أي محور من المحاور خارج إطار القضية الوطنية الفلسطينية التي نصارع من أجلها الاحتلال الذي اغتصب أرضنا".

وتابع الرقب "يحاول البعض التشكيك في الالتقاء والاتحاد وأن يضع أمامه الأسباب الواهية، فهذا ليس إلا سراباً يحسبه الظمآن ماءا، والواقع أن هذا الالتقاء والتحالف الهدف الرئيس من ورائه هو تمتين القوة الفلسطينية وإيجاد جبهة وطنية واسعة تمتلك رؤية وبصيرة في مقارعة العدو، والحفاظ على الحق الوطني الفلسطيني".

استراتيجية يُبنى عليها

ومن وجهة نظر أحمد عبد الرحمن الكاتب والمحلل في الشأن السياسي والعسكري، فإن هذه اللجان المشتركة بين حركتي حماس والجهاد "ليست جديدة وإنما تم تشكيلها منذ سنوات في مختلف مناطق قطاع غزة على مستويات مختلفة وتشمل المستويين السياسي والعسكري" .

ولفت إلى أن هناك لجانا على مستوى المناطق وأخرى على مستوى المحافظات وثالثة على مستوى القيادة العليا في القطاع.

ويرى عبد الرحمن في تحليله لـ "زوايا" أن أهداف هذه اللجان تشمل تنسيق العمل في الميدان ومعالجة أي إشكالات قد تحدث وتنظيم فعاليات مشتركة ومحاولة الوصول لقواسم مشتركة في معظم القضايا ذات الصلة.

أما على مستوى الانعكاسات لهذا التقارب بين حماس والجهاد، فقد اعتبر عبد الرحمن أنها "كثيرة"، وأولها المردود الإيجابي على عناصر الحركتين وعلى عموم أبناء الشعب الفلسطيني، وكذلك سهولة عمل الجانبين على الأرض خصوصاً في المجال العسكري وعدم حدوث تضارب في المهام أو الأماكن أو الأهداف.

إضافة إلى أن هذا التنسيق-حسب عبد الرحمن- يساهم في قوة الموقف الذي يُراد إيصاله للعدو الصهيوني، خصوصاً وأن الحركتين تتمتعان بقوة عسكرية وسياسية كبيرة وهذه القوة تزداد وتتعاظم عندما تعمل بشكل مشترك وعلى مستوى عالٍ من التنسيق.

أما فيما يخص موضوع المحاور والأجندة الخارجية والاصطفافات الإقليمية، فقد اعتبره عبد الرحمن "مجرد ذر الرماد في العيون، ولا يعدو كونه مجرد شائعات مغرضة يروجها العدو وأعوانه لكسر هذا التحالف والتقليل من شأنه وإظهاره وكأنه تحالف مصالح ليس أكثر".

ويرى عبد الرحمن أن "هذا التحالف استراتيجي ويحقق أهدافا مهمة ليس فقط للحركتين، وإنما لمجموع الشعب الفلسطيني ولباقي فصائل المقاومة التي تتمتع هي الأخرى بعلاقات متينة وصلبة مع حركتي حماس والجهاد" .

من جهته، يرى الكاتب الصحفي المقرب من حماس يحيى الصواف، أن العلاقة بين حركتي حماس والجهاد علاقة "عقيدة"، عاداً أن هذا الرابط الكبير بينهما إلى جانب المقاومة المشتركة أكبر من أن ينال منه أحد.

وذكر الصواف في حديث مختصر لـ "زوايا" أنه بالرغم من هذه العلاقة الكبيرة بين الحركتين –حماس والجهاد- في المنطلقات والأهداف، إلى أنها لا تصل إلى حد الانصهار الكامل، معتبراً أن إيمانهما بالمقاومة وسيلة للتحرير لا يعني أنهما قد لا يختلفان في الوسيلة للوصول لهذا الهدف السامي.

ويرى الصواف في محاولات "البعض" نبش الماضي والعودة للتذكير بالخلافات والنزاعات السابقة بين أنصار الحركتين بأنها "لن تجدي نفعاً في ظل ما تشهده العلاقة من لجان وتنسيقات على كل المستويات"، داعياً إلى المحافظة والبناء على هذا التقارب التاريخي والعلاقة الاستراتيجية بين الحركتين وتطويرها.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo