تصاعد التعصب الرياضي بغزة يهدد النسيج الاجتماعي

لاعبين بغزة
لاعبين بغزة

لم يعد التعصب الرياضي، مقتصراً على أعمال الشغب في المدرجات وداخل الأندية الرياضية فحسب، بل انتقل إلى مواقع التواصل الاجتماعي وما يصاحبها من تحشيد وتهديد متبادل بين بعض الفرق الرياضية ومشجعيهم، ويغلب على ذلك "النزعة العشائرية والمناطقية"، مما يهدد النسيج الاجتماعي.

وقد شهد الموسم الرياضي الحالي في قطاع غزة، أعمال شغب كثيرة تخللها شجارات داخل المستطيل الأخضر وعلى مدرجات المشجعين، الأمر الذي انتقل كالنار في الهشيم إلى خارج الملاعب والفضاء الإلكتروني وخاصة مواقع التواصل.

وعلى سبيل المثال لا الحصر-خلال مارس الجاري- أعلن الحكم عاهد المصري نهاية مباراة الشجاعية والشاطئ بالتعادل بهدف لمثله، لتنطلق بعدها أحداث شغب بين اللاعبين والجماهير والإداريين في أغلب أرجاء الملعب، حيث استمر الشغب والعراك المشترك عدة دقائق، لتنقل سيارة الإسعاف إصابتين على الأقل لمستشفى الشفاء بغزة.

وقد سبقها بأيام، انتهاء المباراة التي جمعت بين الصداقة وخدمات الشاطئ نهاية غير طبيعية، عقب نقل الحكم المساعد خالد بدير إلى المشفى، نتيجة إصابته في ظهره بفعل مقذوف ألعاب نارية تم إلقائه من مدرجات المشجعين.

خطر مواقع التواصل

وتعلو أصوات المهتمين بالشأن الرياضي الفلسطيني، للتحذير من عواقب التأجيج والشغب في الملاعب على النسيج الاجتماعي، علماً أن قطاع غزة يضم 56 نادياً حالياً، بواقع 12 في الدرجة الممتازة والأولى، و7 في الثانية فرع "غزة والشمال" و9 في فرع "الوسطى والجنوب"، و7 في الثالثة فرع "غزة والشمال" و"الوسطى والجنوب".

وحول ذلك يقول علاء شمالي المتخصص في الإعلام الرياضي لـ "زوايا" أنه لا يكاد يمر يوم أو ساعة أو حتى لحظة دون أن تشاهد صراعات مواقع التواصل الاجتماعي بين الجماهير والصفحات في النشر والتعليق، وهو ما يساهم في شحن وتأجيج النفوق وفقد السيطرة على أي تصرف يحدث على المدرجات.

ويرى شمالي أنه لا يقف الأمر عند الجماهير فقط، بل يشارك في صراعات "السوشيال ميديا" الكثير من الكوادر وأعضاء الإدارات وغالبية اللاعبين الذين يدخلون في نقاشات لا تؤدي إلا إلى مزيد من الكره والغضب الذي ينعكس على التصرفات في المباريات.

اقرأ ايضاً: جرحى غزة.. إصابات لم تندمل وحقوق ضائعة

ولفت شمالي إلى أنه سبق وأن انطلقت كثير من المبادرات لتخفيف حدة شغب الجماهير وتوسيع ثقافة تقبل الغير والمنافسة الشريفة وتقبل الخسارة قبل الفوز، دون أن يكون ذلك محركاً إيجابياً لتخفيف أو وقف الشغب الجماهيري في الملاعب.

وكان شمالي قد حذر في تغريدة له على حسابه الشخصي فيس بوك قائلاً "بأن الأحداث المؤسفة وحالات الشغب في ملاعب غزة، استمرار لمسلسل المهازل لن تنتهي إلا بكارثة، وسط غياب العقلاء على كل المستويات واللاعبون سبب رئيسي في إشعال شغب الجماهير".

WhatsApp Image 2022-03-28 at 11.48.59 AM.jpeg

وعادةً ما تتوعد روابط المشجعين للأندية بعضها البعض على مواقع التواصل وخاصة "فيس بوك"، حيث يسود في معظمها الاتهامات وكيل الشتائم التي تؤجج المشاعر، الأمر الذي يمكن أن يتطور إلى خلافات عائلية ومناطقية، علماً أن "زوايا" رصدت بعضاً من هذه المنشورات التحريضية.

WhatsApp Image 2022-03-28 at 11.49.01 AM.jpeg


 

WhatsApp Image 2022-03-28 at 11.49.00 AM.jpeg

WhatsApp Image 2022-03-28 at 12.34.05 PM.jpeg

أين عقوبات الرادعة؟

من ناحيته، يؤكد الناشط الرياضي مؤمن الكحلوت، أن النشر عبر مواقع التواصل من أخطر الأشياء التي يقوم بها من أسماهم "المشجعين المشاغبين"، عاداً أن هذا النوع من الجمهور لا يتمتع بالوعي، وخاصة أن أغلبهم من الأطفال وغير المتعلمين.

وقال: "في الوقت الذي يجب فيه فرض عقوبات صارمة على الأندية، فإنه يجب مراقبة الجمهور وعدم السماح لهم بالهتافات المسيئة، بما في ذلك فرض عقوبات رادعة على المشاغبين، وبالمقابل منح حوافز للجمهور الملتزم، وعمل ورشات دائمة، وتشجيع الزيارات بين روابط الجماهير".

اقرأ أيضاً: "المحكمة الإدارية العليا"..تهيئة لحكم سياسي "شُمولي" ؟

وأضاف "امن الممكن أن يؤدي الشغب إلى زيادة التفسخ الاجتماعي، وأن تكبر المشاكل بين العائلات، وعليه يجب ضبطها مبكراً (..) من الممكن أن تصل الأمور لحد وفاة أشخاص بسبب التعصب، ولذلك يجب وقوف الكل عند مسئولياتهم".

ورغم أن الكحلوت يرى أن التعصب الرياضي، موجود على المستوى العربي والعالمي، وليس جديد لدينا، ولكن زاد لدينا وتغلغل بسبب زيادة الفراغ لدى الأشخاص، فضلاً عن قلة وضعف الردع من الجهات المنظمة للعبة.

وحول الأسباب الحقيقة التي أوصلت الجمهور الرياضي إلى حد خلق جبهات صراع وتهديدات مناطقية على مواقع التواصل إلى جانب أعمال الشغب في الملاعب، فقد أرجع ذلك المحلل الرياضي فادي حجازي، إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي قال إنها لعبت دوراً سلبياً في ذلك من خلال الحسابات الوهمية التي تهدف لتعزيز التفرقة والمناطقية بين المشجعين.

وأشار حجازي في حديثه لـ "زوايا" أنه إلى جانب ما سبق، توجد فئة معينة هدفها التخريب في العلاقات وقطع النسيج الاجتماعي، ناهيك عن التعصب الأعمى لفريق على حساب آخر دون أن يكون مراعاة للأخلاق الرياضية وخلافها، مؤكداً أن الأمر أصبح غير صحي، حيث انعكس الشغب بالسلب على العلاقات الاجتماعية خاصة مع حالة التراشق اللفظي عبر منصات التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص.

ويرى حجازي أن دور الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، يندرج تحت إطار التعامل بحكمة مع هذا الأمر من جهة، والضرب بيد من حديد تجاه مفتعلي الشغب، إذ يجب عليه فرض عقوبات رادعة على الأندية التي تمارس جماهيرها الشغب بالملاعب.

كما شدد على أنه يجب على الاتحاد الرياضي، تفعيل الغرامات المالية، رغم الأزمة المالية القاهرة التي يمر بها قطاع غزة، ما سينعكس بالإيجاب على الشغب، إذ سيصبح كل نادٍ مضطر للتعامل مع جماهيره بحزم ضد أي محاولة تخريب، ناهيك على أن الاتحاد بإمكانه معاقبة الجمهور وحرمانه من متابعة المباريات عبر إقامتها بدونهم.

اتهامات للاتحاد بالتقصير

وكثيراً ما يتم تحميل اتحاد الكرة الفلسطيني المسؤولية عن بعض الأحداث المؤسفة في الملاعب، حيث يتم نسب ذلك بشكل مباشر إلى تنظيمه السيء للمنافسات الرياضية المختلفة وعدم قدرته على اختيار طواقم التحكيم بعناية، أو ربما اتهامه بالمحاباة والتمييز بين الأندية أثناء فرض العقوبات.

وفي السياق، فقد وجه مقدم البرامج الرياضية في "قناة الكوفية" رسالة إلى الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم عبر حسابه الشخصي على فيس بوك قال فيها "عزيزي اتحاد كرة القدم، هناك خلل لا بد من تداركه وإلا ستفقد هيبتك وشخصيتك، فقط عليك تطبيق اللوائح دون البحث عن إرضاء أو إغضاب أحد".

WhatsApp Image 2022-03-28 at 11.48.59 AM (1).jpeg

بدوره، عبر مصطفى صيام أمين عام الاتحاد الفلسطيني للإعلام الرياضي، عن اعتقاده بأن التعصب المناطقي أحد الأسباب الرئيسية لظاهرة شغب الملاعب التي ازدادت بشكل كبير في ملاعب غزة والتي تغذيها للأسف روابط مشجعي الأندية دون الاكتراث للنتائج الخطيرة التي قد تحدث بفعل تلك الممارسات وتهدد السلم الأهلي والمجتمعي.

ويرى صيام في حديث لـ "زوايا" أن غياب دور مجالس إدارات الأندية في التوعية لجماهيرها يعزز من تلك الظاهرة وانخراط البعض منهم في دعم تلك الظواهر انعكس بالسلب على علاقة مجالس الإدارات التي باتت لا يهمها سوى مصالحها الخاصة دون الاكتراث للنتائج الخطيرة التي قد تهدد النسيج الاجتماعي.

كما اعتبر أن غياب دور الإعلام عن التوعية والتوجيه يزيد من حالات التعصب وظاهرة الشغب، عاداً أن الإعلام يكون في بعض الأحيان سبب رئيسي في ازديادها، خاصة وأن بعض الإعلاميين المنتمين للأندية يسخرون صفحاتهم ومقالاتهم لإثارة النعرة المناطقية من أجل مصلحة ناديه على حساب الدور الحقيقي للإعلام.

وحول الدور المنوط بالاتحاد الرياضي لعدم التأجيج وما هي الاجراءات اللازمة للضبط، فقد ذكر صيام أن اتحاد الكرة بصفته المسؤول عن لعبة كرة القدم يعمل جاهداً على تخفيف ظاهرة الشغب من خلال إيقاع أقصى العقوبات بحق الأندية والجماهير وتكثيف جلسات الحوار والنقاش مع مجالس إدارات الأندية وروابط المشجعين لتحمل المسؤولية الملقاة عليهم، والتي قد تنجح في فترات معينة.

وأستدرك قائلاً "إلا أن تلك المحاولات تصطدم بحالة التعصب الأعمى وتفشل كل محاولات تعزيز التنافس الشريف وتقبل الخسارة وتقبل ثقافة أن كرة القدم لعبة تنافسية قائمة على الاحترام والتقدير"، مشدداً على أن اتحاد الكرة يعمل على تصدير العقوبات بشكل أسبوعي على الأندية والتي للأسف في أغلبها تقع على اللاعبين والمدربين والإداريين مثيري المشاكل داخل الملاعب والتي بدورها تثير الجماهير وتزيد من حالة الاحتقان.

 ضوابط وحلول

وعن انعكاس مثل هذه الأحداث الرياضية على النسيج الاجتماعي.. وما الحلول؟، فلم ينكر صيام أن ما يحدث في ملاعب كرة القدم الغزية ينذر بكارثة محتومة، والتي وصلت لحالة من العدائية الكبيرة باستخدام أدوات خشنة والهتاف بشكل جماعي بألفاظ خارجة عن عاداتنا وتقاليدنا.

وشدد صيام على أن الأمر يتطلب وقفة جادة من الجميع قبل الوقوع في الكارثة والتي تنطلي بالدرجة الأساسية على المؤسسة الأمنية بضرورة تشديد إجراءاتها بحق مثيرى الشغب، وكذلك مجالس إدارات الأندية وضرورة حث الجماهير للتشجيع المثالي، وإطلاق حملة إعلامية لتوعية وتثقيف الجماهير، ومعاقبة أفراد منظومة كرة القدم مفتعلي المشاكل بأقصى عقوبات ليكونوا عبرة لغيرهم، معرباً عن اعتقاده أن التصدي لتلك الظاهرة باتت مسؤولية وطنية تحتم على مؤسسات المجتمع المدني والرسمي للمشاركة في ذلك.

وإلى جانب إجراءات اتحاد الكرة للحد من الشغب في الملاعب، فإن الدور الأكبر يكون على الشرطة الفلسطينية في تأمين وضبط ومنع الشغب في الملاعب، حيث يؤكد المتحدث باسم الشرطة أيمن البطنيجي في تصريح لـ "زوايا" أن مئات من عناصر حفظ النظام والتدخل يتم توزيعهم على الملاعب المختلفة التي تجري فيها المنافسات الرياضية، منوهاً إلى أنه ربما على مدار الأسبوع يتواجد عناصر الشرطة لتأمين المنافسات الرياضية في ارجاء القطاع.

ومن وجهة نظر البطنيجي، فإن التعصب الرياضي يجب أن لا يخرج عن المألوف والمعهود في التشجيع، أن لا ينزلق إلى الشحناء والتحريض على مواقع التواصل الاجتماعي والشغب في الملاعب وتفكيك النسيج الاجتماعي الفلسطيني.

وعبر البطنيجي عن اعتقاده، بأن الظروف الاقتصادية الصعبة في القطاع، ربما تكون أحد عوامل التفريغ النفسي الذي تنعكس على تصرفات الجمهور الرياضي في الكثير من الملاعب، مؤكداً أن دورهم في الضبط والتأمين يشمل احتجاز من يتجاوزون القانون يورتكبون أعمال الشغب والعنف

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo