"إسرائيل" والحرب الروسية الأوكرانية..السير على الحافة

بينيت وبوتين
بينيت وبوتين

(1) الحياد الصعب

على اثر اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية، بدأت العديد من الدول تقيم مواقفها من خلال المصالح التي تربطها بروسيا او بالحلف الغربي, وبدا وكأنها تسير في حقل من الالغام، ومن أبرز هذه الدول تركيا والصين، بالإضافة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي.

لقد وضعت هذه الحرب بعض الدول في موقف حساس جدا الزمها ان تلتزم جانب الحذر الى جانب كبير وتعطي الاولوية لمصالحها السياسية والاقتصادية ", غير أن دولة الاحتلال التي تعتبر نفسها جزءاً من الغرب والعالم الحر الديموقراطي، ومجبرة أن تكون في صف حليفتها الولايات المتحدة وحلف الناتو، مع أنها ليست عضوة فيه, لم تستطع التهرب من حقيقة انه تربطها بروسيا علاقات سياسية واقتصادية وامنية لا تستطيع التخلي عنها او الاخلال بها.

لقد وصف كثير من المراقبين والمحللين الموقف الإسرائيلي الرسمي ” من الحرب الروسية على أوكرانيا بالموقف المرتبك المتردد،غير أن قيادة الجيش والمؤسسة الامنية أوصت بضرورة اتباع سياسة “الحياد” تجاه الحرب الروسية ضد أوكرانيا، معتبرين أن ما قامت به حكومة رئيس الوزراء بينيت ” بأنها “متوازنة ومسؤولة وواقعية إزاء تحديات الجيش”, وقالوا إنه بالرغم من أن الولايات المتحدة هي الحليف الأكبر لإسرائيل، لكن الروس يتواجدون عند الحدود، وأن الحرب مع إيران في الأراضي السورية لم تتوقف. ويرون أن سياسة اسرائيل “صحيحة حتى الآن”.

وقد لخص مسئول اسرائيلي رفيع موقف اسرائيل من الحرب بقوله للاعلام العبري: "إذا نظرت إسرائيل إلى الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا كصراع ثنائي وفقط، فإنها حتماً ستنحاز لروسيا، ولكن إذا كان على إسرائيل أن تختار بين روسيا والولايات المتحدة فإن إسرائيل ستنحاز حتماً للولايات المتحدة".

لقد حاولت حكومة الاحتلال قبيل اندلاع الحرب الابتعاد عن أي مواقف تظهر تأييدها او معارضتها لأي من الجانبين الروسي او الغربي، محاولةً إمساك العصا من المنتصف لكن مع تصاعد أحداث الحرب وارتفاع سخونتها، فقدت تل أبيب قدراتها على المناورة واضطرت لإعلان دعمها لوحدة أوكرانيا في بيان رسمي معربةً عن قلقها بشأن التوغل الروسي في شرق أوكرانيا. وكما كان متوقعا، لم يتأخر الرد الروسي على هذا الإعلان الإسرائيلي، حيث ردت موسكو رسميا بانها ترفض احتلال الاراضي الفلسطينية وترفض ضم إسرائيل هضبة الجولان.

(2) إسرائيل وروسيا.. تحالف استراتيجي

ترتبط إسرائيل بكثير من المصالح السياسية والاقتصادية والامنية مع روسيا والتي تشكل لها ركنا حيويا في حماية مصالحها في منطقة الشرق الاوسط . ويقف على رأس هذه المصالح ضبط الحدود مع سوريا ومنع اعداء اسرائيل من الاضرار بها. بعد تدخل روسيا العسكري في سوريا ونجاحها في تمكين بشار الأسد من استعادة سيطرته على مناطق واسعة ، تعمقت العلاقات الإسرائيلية- الروسية بشكل كبير وتم الاتفاق على ترتيبات أمنية بين الطرفين، وقدمت روسيا لإسرائيل تطمينات بعدم السماح لأي جهة باستخدام الأراضي السورية ضد تل أبيب.

اقرأ أيضاً: كتاب وباحثون: الموقف الفلسطيني تجاه الأزمة الأوكرانية بحاجة للحذر

الطائرات الحربية الاسرائيلية لا تتوقف عن قصف مناطق النفوذ الإيراني في سوريا , والتي بلغت 27 هجوماً خلال العام الماضي , وذلك بعلم وتنسيق مع القوات الروسية المتواجد في سوريا. ولأن إسرائيل تريد الحفاظ على التفاهمات التي تجمعها مع روسيا في سوريا، فهى تخشى من أن يؤدي وقوفها ضد روسيا إلى تغيير سياساتها نحو تقييد الأعمال العسكرية الإسرائيلية المستمرة ضد إيران وحزب الله في سوريا.

كما تخشى اسرائيل ان تتسبب الحرب في صرف أنظار العالم عن الملف النووي الايراني الذي يشكل لها تهديدا استراتيجيا ما انفكت اسرائيل طوال سنوات عن اقناع دول العالم بوقفه ، كما ان الحرب قد تمنح ايران فرصة كبيرة الحصول على اتفاق لصالحها في تطوير برنامجها النووي دون إزعاج من الدول الغربية المنشغلة بالحرب القائمة.

وحتى رغم معارضة إسرائيل للاتفاق النووي الذي وقع مع الدول الغربية، وشعورها بخيبة الأمل من التنازلات التي قدمت لإيران، إلا أنها حرصت على تطوير علاقتها بروسيا خشية تزايد التعاون بينها وبين إيران خاصة في المجال النووي. ويقول عدد من الخبراء الإسرائيليين في المؤسسات الأمنية أنه من الصعب التنبؤ بالسلوك الروسي تجاه اسرائيل مستقبلا وأن عليها أن تتحسب لأزمة أكبر في علاقتها بروسيا، خاصة وأنها لن تستطيع الوقوف على الحياد إذا ما قرر البيت الابيض زيادة العقوبات المفروضة على روسيا، والتي قد تصل إلى إخراج الأخيرة من النظام المالي الدولي ومطالبة حلفائها بقطع التعاملات المالية والاقتصادية معها.

(3) إسرائيل واوكرانيا

ينظر الرئيس الاوكراني زينيلسكي (يهودي الديانة) إلى اسرائيل كقوة مؤثرة في منطقة الشرق الاوسط وحليفة قوبة للولايات المتحدة وقادرة على التأثير عليها فضلا عن علاقتها الجيدة بموسكو، بما يمكّنها من القيام بدور مهم مع الطرفين لوساطة خلف الكواليس.

ان وجود جالية يهودية في اوكرانيا وذات نفوذ سياسي واقتصادي وذات علاقة قوية بدائرة صنع القرار في تل ابيب وكذا الاحزاب والمنظمات الصهيونية , يضمن ان تظل العلاقة بين تل ابيب وكييف قوية وراسخة, حيث الطاقم اليهودي المعاون للرئيس الاوكراني في تعميق هذه العلاقة وترسيخها.

وقد ازدادت العلاقة متانة في الفترة الاخيرة بين اسرائيل واوكرانيا وتعمقت في مجالات لدرجة أن أوكرانيا اعترفت في العام 2020 بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل"، وفتحت مكتباً للسّفارة فيها, كما جرى توقيع كثير من الاتفاقيات بين الطرفين خاصة في المجالات الامنية والعسكرية والاقتصادية, وقد برز أثر هذه العلاقة في اكثر من مناسبة , من بينها دعم الرئيس الاوكراني في حربها ضد قطاع غزة عام 2021 وموافقة اوكرانيا على تسليم ضرار السيسي مدير محطة كهرباء غزة لإسرائيل عام 2011 بعد ان اتهمته اسرائيل بأنه يعمل لصالح حركة حماس وحكم عليه بالسجن لمدة 21 عاما.

وخلال الحرب الروسية على اوكرانيا , وعلى الرغم من ادانة اسرائيل لروسيا , توقعت كييف من تل ابيب ان تقوم بدعمها عسكريا غير ان اسرائيل خيبت املها ورفضت تسليمها القبة الحديدية وكذلك صواريخ متطورة مضادة للطائرات.

اقرأ أيضاً: تعرف على انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية على فلسطين

وفي مناسبات سابقة خاصة في العام 2014 رفضت اسرائيل ادانة موسكو بعد ان ضمت جزيرة شبه القرم اليها, ومع ذلك فان الرئيس الاوكراني يفخر بعلاقته مع اسرائيل ويشيد بها في كل المناسبات. وقد قام زيلينسكي بإعطاء عدد من اليهود امتيازات واسعة في قطاعات اقتصادية مهمة كالتجارة الداخلية والخارجية، وخصوصاً المعادن والقمح، بالإضافة إلى المصارف والمصانع الحربية التي ورثتها أوكرانيا من الاتحاد السوفياتي, وجرت الكثير من الزيارات المتبادلة بين الطرفين.

(4) بعد الحرب معادلات مختلفة

ان الحرب الروسية على اوكرانيا ربما تخلق توازنات مختلفة وتعزز من قوة وحضور موسكو في السياسات الدولية , وقد عبر بوتين عن رغبته هذه في اكثر من تصريح له بأن روسيا لن تبقى تابعة للغرب او لاهثة وراءه , فضلا عن رفضه للسياسات الغربية التي اعتبرها تدميرية خاصة في العراق وليبيا ودول اخرى, ويرى ان روسيا تستطيع ان تلعب دورا إيجابيا يكبح جموح الغرب للسيطرة .

اسرائيل التي تعمل بقوة على الا تخسر كلا من روسيا واوكرانيا وفي نفس الوقت تحتفظ لنفسها بموقع (الابن المدلل) في الغرب تريد الا تضيع في زحمة تغير معادلة توازن القوى بين الغرب وموسكو وتسعى الى الاحتفاظ بعلاقة متوازنة مع جميع الاطراف والحفاظ على مصالحها , غير ان هذه السياسة قد لا تدوم كثيرا في حال تعقدت الامور أكثر, خصوصا اذا وصلت الى درجة المواجهة العسكرية بين حلف الاطلسي وموسكو, او في حال شدد الغرب على فرض العقوبات على روسيا, حينها ستضطر اسرائيل الى الخروج من الدائرة الرمادية وتحديد موقفها بشكل واضح.

قد لا يستطيع المرء التنبؤ بتغيرات المستقبل لكنه هناك الكثير من الاشارات التي تقول بأن اسرائيل لم تعد بذات الاهمية الاستراتيجية في الشرق الاوسط أو انها الجبهة المتقدمة للغرب والحامي لمصالحه, مما يشي باحتمال حدوث تغيرات جوهرية على جبهة توازن القوى وعلى جبهة الساحة الاقليمية والدولية.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo