تعرف على انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية على فلسطين

الحرب الروسية الأوكرانية
الحرب الروسية الأوكرانية

في الوقت الذي يتابع فيه العالم أجمع العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا على مدار الساعة منذ اندلاعها في 24 فبراير الماضي، وقراءة انعكاسها على النظام العالمي، خاصة أن هذه الحرب قد تؤدي إلى ولادة عالم جديد متعدد الأقطاب بدلاً من عالم القطب الواحد الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية.

ويرى مراقبون فلسطينيون أن تلك الأزمة ستنعكس على القضية الفلسطينية سلباً أو إيجاباً، خاصة أن "إسرائيل" ستعمل على الاستفادة منها لصالحها في ظل انشغال العالم بالأزمة، وفي ظل الوضع العربي الضعيف كما وصفه الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيظ سابقاً.

حروب أوروبا أضرت بفلسطين تاريخياً

الكاتب الصحفي باسم برهوم، رأى أن التاريخ علمنا أن كل أزمات وحروب أوروبا، خاصة منذ نهاية القرن التاسع عشر، قد أثرت عميقا على فلسطين والشعب الفلسطيني، فالمهاجرون اليهود الأوائل جاءوا من روسيا نتيجة الاضطهاد والمذابح التي لحقت بهم هناك، ثم جاءت الحرب العالمية الأولى وما نجم عنها من اتفاقية سايكس - بيكو، وهي الاتفاقية التي تقاسمت خلالها كل من بريطانيا وفرنسا الوطن العربي، بالإضافة إلى تصريح بلفور، وأخيرا هجرة مئات آلاف اليهود نتيجة الاضطهاد والمحرقة النازية "الهولوكوست" قبيل وخلال الحرب العالمية الثانية، ما أدى إلى إنشاء "إسرائيل" واختفاء فلسطين عن الخارطة وتشريد أهلها.

وقال برهوم في مقال له، تحت عنوان "انعكاسات الأزمة الأوكرانية على القضية الفلسطينية"، نشرته صحيفة الحياة الجديدة، أنه منذ نشوب الأزمة الروسية الأوكرانية وقبيل شروع الرئيس فلاديمير بوتين بالعملية في 24 فبرير، تجري تل أبيب تحضيرات لاستقبال عشرات آلاف اليهود من أوكرانيا، وإذا ما توسعت الحرب أكثر فسيكون هناك المزيد من المهاجرين اليهود، حيث يتواجد نحو 50 ألف يهودي في أوكرانيا، وقد تلجأ "إسرائيل" إلى خطة "دالت" جديدة للتطهير العرقي وتهجير جزء من الشعب الفلسطيني.

وأضاف، أن الهجرة اليهودية الجديدة ليست التهديد الوحيد للفلسطينيين، فإن "إسرائيل" قد تستغل الأزمة لتغيير الواقع على الأرض، خاصة في القدس، والمسجد الأقصى، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، وربما في داخل الخط الأخضر.

وأشار إلى أنه وانطلاقاً من الخبرة التاريخية فإن كل أزمة تندلع في أوروبا بحجم الأزمة الأوكرانية من شأنها تحويل الأنظار والانتباه عن الشرق الأوسط وما فيه من صراعات وأزمات وفي مقدمة ذلك القضية الفلسطينية، والصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. فإن العالم ليس منشغلا بكل ما يجري في الشرق الأوسط من تطورات وأحداث؛ لأن الأزمة الأوكرانية قد تتحول إلى حرب إقليمية أوروبية كبرى أو حتى إلى حرب عالمية مدمرة ..!

وعبر برهوم عن مخاوفه من الصفقات التي قد تحصل في سياق هذه الأزمة، صفقات تبادل نفوذ ومصالح، جزء منها قد يشمل المنطقة العربية وقد ينعكس على القضية الفلسطينية سلبا أو إيجابا، لأن أي صفقة لن تنحصر في أوروبا وإنما قد تمتد إلى الشرق الأوسط بخصوص سوريا وإيران والوضع في ليبيا واليمن على وجه التحديد، خصوصاً أن الاتحاد السوفييتي كانت له اليد الطولى في معظم هذه البلدان.

اقرأ أيضاً: تنديد حقوقي بتعديلات رئاسية جديدة تمس القضاء الفلسطيني

ولفت إلى أن المشكلة في هذه الأزمة هو أن الأمة العربية مفككة، وقدرة العرب على الاستثمار في أي أزمة هي أمر بعيد الاحتمال في المدى المنظور، وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى ما قاله أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط إن الأمة العربية تمر في مرحلة خطرة ومعقدة. أما الوضع الفلسطيني فهو ليس بأفضل حالا في واقع وجود الانقسام، الذي بات متأصلا وأصبح من غير السهل إنهاؤه ...!!!

وأشار برهوم إلى أن الخبرة التاريخية علمتنا أن الصهيونية العالمية قادرة على اللعب على حبال الأزمات وتعرف كيف تستفيد منها لأكبر قدر. و"إسرائيل" والصهيونية اليوم على أهبة الاستعداد للعب أدوار أكبر في الأزمات، كما أن "إسرائيل" أصبحت من أكثر الدول تطورا في تكنولوجيا التجسس، وحتى العسكرية بشكل عام. الأمر الذي يفرض علينا أن نغير من قواعد عملنا وأن يكون هدفنا رص الصفوف والبحث عن حلفاء نشكل نحن وهم حالة وازنة تصمد أمام الأزمات والحروب الكبيرة.

فرض وقائع إسرائيلية على الأرض

في السياق ذاته، يرى الكاتب والمحلل السياسي أحمد رفيق عوض، أن هناك انعكاسات مباشرة للأزمة الروسية الأوكرانية على القضية الفلسطينية، أبرزها غياب الحديث عن تسوية سياسية حقيقية، لأن اللجنة الرباعية الدولية لم تنعقد وإذا انعقدت ستكون فيها خلافات كبيرة جداً بين الأطراف.

ويقول عوض في حديث لموقع "زوايا" :"إن توسع دائرة الحرب سينعكس على طبيعة علاقة "إسرائيل" بالفلسطينيين حيث ستكون أكثر إنكارا للحقوق الفلسطينية، نظراً لغياب القانون الدولي ومجلس الأمن الدولي، وستعمل على استغلال انتباه العالم للأزمة الروسية الأوكرانية بترتيب أوضاعها أمنياً وبالقوة، بتجريد الفلسطينيين من منطقة الاغوار ومناطق "ج" والقدس، لأن القانون الدولي سيفقد دوره و"إسرائيل" سوف تستغل ذلك تماماً في حالة انتصر المحور الأمريكي على الروسي؛ مستدركاً أنه في حال ضعفت أمريكا أو محورها فيمكن أن يدفع الوضع في هذه الحالة إلى أن تحاول "إسرائيل" لعمل تسوية مع الفلسطينيين والعالم العربي.

فلسطين ستتأثر اقتصاديا وسياسياً

من جهته توقع المحلل السياسي هيثم ضراغمة بأن انعكاسات الحرب تحمل جانبين أحدهما اقتصادي والآخر سياسي، حيث سينصب الاهتمام الدولي على قضايا أخرى بعيداً عن العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي وممارساته ضد الشعب الفلسطيني والتي تقوم بها حكومة الاحتلال.

وأوضح أن المستوى الاقتصادي سيتأثر في فلسطين كباقي دول العالم، وستنشأ أزمة قد ينتج عنها تذبذب في أسعار العملات وارتفاع في الأسعار والسلع وغيرها. أما على المستوى السياسي فإن إسرائيل" حاولت في الفترة الأخير جعل القضية الفلسطينية ليس على أولويات معظم قيادات دول العالم ونجحت إلى حد ما، ومعروف أن اللقاءات الإسرائيلية الامريكية الأخيرة لم تتناول حتى على الهامش القضية الفلسطينية، وكانت تصب اهتمامها على ملفات أخرى مثل إيران وغيرها.

وتابع ضراغمة بأن هناك استغلال من قبل "إسرائيل" لهذه الازمة ومعروف أن الإسرائيليين يحاولون استغلال أي ظرف والان قاموا بالعمل على استقطاب أعداد كبيرة من اليهود في أوكرانيا، وهذا أمر له مغزى سياسي وديموغرافي في وقت يسعون للتفوق الديموغرافي على الفلسطينيين.

ويرى ضراغمة بأن كل القضايا سوف تنصب في مصلحة الاحتلال على كافة المستويات خاصة تجنب دول العالم تناول ممارسات الاحتلال من قتل وتدمير وسرقة الأراضي وسيسابقون الزمن في تحقيق أهدافهم في القمع وسرقة الأرض والتهجير للبعض من القدس والقرى المتواجدة في الاغوار.

فلسطين المستفيدة من النظام العالمي الجديد

فيما رأى الكاتب والمحلل السياسي عبد المجيد سويلم، أن هذه الأزمة مهمة للقضية الفلسطينية، نظراً لأنها ستفرز عالم متعدد الأطراف، موضحاً أن الحرب ستكون هي مفتاح على مستوى الأمن العالمي والأوروبي وسترسم مسألة أنه لا يجوز لأحد أن يلعب بالأمن القومي لدولة على هذا القدر من التاريخ والقدرات.

وتابع، أن روسيا ستدعم نفسها في القطبية الدولية وبهذه الطريقة تضع الأمور في نصابها، وبهذه الطريقة ستحمي أمنها القومي وهذا يعني أن عالم القطبية الأحادية والتفرد الذي تقوده الولايات المتحدة يبدو أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة.

ولم يتفق سويلم مع نظرية أن الحرب ستأتي سلباً على القضية الفلسطينية من منطلق أن الهيمنة الأمريكية المطلقة شارفت على الانتهاء، وأن القضية الفلسطينية شأنها شان كل قضايا التحرر والتقدم الاجتماعي في العالم سوف تستند من اليوم فصاعدا إلى عالم متعدد القطبية على الأقل سيكون لدينا أربعة أقطاب هي أوروبا أمريكا وأوروبا الشرقية، وروسيا والصين.

وأعرب سويلم عن اعتقاده، أن القضية الفلسطينية ستربح من النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب رغم أن هناك حديث عن هجرة اليهود من أوكرانيا إلى فلسطين؛ ولكن هذا لن يكون بمثابة شيء استراتيجي يمكن أن يؤثر على القضية الفلسطينية.

وفي ظل اعتقاد الغالبية بأن القضية الفلسطينية ستتأثر سلباً بالأزمة الروسية الأوكرانية، واستغلالها من قبل الاحتلال الإسرائيلي لفرض وقائع جديدة على الأرض، فإن المطلوب فلسطينياً هو وضع السيناريوهات لقطع الطريق أمامها خاصة أن العالم منشغل بعيداً عن المنطقة العربية.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo