تنديد حقوقي بتعديلات رئاسية جديدة تمس القضاء الفلسطيني

محمود عباس
محمود عباس

أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 26 يناير الماضي أربعة قرارات بقانون تناولت تعديل القوانين الإجرائية أمام القضاء الفلسطيني، شملت تعديل قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية، وقانون الإجراءات الجزائية، وقانون البينات في المواد المدنية والتجارية، وقرار بقانون تشكيل المحاكم النظامية.

وعللت الرئاسة تلك التعديلات في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية "وفا"، بأنها تهدف لـ"تسريع إدارة الدعوى والبت فيها، واستخدام التكنولوجيا والتقنيات الحديثة لتقصير أمد التقاضي، الأمر الذي سينعكس إيجابًا على جودة العمل القضائي في المستقبل القريب عند نفاذ أحكام هذه التعديلات بعد نشرها في الجريدة الرسمية".

التعديلات أثارت اعتراضات وتحفظات من قبل مؤسسات حقوقية ونقابة المحامين وجمهور المحامين، باعتبارها تمس إجراءات المحاكمة العادلة.

 


 

"شاهد زور"

وقال المحامي مهند كراجة مدير مجموعة "محامون من أجل العادلة"، إذا تم إقرار هذه التعديلات على قانون الإجراءات الجزائية سوف اعتزل الدفاع عن القضايا الحقوقية لأني سوف اصبح شاهد زور، كونها تمس إجراءات المحاكمة العادلة".

وأوضح كراجة في حديثه لـ"زوايا"، أن في غالبية حالات الاعتقال السياسي يتعرض المعتقلون للتعذيب والانتهاكات، وبحسب التعديلات الجديدة، فإنه في حال كانت هناك قوة قاهرة، فإنه يجوز تمديد توقيف الشخص، بدون حضوره أمام النيابة أو المحكمة، أي أنه قد يكون قد تعرض للتعذيب، بالتالي لا يستطيع المحامي الاطلاع على حالته وتسجيل الانتهاك بحقه.

وأشار إلى أن حالة الطوارئ أو مرض الموقوف أو إضرابه عن الطعام أو تعرضه للتعذيب، يعتبر جزءا من القوة القاهرة التي تمنع مثوله أمام النيابة العامة أو المحكمة، وفق توصيف التعديل الجديد.

ملاحظات على التعديلات

ومن ضمن الملاحظات على التعديلات الجديدة على قانون الإجراءات الجزائية، قال كراجة إن الاستئناف على قرارات المحاكم ينظر له تدقيقا وليس مرافعة، بالتالي يحرم المحامي من تقديم بيناته أمام محكمة الاستئناف، كما أن حكم الاستئناف يعتبر نهائيا ولا يمكن الذهاب لمحكمة النقد بعدها.

وأبدى كراجة اعتراضه على اعتماد المواد المرئية والمسموعة في الإدانة، بمعنى أن شخصا يمكنه إنشاء حساب على موقع فيسبوك باسم شخص آخر، وينشر من خلاله مواد تشهير بآخرين، بالتالي هذه التعديلات تدين الشخص الذي باسمه الحساب وليس من انتحل الشخصية، مما يسمح بملاحقة الصحفيين والنشطاء ويقيّد عملهم.

وأضاف: "كما أن التعديلات الجديدة لا تحاسب عناصر الضابطة القضائية "رجال امن، موظفي دولة مدنيين" على أي جناية او جنحة يرتكبونها خلال تأديتهم مهامهم الا بإذن من النائب العام، فمثلا اذا تم تعذيب شخص وتوفي تحت التعذيب، يصبح الأشخاص الذين قاموا بالتعذيب خارج المحاسبة القانونية، إلا بأمر من النائب العام، وهنا قد لا يصدر النائب العام أمرا بالتحقيق في ذلك، بالتالي لا يمكن محاسبتهم.

وأشار إلى أن الكثير من المصطلحات في التعديلات الجديدة " فضفاضة"، وتعطي القاضي صلاحيات واسعة لا تضعه عند حدود معينة، فمثلا مجرد اتهام شخص بتجارة المخدرات يستطيع القاضي تمديد توقيفه لسنوات دون إدانته، مما يعني أن "المتهم مدان حتى تثبت براءته، وليس العكس المتهم بريء حتى تثبت إدانته".

ورأى أن "الأصل في التعديلات كان يجب أن تتم بالاتفاق مع أطراف العدالة بهدف تسريع إجراءات التقاضي وتحقيق العدالة الناجزة، لكن تم استغلال هذه التعديلات لدس السم في العسل، وهذا مساس بضمانات المحاكمة العادلة".

نقابة المحامين مُغيّبة

أما نقابة المحامين فأكدت لـ"زوايا" أنها لم تُبلغ بهذه التعديلات، ولم تتم مناقشتها أو الأخذ بملاحظاتها عليها، رغم أنها ركن أساسي من أركان العدالة.

وقال عضو مجلس نقابة المحامين أمجد الشلة، إنه لم تتم استشارة نقابة المحامين في هذه القوانين مثلها مثل سابقتها من القوانين، ولم يأخذ برأيها ولم ترسل لها مسودات القوانين قبل إقرارها، مع أن النقابة هي القضاء الواقف وجزء من قطاع العادلة، وهذه التعديلات تمس جوهر عمل المحامين وهم الأجدر في تقييمها وإبداء الملاحظات عليها.

إحلال قوانين وليس تعديلها

وتابع أن ما يلفت الانتباه أن ما حدث ليس تعديلاً وإنما نسفاً لقوانين وإحلال قوانين جديدة بدلا منها، بمعنى إجراء تعديل على 44 مادة في قانون الإجراءات الجزائية، وتعديل 88 مادة في أصول المحاكمات المدنية، أي أن التعديلات بالعادة تتمحور حول عدة مواد، لكن التعديل بهذا الحجم هو إحلال لمواد ونصوص قانونية جديدة.

وأضاف: "قد يكون 90% من هذه التعديلات جيدة، وقد تكون غير جيدة، لكن السؤال الجوهري في ذلك، هل هي كفيلة بمعالجة كل الازمات التي تمر بها السلطة القضائية؟"

وبشأن الأزمات التي يعاني منها القضاء، قال الشلة: "نعاني من الاختناق القضائي وإطالة أمد التقاضي، ومعالجتها يتطلب إرادة جدية تتمثل في خلق بيئة قضائية مناسبة، وتوفير أعداد كافية من القضاة بما لا يقل عن 80 قاضٍ، بالإضافة الى تعيين كادر وظيفي عامل في دوائر المحاكم المختلفة، مع التأكيد على ضرورة الاستقلال المالي والإداري للسلطة القضائية".

ورأى أن التعديلات لن تساهم في علاج الأزمات القضائية الموجودة، بل إنها سوف تربك القضاة والمحامين، فالقضاة والمحامون باتوا بحاجة للتدريب على هذا العدد الكبير من التعديلات، حتى يتم تنفيذها بالشكل الصحيح.

وكان موقع "زوايا" قد رصد في تقرير سابق ظاهرة "الاختناق القضائي في فلسطين"، وما يصاحبه من تكدس مئات آلاف القضايا للنظر في المحاكم، الأمر الذي يضيّع حقوق المتخاصمين فيها، ويدفع بعضهم للجوء إلى أخذ الحق باليد "العنف" بدل القانون أو الاحتكام للقضاء العشائري.

وحول تعديل المادة من قانون الإجراءات الجزائية التي وردت في القانون التي منحت الموظف العام حصانة من نوع جديد لم يرد في أي قانون من القوانين بأنه لا يجوز تقديم أي شكوى بحق الموظف في حال ارتكابه أي جنحة أو جناية أثناء تأديته واجبه إلا بعد الحصول على إذن خطي من النائب العام أو أحد مساعديه، تساءل الشلة: "ما الغاية والهدف من هذه المادة التي تتناقض مع القانون الأساسي الفلسطيني الذي تؤكد على أن جميع المواطنين متساوون أمام القانون".

أما المادة السادسة من قانون الإجراءات الجزائية المعدل، فقد افترضت الإدانة المسبقة وليس البراءة وهذه مخالفة جسيمة لكل الاتفاقيات الدولية والمعاهدات التي وقعت عليها فلسطين، وفق الشلة.

فرض غرامات على المحامين

بينما فرضت المادة 17 من القانون، جزاءات وغرامات تعسفية بحق المحامي الذي يتغيّب عن جلسة المحكمة، على افتراض أن المحامي يعرقل سير القضاء، حيث رفض الشلة ذلك، قائلا: "نفهم وجود تعمّد لدى بعض المحامين بالتغيب عن الجلسات لكن لا يجوز تعميم ذلك على جمهور المحامين".

وحذّر الشلة، أن هذا التعديل يضع المحامي في مواجهة القاضي، وليس عونا له وللسلطة القضائية في إحقاق الحق وإرساء العدالة، إذ أن تعديل المادة 17 يضع عنق المحامي تحت رحمة المحكمة، وهذا خطير جدا، والأجدر إلغاؤها.

الهيئة المستقلة تخاطب الرئيس

وكانت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم"، خاطبت بداية الشهر الجاري، الرئيس محمود عباس لوقف نشر القرار بقانون () لسنة 2022 بشأن تعديل قانون الإجراءات الجزائية رقم (03) لسنة 2001، المتعلق بتسريع إجراءات التقاضي، وذلك خوفاً من أن تكون على حساب ضمانات المحاكمة العادلة والحق في الدفاع.

وأكدت المخاطبة دعم الهيئة لأي جهود رسمية تستهدف تسريع إجراءات التقاضي وإعمال حق المواطنين في العدالة الناجزة بوصفها أحد حقوق الإنسان، إلا أنها تؤكد على أن تسريع إجراءات التقاضي يجب ألا تكون على حساب ضمانات المحاكمة العادلة والحق في الدفاع، التي يكفلها القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 وتعديلاته، واتفاقيات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الملزمة لدولة فلسطين، لا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب.

كما أكدت على أن أي معالجة لموضوع إجراءات التقاضي يجب أن تخضع للموازنة الدقيقة مع ضمانات الحق في المحاكمة العادلة والحق المقدس في الدفاع.

وأعربت الهيئة عن أملها في أن يوعز الرئيس بوقف نشر القرار بقانون المعدل لقانون الإجراءات الجزائية، حتى يتسنى للهيئة ولجميع الأطراف ذات العلاقة بما فيهم نقابة المحاميين النظاميين من دراسته وإبداء الرأي بشأنه.

وكان محمود عباس، أصدر خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة عدة قرارات بقانون تتعلق بالشأن القضائي، منها قرار بقانون تشكيل محاكم نظامية جديدة، وقرار بقانون انشاء قضاء إداري مستقل على درجتين، والقرار بقانون بتعديل قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002م. وقد سبقها قرارات بقانون حلّ الرئيس من خلالها مجلس القضاء الأعلى، وأخر شكل من خلاله مجلس قضاء الانتقالي.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo