السلطة تريدُ مقاومة شعبية "تحت السيطرة" لتنفيس الضغط؟

محمود عباس
محمود عباس

"مشان الله، برجوكم تعملو مقاومة شعبية سلمية، مشان الله، وينها المقاومة الشعبية السلمية اللي لازم نعملها".. هذه الجملة التي نطق بها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في اجتماع قيادي في رام الله قبل نحو عام، بدت وكأنها محاولة ضمنية من عباس لتبرئة نفسه من مسؤولية عدم تعميم المقاومة الشعبية وتعزيزها في كافة المناطق الفلسطينية، عبر إلقاء الكرة في ملعب الفصائل والشعب.

لكن مراقبين وناشطين بالمقاومة الشعبية، يرون غير ذلك؛ إذ يعتبرون أن السلطة الفلسطينية، بكل أركانها، لا تدعم حقاً المقاومة الشعبية، كما يجب.

"مقاومة شعبية تحت السيطرة"

وقال الناشط بالمقاومة الشعبية خالد منصور- والذي أصيب قبل نحو خمسة أشهر برصاصة احتلالية في ساقه أدت إلى كسره خلال مشاركته في مظاهرة بيت دجن الأسبوعية ضد الإستيطان- إن السلطة الفلسطينية لا تفعل ما يجب وما يكفي لدعم المقاومة الشعبية.

وتابع: "بكل صراحة ووضوح، المقاومة الشعبية التي نتطلع إليها، هي مقاومة تؤلم الإحتلال، وتتصاعد وتتحول إلى انتفاضة شعبية عارمة".. لكن السلطة، حسب خالد منصور، يبدو أنها "تريد مقاومة شعبية تحت السيطرة (Under Control)".

وأكد منصور، في حديث خاص لموقع "زوايا"، أن هناك تناقضاً بين تصريحات السلطة عن تعزيز المقاومة الشعبية، وسلوكها في كثير من القضايا، الذي لا يعزز هذا النهج المقاوِم.

واستدرك منصور، قائلاً إن هذا لا يعني أن هيئة مقاومة الجدار والإستيطان، وهي إحدى مؤسسات منظمة التحرير، لا تفعل شيئاً، مُعرباً عن تقديره لجهودها وجهود نشطاء حركة "فتح"..لكن، ما يُراد هو قيادة وطنية موحدة للمقاومة الشعبية، بموازاة مغادرة مربع أوسلو، ومروراً بالإتفاق على إستراتيجية كفاحية.

وأضاف أن "ما نريده هو إعلان السلطة والأحزاب عن أننا في مرحلة تحرر وطني. وأننا شعب تحت الإحتلال، مهمته الأولى مقاومة الإحتلال".

130 موقع ساخن دون مقاومة شعبية

ووصف الناشط منصور، الذي واظب منذ سنوات على المشاركة بالفعاليات المناهضة للإستيطان والإحتلال في معظم المواقع، المقاومة الشعبية الموجودة، الآن، هي مجرد ردات فعل، وليست عمل مبادر أو هجومي. وأوضح أن "لدينا بعض البؤر الملتهبة مثل بيت دجن وبيتا وكفر قدوم، لكن لدينا 130 موقع ساخن يجب أن تُفعل المقاومة الشعبية فيها".

فالمقاومة الشعبية، بمنظور منصور، تعني ضرورة أن يكون في كل هذه المواقع لجان للدفاع عن الأراضي، إضافة إلى حراسات ليلية ونهارية (نواطير). وبالتالي، من المفترض وجود قيادة وطنية موحدة تساهم في جعل الأرض ملتهبة بكل المواقع.

اقرأ أيضاً: تهديد مقاومة غزة للاحتلال.. مجازفة خطرة أم آخر أوراق الضغط؟

وقال القيادي خالد منصور، لـ "زوايا"، "أننا لازلنا نعتمد على القوات المحمولة، أي استقدام نفس النشطاء للمواقع التي تشهد مواجهات أسبوعية، بالرغم من احترامي لزملائي النشطاء الذين أشاركهم بكل الفعاليات، لكن يجب ألا تكون المقاومة الشعبية عن طريق (قوات محمولة من النشطاء)".. وإنما، أن يكون بكل بؤرة لجنة شعبية ومشاركة شعبية واسعة. وهذا يتطلب موقفا مساندا وداعما من السلطة الفلسطينية، وأيضا تفاعل من قبل كل التنظيمات والفصائل الفلسطينية.

"إسهامات حماس والفصائل في المقاومة الشعبية غير مُرضية"

وبالنسبة للفصائل، وجه منصور انتقاداً شديداً لها، قائلاً إنها "لا يجب أن تتغنى بمشاركتها في تظاهرات اللبن الشرقية أو مسافر يطا"..بيدَ أن منصور، تساءل: "لماذا لا يكون بكل مكان مد جماهيري، وهذا يتطلب تحركاً من التنظيمات الفلسطينية كلها، بما فيها حماس".

وأكد منصور أنه غير راضٍ عن إسهامات حماس بالمقاومة الشعبية وأيضا التنظيمات الأخرى، داعياً إياها بضرورة أن تحشد طاقاتها المادية والبشرية في هذه المعركة. وأضاف: "اذا حشد الجميع، وتوافقوا على أننا في مرحلة تحرر وطني، وأن علينا أن نتقدم للجم الاستيطان والتصدي له، فإن حينها يمكن لنا أن نخطو خطوة جبارة إلى الأمام، ونكون في الطريق الصحيح".

وخلص منصور إلى أنه لا يشعر بأن السلطة تدعم حقاَ المقاومة الشعبية؛ ذلك أنها تريد مقاومة سلمية تحت السيطرة، وليست معممة..مطالباً إياها بأن "تتعظ من التجارب السابقة وأن تعلن أننا بمرحلة تحرر وطني، وعلى القيادة الفلسطينية أن تغير وظائف السلطة، لتصبح الأخيرة رديفة للمقاومة الشعبية وأن نتوجه لتحرير الأرض بدلا من تركيز الجهود على بناء مؤسسات الدولة.. فأي دولة هذه، نبني مؤسساتها بينما أرضها تحت الإحتلال؟".

الواقع، أن اجتماعات المجلس "الوطني" و"المركزي" قد شددت في السنوات الاخيرة على تعزيز نهج المقاومة الشعبية، لكن من دون ترجمة ذلك عملياً، بالمستوى المطلوب.

عضو مجلس وطني: قيادات السلطة تخشى تصاعد المقاومة الشعبية

ويقول عضو المجلس "الوطني" سمير عويس، لموقع "زوايا"، إن المقاومة الشعبية هي أحد أساليب الكفاح والنضال لتحرير أي أرض محتلة، موضحاً أن أهمية هذا الشكل النضالي تتعاظم وتزداد بالوضع الفلسطيني، خاصة في ظل الظروف الحالية.

لكن، حتى يتصاعد هذا الشكل النضالي ويحقق أهدافه، يعتقد سمير عويس أنه يجب أن تكون هناك إرادة سياسية باستمرار المقاومة الشعبية السلمية، وبعدها نثبت وجود الإرادة بحشد القوى والفصائل التي تتحدث عن هذا النهج، عبر النزول إلى الشارع بطريقة منظمة وتصاعدية لتحقيق أهدافها. وأشار عويس إلى أن هذه العناصر مُهمة لضمان ديمومة المقاومة الشعبية لتحقيق أهدافها.

اقرأ أيضاً: تنديد حقوقي بتعديلات رئاسية جديدة تمس القضاء الفلسطيني

بيدَ أن هذا، في الواقع، لا يحدث، كما يؤكد سمير عويس، بسبب انعدام الإرادة الحقيقية لجعل المقاومة الشعبية حاضرة في ظل غياب الكفاح المسلح، لتحقيق أهداف الشعب بالتحرر؛ ذلك أن القيادة الفلسطينية لم تضع خطة استراتيجية للمقاومة الشعبية.. فإذا أردنا تحقيق النتائج، لا بد من خطة لدعم المقاومة الشعبية وديمومتها وشموليتها، وليس الإقتصار على فعاليات أسبوعية في مناطق محددة بالضفة الغربية، ووفق منطق "المناسبات".

ورأى عويس، أن السبب في عدم دعم السلطة الفلسطينية للمقاومة الشعبية، على النحو المطلوب، هو خشية القيادات التي تبحث عن حلول شكلية، من تعزيز المقاومة الشعبية.. وهو ما يدفعها إلى الخشية من تصاعد المقاومة الشعبية الشاملة والعصيان العام، بطريقة قد تُفقدها السيطرة على الأحداث في الأراضي الفلسطينية.

مقاومة شعبية "لتنفيس الضغط لا أكثر"؟

ويرى مراقبون، أن السلطة تريد مقاومة شعبية "مضبوطة"، يتزعمها التيار الفتحاوي المحسوب على السلطة الفلسطينية، ما يشكل ضمانة لعدم فقدان السيطرة، وبما يتيح هامشاً من التنفيس الشعبي، لتفريغ الغضب الناتج عن الاحتلال والظروف الاجتماعية والسياسية الصعبة التي يُكابدها المواطن الفلسطيني.

"المقاومة الشعبية..مفهوم مُرتبك ومُلتبس فلسطينياً؟"

من جهته، أبرز أستاذ الإعلام والمحلل السياسي د.أحمد رفيق عوض، إشكالية في مفهوم "المقاومة الشعبية" لدى الساسة والجمهور في فلسطيني، وهو ما يجعله مفهوماً مرتبكا، من دون تعريف واضح. فالمقاومة الشعبية، حسب رفيق عوض، تبدأ بالاغنية، وتنتهي بسقف إلى ما لا نهاية.

ويخلص د.رفيق عوض إلى وجود التباس واضطراب فلسطيني فيما يخص مفهوم "المقاومة الشعبية"، وهو ما تجلى بإنقسام الشارع الفلسطيني حول معنى "هذا النهج المقاوم"، وأدواته وكلفته، علاوة على الفئات التي تشارك فيه.

ولفت د.عوض إلى أن المقاومة الشعبية التي تشهدها بعض مناطق الضفة الغربية، مختلفة عن تلك التي شهدتها حدود غزة الشرقية في فترات مضت. لذا، تأخذ فكرة المقاومة الشعبية في الضفة أشكالاً ضمن "أطر وحدود"، وهو ما يُبرز إلتباساً في المفهوم وإنقساماً في الشارع الفلسطيني حول هذا النهج، خاصة وأنه لا يوجد شعار موحد للمقاومة الشعبية، ولا هدف تكتيكي واضح، علاوة على إختلاف المرجعيات.

"المسؤولية على السلطة والجمهور"

بهذا المعنى، يعتقد عوض أن الإشكالية تكمن في الساسة والجمهور معاً، في ظل حالة اضطراب؛ لأن المنخرطين بالمقاومة الشعبية أقل من المطلوب، وغالباً في سياق عمل فردي لأطفال وفتية، وليس مُؤطراً. وكل هذا، في ظل غياب للقادة في الميدان. ونتج عنه، أن شعار المقاومة الشعبية الذي يُطرح من السلطة، لم يحقق الأهداف التي نريد حتى اللحظة، ولم تلتف حول قضايا ساخنة مثل الأسرى والإستيطان.

وتابع د.عوض: "الجمهور الفلسطيني عظيم ومبدع، لكنه يتعرض لمظاهر استهلاكية وحالة من الإستكانة للظرف الحالي، وسط قلقه من كلفة العمل الشعبي، وإنغماسه في مشاكل داخلية والعنف العشائري والعائلي".

وكل هذا، وسط جدل كبير وإنقسام فكري أيديولوجي ومصلحي في صفوف القادة السياسيين، وهو ما أفرز ضبابية بالرؤية، وعدم أمل، وإحباط في الشارع.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo