تظهر بيانات سلطة النقد "التي لم تُنشر بعد" ارتفاعا كبيرا في قيمة الشيكات خلال العام 2021، بخلاف الأعوام السابقة، وتزايد الطلب والثقة بها لدى المواطنين العاديين والتجار، لتصل إلى قطاعي السيارات والعقارات، حيث تفوقت على قطاع الإقراض، وأصبح بإمكان الشخص تملك شقة أو اقتناء مركبة من خلال التقسيط بالشيكات لعدة سنوات.
ووفق المحلل والمختص الاقتصادي محمد خبيصة، فقد بلغت قيمة الشيكات خلال العام الماضي 21.38 مليار دولار، مقابل 17.84 مليار دولار في العام 2020، وهو مبلغ يفوق الناتج المحلي الفلسطيني البالغ 16 مليار دولار.
ويرى خبيصة في حديثه لـ "زوايا" أن الارتفاع في حجم الشيكات خلال عام 2021، طبيعي جدا وذلك يعود لعدة أسباب، أولها لأنه في عام 2020 كانت الأرقام "مشوهة" بسبب جائحة كورونا وما تبعها من غلق للأسوق المحلية وهو ما نتج عنه تراجع في تداول الشيكات المحلية، أي شكل تباطؤا في نمو الشيكات خلال ذلك العام مقارنة بالعام 2019.
وثاني هذه الأسباب: تم تعويض التباطؤ في عام 2020 في السنة التالية أي عام 2021، لأنها كانت سنة تعاف اقتصادي، وعادت خلالها عجلة الإنتاج كما كانت عليه قبل الجائحة بل تفوقت على عام 2019، ونتج عنها تحقيق النمو الذي لم يتم تسجيله خلال عام 2020 بالإضافة إلى النمو الطبيعي السنوي.
ماذا يعني أنها أعلى من قيمة الناتج المحلي؟
وحول أن قيمة الشيكات أعلى من قيمة الناتج المحلي الإجمالي، اعتبر خبيصة أن هذه أداة قياس، ولا تأثير اقتصادي يذكر لها.
اقرأ أيضاً: خطر يتهدد مواشي غزة والانقسام "يزيد الطين بِلة"!
وأوضح أن هذا الحجم في الشيكات هو نتيجة طبيعية، لأنها تشكل ثاني أكبر وسيلة دفع بعد الكاش "النقد" في السوق الفلسطيني، ففي اقتصاديات بعض الدول قد لا يتجاوز حجم الشيكات نسبة الـ 10% من الناتج المحلي، وفي البعض الآخر قد تصل إلى 80%، أي أنها تعتمد على اعتمادات الدولة في أداة الدفع، وحسب نظام البيع المعمول به في كل دولة، فمثلا الدول الاسكندنافية لا تتعامل بالشيكات إطلاقا، وتعاملها ينحصر بالدفع النقدي أو الفيزا كرات، أو الإقراض.
تفوّق على القروض
وقال إن قطاع الشيكات في السوق الفلسطيني تجاوز مشتريات التجزئة الصغيرة والمبالغ المحدودة، ودخل سوق السيارات والعقارات، فبإمكان المواطن شراء شقة من خلال الشيكات وهو ما دفع إلى زيادة حجمها، بديلا عن قروض البنوك التي ترتفع نسبة الفائدة فيها، إلى جانب إحجام البعض عنها لأسباب دينية، كما أن سعر الشقة أو السيارة بالشيكات أقل من سعرها بالقرض البنكي.
وأضاف أن ورقة الشيك جمعت بين ميزتين وهما أن الشخص يستطيع شراء أي سلعة يريد وبسعر فائدة أقل وأحيانا تكون بنفس سعر الكاش، كما أن شرائح مجتمعية واسعة غير خاضعة للشروط الواجب توفرها للحصول على قرض بنكي مثل: الضمانات والكفلاء والراتب المنتظم وغيرها، أما الشيكات لا تحتاج إلى كل ذلك.
وبيّن أنه على الرغم من نمو قطاع الإقراض المصرفي، لكن نمو الشيكات أكبر منه بكثير، حيث وصل إجمالي التسهيلات الائتمانية حتى نهاية العام الماضي 11.7 مليار دولار "قروض تراكمية"، في المقابل تجاوزت قيمة الشيكات الـ21 مليار دولار، لأنها أكثر ثقة وتداولا في المجتمع الفلسطيني.
1.52 مليار دولار شيكات مرتجعة
وسجلت الشيكات المرتجعة هبوطا خلال عام 2021م، إذ بلغت 1.52 مليار دولار، بينما كانت في عام 2020، نحو ملياري دولار.
وقد رأى خبيصة أن هذه الزيادة طبيعية، وهي قريبة من بعض الدول في المحيط مثل الأردن.
وأشار خبيصة إلى أن ما يميّز الشيكات في فلسطين أنها ليست بحاجة لرصيد بنكي، فقد يحصل الشخص على دفتر شيكات وحسابه البنكي صفر، لكن في دول أخرى مثل الإمارات يجبر البنك الأشخاص أن يضعوا مبلغا ماليا بقيمة الشيك في الحساب البنكي وتبقى القيمة مجمدة حتى يتم صرف الشيك، أي أن هناك تشديدات أكثر على إصدار الشيكات هناك، وبالتالي نسبة التعثر في تسديدها تكون أقل.
مماطلة في تنفيذ القانون
من جانبه، وصف المحامي صلاح الدين موسى في حديثه لـ "زوايا"، عملية تحصيل قيمة الشيكات في المحاكم بالمعقدة والمقيتة، مما يسمح للبعض بالتهرب من الالتزام بدفعها في مواعيدها المستحقة.
وقال إن بعض الشيكات يتم تقديمها للتنفيذ مباشرة في المحاكم، وهناك تأخذ وقتا بسبب المماطلة والتأخير في بليغ صاحب الشيك من قبل دائرة التنفيذ جراء النقص الحاصل في عدد موظفي التبليغ أو تقاعس موظفي التبليغ، إلى جانب تأخير الشرطة في احضار مُصدر الشيك لإجباره على دفعه.
اقرأ أيضاً: مركز خالد الحسن لعلاج السرطان حضر على الورق وغاب عن الواقع
وفي حال تم تقديم الشيك إلى النيابة العامة (بشكوى جزائية)، تتم ملاحقة الشخص بتهمة النصب وإصدار شيكات بدون رصيد، لكن أيضا هناك تحدث عملية مماطلة في تنفيذ قرار النيابة بإحضار وتوقيف الشخص.
ورغم أن النظام القانوني في فلسطين فيما يتعلق بتحصيل الشيكات أفضل بكثير من دول أخرى مثل دولة الاحتلال الإسرائيلي، وفق المحامي صلاح الدين موسى، إلا أن إجراءات المحاكم من حيث طول أمد التقاضي، والمماطلة في إحضار الشخص "مُصدِر الشيك" تشجع البعض على التهرب من دفع الالتزامات المالية المترتبة عليهم.
ومن ضمن عمليات النصب في الشيكات، أشار صلاح الدين إلى أن البعض يذهب الى اصدار شيكات باسم شخص مريض يقترب من الموت، وعند موته لا يتعرف الورثة على دين المتوفى خصوصا اذا كانت الشيكات مؤجلة، بالتالي تصبح عملية تحصيلها صعبة ومعقدة جدا.
وختم بالتأكيد على ضرورة التدقيق أكثر على الشيكات التجارية التي يكون مصدرها شركة مساهمة محدودة لأن القانون لا يتيح حبس أصحابها، بالتالي يتم استخدامها كعملية نصب على الأخرين، بعكس الشيكات الشخصية التي يكون صاحبها معروف ويمكن حبسه في حال تخلف عن صرف الشيكات.
وطالب صلاح بضرورة تعديل إجراءات منح الشيكات، بحيث يكون لها رصيد متوفر في البنك، كونها أداة دفع وليس أداة دين