ما حقيقة وتداعيات وقف السلطة عمل لجان توثق جرائم الاحتلال؟

توثيق جرائم الاحتلال الإسرائيلي
توثيق جرائم الاحتلال الإسرائيلي

لم يكن النفي الأخير من قبل السلطة الفلسطينية مقنعاً للرد على منتقديها إزاء التسريبات الإسرائيلية، حول تجميد- مكتب الرئيس عباس- عمل إحدى اللجان التي تقوم بجمع أدلة ضد الاحتلال لتقديمها لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي.

وبغض النظر عن صحة القرار من عدمه، فقد أثار الكشف عن هذه الخطوة غضباً وجدلاً فلسطينياً واسعاً ومتصاعداً، حيث اعتبرها الفلسطينيون أول هدية تُمنح للاحتلال بعد لقاء الرئيس محمود عباس بوزير جيش الاحتلال "بيني غانتس" قبل أسابيع في بيت الأخير في مدينة "يافا المحتلة".

وفي تفاصيل التسريب الإسرائيلي، فقد كشفت القناة "12" العبرية أن مكتب عباس أبلغ إحدى اللجان التابعة للسلطة التي تقوم بجمع أدلة ضد الاحتلال لتقديمها لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي بتجميد عملها في هذه المرحلة.

وقالت القناة إن القرار يأتي بعد أن قدم غانتس لعباس مطلبين (إسرائيليين) خلال لقائهما، الأول وقف رواتب الأسرى وعائلات الشهداء، والثاني عدم التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية، فيما رد عباس بأنه سيكون على استعداد للاستجابة للمطلبين حال الذهاب نحو مسيرة سياسية، إلا أنه من الصعب عليه وقف ذلك في هذه المرحلة.

وبينت القناة أن لدى السلطة عدة لجان تعمل على جمع الأدلة ضد الاحتلال سعياً لتقديمها لمحكمة الجنايات الدولية، حيث حصلت إحداها مؤخراً على تعليمات من مكتب الرئيس بتجميد عملها دون إبداء الأسباب.

وجاء رد السلطة بنفي هذه التسريبات الإسرائيلية باهتاً وفي سياق عابر وسريع، وذلك على لسان القيادي في حركة فتح وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، حيث قال في تغريده له على موقع "توتير" "لا صحة للأخبار، التي تتحدث عن تأجيله، أو تأجيل القضايا المطروحة على طاولة الجنائية الدولية، كما تروج بعض وسائل الإعلام".

تغريدة حسين الشيخ.jpeg

وسبق أن أعلنت السلطة الفلسطينية إحالة ثلاثة ملفات رئيسية إلى المحكمة الجنائية الدولية هي الاستيطان والأسرى الفلسطينيين لدى (إسرائيل) والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة صيف عام 2014.

وكانت المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية "فاتوا بنسودا" أعلنت في الثالث من شهر آذار (مارس) العام الماضي، أنها ستفتح تحقيقاً رسمياً في جرائم حرب بالأراضي الفلسطينية، في خطوة رحبت بها السلطة الفلسطينية ونددت بها (إسرائيل) بشدة.

(إسرائيل) في مأزق!

وبين من ينفي وبين ينتقد ما سربته الصحافة الاسرائيلية بالخصوص، يلح التساؤل حول الهدف من هذا التسريب في هذا التوقيت بالذات؟ وما تداعيات تأخر المحاكم الدولية في النظر بالجرائم الإسرائيلية المستمرة على الأرض والإنسان الفلسطيني، وهل من جهود عربية ودولية بجانب السلطة للقيام بهذا الدور لفضح الاحتلال وجرائمه ؟

اقرأ أيضاً: "التكنولوجيا والخرائط المضادة" فرصة مهدورة لإحياء حق العودة وفضح ممارسات الاحتلال

وكمن سبقه، فقد نفى القيادي في فتح يحيى رباح، أن تكون السلطة جمدت عمل إحدى اللجان أو أنها تفكر أصلاً في وقف أيِ من اللجان المذكورة، مشيراً إلى أن السلطة لديها مؤسسات ووسائل متعددة للعمل في هذا المضمار، وليس من الضروري أن كل شئ يُقاد من رأس السلطة، بالإشارة إلى مكتب الرئيس أبو مازن.

واعتبر رباح في حديث لـ "زوايا" أن النفي الأخير الصادر من حسين الشيخ، ليس باهتاً كما يراه البعض، ولكنه مختصر، ويقطع الطريق على التسريبات الإسرائيلية المغلوطة وعن مجرد التشكيك في لجان السلطة بالخصوص.

وتساءل رباح "حينما يُصرح الشيخ تصريحات تفصيلية حول سلوك الاحتلال، هل هو لا يمثل السلطة؟"، منبهاً إلى أن كثيراً من قيادات فتح والناطقين باسمها لا يتورعون عن الإشارة بوضوح إلى تورط (إسرائيل) في جرائم حرب وأنه يجب محاكمتها دولياً.

ويرى رباح أنه بالرغم من حالة الهجوم التي تقوم بها الأخيرة في هذه اللحظة، إلا أنها في "مأزق لأنها مُنيت بمزيد من الانكشاف والملاحقة الدولية".

وأردف أن "الوضع الفلسطيني ككل ليس سهلاً كما تتخيل (إسرائيل) وربما أعطاها درساً قاسياً، والأمثلة على ذلك كثيرة، وليس أدل على ذلك حوادث النقب الأخيرة، حيث أسقطت وهماً عند الإسرائيليين عمره 74 عاماً، مفاده أن بدو النقب سيندمجون في مرافق دولتهم وسيتخلون عن وطنيتهم، وهذا الأمر  ثبت عكسه".

 ولفت إلى أن الشعب الفلسطيني قادر على التعبير عن نفسه من خلال وسائل عديدة، فمن الشعب من يعمل على الأرض وفي الميدان من خلال المقاومة الشعبية والعمليات الفردية، في حين أن للشعب مؤسساته ولجانه التي تعمل في المحافل الدولية لتوثيق جرائم الاحتلال وفضحها ورفعها للمحاكم الدولية.

ويرى رباح أنه ليس شرطاً أن كل شئ يحدث فلسطينياً، بأن يصدر بقرار مكتوب ومعلن من السلطة، مُلمحاً أن للأخيرة أدوات وأصوات كثيرة في العالم يجري توظيفها لفضح الاحتلال واقتياد قيادته للمحاكمات الدولية، على حد زعمه.

وحول ما إذا كان هناك جهود عربية ودولية تساند السلطة للقيام بهذا الدور؟، فقد أكد رباح على أهمية إعادة طرح العمليات العدوانية التي تقوم بها (إسرائيل) بصوت أقوى وأكثر إلحاحاً، معبراً بأن "المأساة الفلسطينية أُختلقت بالأصل من الدول الكبرى مثل بريطانيا وورثتها أمريكا".

وذكر أن الدول الأجنبية وبعض الدول العربية للأسف، منها من تساوق الآن مع ما تحسمه وتراه الإدارة الأمريكية، عاداً أن ذلك يتطلب طاقات كبيرة لحشد الدعم الدولي والعربي ومضاعفة الجهود، ومن هذه الجهود "الوحدة الفلسطينية".

وركز رباح في نهاية حديثه، على أن وحدة الموقف الفلسطيني من الممكن أن تخلق فلسطين جديدة وأن لا يتبجح أحد بفرقتنا، مفسراً بالقول " إننا كفلسطينيين نُلام بأننا غير متحدين وبيننا مناكفات وثرثرات معادية لبعضنا البعض، وحتى دول التطبيع تتخذ من عدم وحدة الصف الفلسطيني مبرراً للتنصل من مسؤولياتهم على أصعدة كثيرة.

وتابع "علينا أن نُراجع أنفسنا مراجعة دقيقة وشجاعة وأن نقيس مدى فلسطينية كل طرف بما يقوم به ضد (إسرائيل) مباشرة".

مقدمة لوأد جميع اللجان

من ناحيته، لم يستبعد المستشار أسامة سعد نائب الأمين العام لمجلس الوزراء في حكومة غزة، صحة ما سربته الصحافة الإسرائيلية حول قرار عباس بوقف عمل اللجان التي توثق جرائم الاحتلال، مشيراً إلى أنهم تعودوا على عدم الشفافية وعدم المصداقية (أي أبو مازن والفريق المحيط به).

ويرى سعد في حديثه لـ "زوايا" أن هذا القرار يأتي في ظل هبة أهلنا في النقب المحتل ضد محاولة سلطات الاحتلال اقتلاعهم من أرضهم، تلك الجريمة التي تُصنّف (جريمة ضد الإنسانية) وفقاً لميثاق محكمة الجنايات الدولية.

كما أن القرار-حسب سعد- يأتي بعد وأد عمل اللجنة الوطنية لمتابعة محكمة الجنايات الدولية بعد إصرارها على إحالة جرائم الإحتلال للمحكمة، مؤكداً أن هذا الإجراء ناتج عن اللقاء الأخير بين عباس ووزير حرب العدو غانتس المتهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق شعبنا.

واستند سعد لاثبات صحة ما ذكره سالفاً، بأنه شخصياً كان عضواً في (اللجنة الوطنية لمتابعة محكمة الجنايات الدولية) التي شكلها عباس عقب انضمام فلسطين لميثاق المحكمة، حيث كانت اللجنة برئاسة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات وعدد من الشخصيات الوطنية والحقوقية، مبيناً أنهم واجهوا عنتاً كبيراً في عمل اللجنة بسبب إصرار عباس على ربط المسار القانوني بالمسار السياسي، والعمل على تطويع المسار القانوني بما يخدم الأجندة السياسية له.

وأوضح أن إصرار أعضاء اللجنة على بعض الأمور المتعلقة بمسار عملها مثل قضية ( الإحالة) دفع عباس إلى وأد اللجنة دون حلها، ولم تعقد منذ فترة طويلة جداً حتى قبل وفاة عريقات، كما لم يُكلف رئيسا جديدا للجنة ولم تنعقد منذ وفاة الأخير (10 نوفمبر 2020)، علماً بأن هذه اللجنة قد انبثق عنها عدة لجان فنية إحداها لجنة للتوثيق. كما يقول سعد.

وأردف " لذلك لا أستبعد أن يكون عباس قد حل هذه اللجان دون العودة للجنة الأم الغير مفعلة أصلاً"، عاداً كل ذلك ناتج عن "لقاء عباس غانتس الذي كان لقاء ذو طبيعة أمنية، علماً أن غانتس هو ممن ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية عندما كان وزيراً لحرب العدو وعمل اللجنة كان يستهدفه كمجرم".

وعبر سعد عن اعتقاده بأن الثمن الذي قبضه عباس هو دعم السلطة أمنياً وسياسياً ومنع انهيارها، خصوصاً بعد أن فقدت شعبيتها كثيراً حتى في أوساط حركة فتح ووجود حالة من النقمة عليها في الضفة الغربية، وظهور حالات تمرد في عدد من مناطق الضفة ضدها مع تصاعد الهبة الجماهيرية.

تداعيات خطيرة

وحول تداعيات تأخر المحاكم الدولية في النظر بالجرائم الإسرائيلية المستمرة على الأرض والإنسان الفلسطيني؟ فقد أكد سعد أن تداعيات ذلك على الشعب الفلسطيني "خطيرة جداً، إذ أن مثل هذه التصرفات من قبل عباس، تدلل على أنه يعمل وفقاً لأجندة غير وطنية، بل أن هناك تماهيا كبيرا بين أجندته وأجندة الاحتلال، حيث أصبح وجود عباس كرئيس، يشكل عبئا على الشعب الفلسطيني وخطر داهم"، على حد تعبيره.

ويرى سعد أن عباس مارس نفس التصرف، حينما أقدم على وقف القضية المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد الولايات المتحدة بسبب نقل سفارتها للقدس، حيث كان ذلك استناداً لمعاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية بين الدول، منوهاً إلى أن القضية كانت رابحة بامتياز، كونه لا يجوز وفقاً لمعاهدة فيينا إقامة سفارة لدولة على أرض محتلة.

اقرأ أيضاً: مركز خالد الحسن لعلاج السرطان حضر على الورق وغاب عن الواقع

وأردف "ولكن علمنا بوقف هذه القضية بطلب من عباس من خلال التقرير السنوي للمحكمة الذي تم نشره قبل عدة أشهر، ولم نعلم بهذا الأمر من الجهات الرسمية في السلطة للأسف التي دائماً تُغيب الشعب الفلسطيني عن حقائق الأمور".

وبسؤال سعد حول ما إذا كان هناك بدائل غير السلطة للقيام بهذا الدور لفضح الاحتلال وجرائمه؟ فقد أكد بلا شك أن هناك بدائل نص عليها قانون محكمة الجنايات الدولية، وذلك من خلال تقديم الشكاوى ضد جرائم الاحتلال من قبل الأشخاص والمؤسسات المدنية، منوهاً إلى أن مؤسسات المجتمع المدني تقوم بدور ومجهود محترم في هذا الشأن.

وأوضح سعد أن ميثاق المحكمة أعطى لمدعي عام المحكمة أن يبدأ التحقيق من تلقاء نفسه إذا توفرت لديه أدلة قوية تشير إلى ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية في أي منطقة تخضع لولاية المحكمة، مؤكداً أنه تم مخاطبة مدعي عام المحكمة عدة مرات من قبل بعض المؤسسات المدنية، ولكن في كل مرة كان الرد أن الأمر قيد الدراسة الأولية.

ولكن من وجهة نظر سعد، فإن دور السلطة الرسمي هو أهم وأعظم أثراً في هذه الحالة كونها تملك الحق وفقاً لقانون المحكمة بإحالة القضايا مباشرة إلى المحكمة، عاداً أن هذا ما يوفر الإجراءات والوقت كثيراً ويتجاوز تلكؤ المدعي العام الذي يخضع لضغوط سياسية، حسب ظنه.

وحول ما إذا كانت (حكومة غزة) بادرت لتوثيق جرائم الاحتلال وتبني قضايا من هذا القبيل ورفعها للمحاكم الدولية؟ فقد أكد سعد أن حكومته أنشأت هيئة متخصصة لتوثيق جرائم الحرب، وهذه الهيئة تقوم بعملها منذ حرب 2008م حتى الآن، عاداً أن ذلك في غاية الأهمية، حيث أن الجرائم التي نص عليها قانون محكمة الجنايات الدولية لا تسقط بالتقادم

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo