تكثفت اعتداءات وهجمات المستوطنين على المواطنين والبلدات والممتلكات الفلسطينية في الضفة، خلال الفترة الأخيرة، خاصة الاعتداءات التي استهدفت بلدة برقة شمال غرب نابلس، حيث أصيب 25 مواطنا من البلدة وتضرر عدد من أملاكهم، وفق فطين صلاح الناشط في لجان الدفاع عن أراضي برقة.
وبحسب صلاح، فإن "فزعة" المواطنين من القرية والبلدات المحيطة أدى لكبح جماح الاعتداءات التي كانت مقررة من قبل المستوطنين لاحقا.
وأكد في حديثه لـ "زوايا" أن المواطنين في قريته والبلدات الأخرى يأملون في حمايتهم ودعم صمودهم وتلبية احتياجاتهم لصد هجمات المستوطنين المتكررة، في المقابل تسخر العديد من الجمعيات الاستيطانية لدعم المستوطنين ونشاطاتهم المعادية للفلسطينيين.
هجمة غير مسبوقة
ويستوطن في الضفة الغربية المحتلة نحو 666 ألف مستوطن يقيمون في نحو 145 مستوطنة كبيرة، بالإضافة إلى 140 بؤرة استيطانية عشوائية.
وسجّل تقرير لمعهد الأبحاث التطبيقية "أريج"، الذي نشر مؤخرا، ووثق اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية، أرقاما غير مسبوقة في العام 2021 وخاصة أن هذه الاعتداءات استهدفت جميع جوانب الحياة ولم تقتصر على الأراضي والممتلكات فقط، بل أخذت منحنى آخر وذلك بارتكاب اعتداءات دموية ضد الفلسطينيين بذريعة دفع الثمن والانتقام، إذ سجّل ما يزيد عن 900 اعتداء تمت على أيدي المستوطنين.
اقرأ أيضاً: تل أبيب تشق توازناً صعباً بين منافع الصين ومخاوف أمريكا
وتوزعت الاعتداءات على محافظات الضفة المختلفة، إذ شهدت كل من محافظات نابلس والقدس والخليل أكثر الاعتداءات على التوالي بواقع 233 و 194 و 170 اعتداء، شملت الاعتداء على المدنيين واقتحام المواقع الأثرية و التاريخية و الدينية، بالإضافة إلى الاعتداء على 20 ألف شجرة بالقطع والحرق وسرقة الثمار وأيضا تلويث الحقول الزراعية وغيرها من الاعتداءات.
وأودعت سلطات الاحتلال 113 مخططا استيطانيا في 62 مستوطنة خلال العام 2021، لبناء ما يزيد عن 17 ألف وحدة استيطانية على مساحة تتعدى الـ 13 ألف دونما من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
من الهرب إلى الضرب
تلك الاعتداءات لم تكن بهذا الشراسة إبان الانتفاضة الأولى، بل على العكس كان المستوطنون في موضع الاختباء والهرب وتجنب السير على الشوارع الالتفافية التي تقطع أوصال الضفة الغربية، تجنبا لتعرضهم لهجمات أو رشق بالحجارة من قبل الفلسطينيين المنتفضين بوجه الاحتلال ومستوطنيه.
تحوّل المستوطنون من الهرب إلى الضرب، يعود لعدة أسباب وفق ما أكد الكاتب والناشط السياسي نهاد أبو غوش لـ "زوايا"، أولها التغيرات السياسية التي طرأت منذ الانتفاضة الأولى إلى اليوم، حيث جاءت السلطة بعد توقيع اتفاق أوسلو، وأصبحت معنية بتقييد السلاح، فباتت كثير من مناطق الضفة خالية من العمل المسلح، وهو ما شجع المستوطنين على الاعتداء على الفلسطينيين.
أما السبب الثاني بحسب أبوغوش، فإن نمو وتضاعف عدد المستوطنين خلال هذه الفترة حوّلهم إلى قوة سياسية في دولة الاحتلال، بخلاف ما كانوا عليه سابقا كحالة هامشية، لأن نسبتهم قليلة، إذ باتوا يشكلون الآن أكثر من 10% من سكان دولة الاحتلال، ولهم وجودهم وتأثيرهم في الحكومة وسياساتها.
وأضاف أن السبب الثالث هو التطورات العميقة في المجتمع الإسرائيلي الذي جمح كثيرا نحو اليمين، بالتالي أصبح الاستيطان على رأس أولوياته، ووجود تيارات كثيرة تدعو لضم الضفة والتخلي عن حل الدولتين، بخلاف ما كان سابقا بوجود تيارات كثيرة تدعو للانسحاب من الضفة.
وأوضح أن قانون القومية اليهودية اعتبر الاستيطان أولوية قومية، وبالتالي من واجب الدولة بكل مكوناتها دعم الاستيطان لأنه قانون دستوري، وحصر حق تقرير المصير باليهود، بالتالي أوكلت للمستوطنين مهمة حسم القضية على الأرض، وتثبيت الأمر الواقع لتأتي حكومة الاحتلال لاحقا لـ"شرعنتها" بقوانين، دون انتظار المفاوضات.
تكامل أذرع الاحتلال
وأشار إلى أنه في الماضي كان يوجد عدد من البؤر الاستيطانية معروفة بشراستها، لكن اليوم باتت جميع المستوطنات تشكل بؤر تماس مع المواطنين، وبعضهم استولى على رؤوس التلال بحماية جيش الاحتلال، أي أنه أصبح هناك تناغم بين الجيش والمستوطنين.
اقرأ أيضا: العمال .. بين جشع المؤسسات وقرار الحد الأدنى للأجور الجديد
ورأى أن تكامل أدوات الاحتلال بما فيها الإعلام والقضاء والجمعيات الاستيطانية التي يقع مركز بعضها في أمريكا، أصبحت تمثل أذرعا للاستيطان.
ما المطلوب فلسطينيا؟
في المقابل، أكد أبو غوش على ضرورة أن يغير الفلسطينيون أولوياتهم بمغادرة جميع الأوهام بإمكانية حصول تغيير دولي بدون تغيير أوراق القوى التي يمتلكها الفلسطينيون، وتحديدا تفعيل المقاومة الشعبية التي يجب أن تتأسس على قاعدة الوحدة الوطنية، وأن تصبح كلفة الاحتلال باهظة، بتحويل الاستيطان لمشروع خاسر ومكلف وعبء يستنزف طاقات الاحتلال، وليس مكسبا واستثمارا اقتصاديا له كما هو حاصل اليوم.
أوسلو كبّل يد الشعب
من جهته، اعتبر منسق القوى الوطنية والإسلامية في رام الله، عصام بكر، أن التغييرات السياسية والأمنية التي طرأت بعد توقيع اتفاق أوسلو، من حيث الانتشار الكبير للاستيطان والمستوطنين في أرجاء الضفة، إضافة إلى تقييد يد الشعب الفلسطيني وعدم إطلاق العنان لمقاومته المكفولة بالقانون الدولي للتصدي لاعتداءات المستوطنين، سبب لما يجري من إرهاب لمستوطنين في قرى وشوارع الضفة.
وقال: "كان المستوطنون يخشون المرور بالشوارع الرئيسية أو بمحاذة القرى الفلسطينية في الانتفاضة الأولى إلا بحراسة جيش الاحتلال، لكن اليوم يعربدون على الطرقات والمفترقات دون حسيب أو رقيب".
مخاوف من مجازر
وأضاف بكر: "في حال استمر السكوت على هذه الاعتداءات سيؤدي إلى اتساع الهجمات الاستيطانية على البلدات والقرى الفلسطينية وترويع سكانها الآمنين، وقد تتطور الاعتداءات إلى ارتكاب مجاز بحق الشعب الفلسطيني تهدف لترحيله من أرضه وتمكين المستوطنين من تكريس سياسة الأمر الواقع الاحتلالي في ظل الضوء الأخضر الذي يتلقونه من قبل حكومة الاحتلال".
استنهاض الطاقات الكامنة
ولصد الاعتداءات الاستيطانية، أكد بكر على ضرورة إعادة النظر في كل أشكال الاتفاقات المبرمة مع الاحتلال والتحلل منها، وتصعيد كل أشكال العمل الكفاحي للشعب الفلسطيني، والعمل بكل الطاقات من أجل إطلاق الإمكانات الكامنة لديه، لمواجهة تلك الاعتداءات بكل الأشكال المناسبة.
وفي مقابل الدعم الذي يتلقاه المستوطنون من حكومتهم، يجب توفير مكونات الصمود للقرى والبلدات التي تتعرض للاعتداءات المتواصلة من قبل المستوطنين، والعمل على صدها، واستعادة الوحدة الوطنية والميدانية، وتكوين إرادة سياسية لدعم صمود ومقومات وتطوير هذه البلدات، للتمكن من مواجهة سياسة الاستيطان، كما يجب تعزيز لجان الحماية الشعبية فيها، بحسب ما جاء في حديث "بكر"