لم يُستثن "الدخان الشامي" من الضريبة التي تفرضها حكومة غزة على التبغ الوارد للقطاع، حيث يعد هذا النوع من الدخان في متناول الفقراء، لجأوا إليه بعدما أصبحوا لا يقدرون على شراء ما يسمى "الدخان الرسمي".
ونظراً لارتفاع أسعار الدخان والمعسل في قطاع غزة، فقد وجدت نسبة ليست بالقليلة من المدخنين ضالتهم في شراء الدخان الشامي، فضلاً عن أنهم (يعتقدون) أنه أقل ضرراً على صحتهم.
ولا تفصح الحكومة في غزة عن أي معلومات حول حجم تجارة السجائر ومقدار الضرائب التي تجنيها من هذه التجارة بما فيها "الدخان الشامي"، علماً أنه جرى التواصل مع الجهة المعنية بالخصوص، ولكن دون جدوى.
وتُظهر بيانات جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني بالخصوص، أن متوسط انفاق الأسرة الفلسطينية على السجائر خلال العام 2017، حوالي 5,4%، بعد أن كان في الأعوام السابقة حوالي 4,6%.
ويبلغ متوسط إنفاق الفرد الشهري في فلسطين حوالي 840 شيكل، وتشير التقديرات إلى أن عدد المدخنين في فلسطين يبلغ حوالي 800 الف شخص، ينفقون نحو 500 مليون دولار سنوياً على السجائر والتبغ.
بسطات صغيرة
وللتعرف عن قرب على "الدخان الشامي" كان لـ "زوايا" جولة في أحد أكبر التجمعات لبائعيه وزبائنه في سوق "فراس" وسط مدينة غزة، حيث يتم عرض أنواعه على بسطات صغيرة، ووجدنا متجرا واحدا صغيرا يتواجد فيه عاملان يصنعان سجائر الشامي على ماكينات صغيرة ومن ثم تغليف كل 20 سيجارة في "باكيت نايلون" .
ويقول "أبو حامد" صاحب المتجر، أنه يبيع "باكيت الشامي" من 5-6 شيقل، وذلك لزبائنه المدخنين الذين لا يستهوون شراء الشامي خام أو "نفل"، مشيراً إلى أن جزءاً آخر من زبائنه يشتريه خاماً ويقوم بلف سجائره بنفسه، من خلال الماكينة والمستلزمات الخاصة بعملية اللف!.
وذكر أنه يبيع "وقية" الدخان الشامي الوارد من الضفة الغربية ما بين 50-60 شيقل حسب النوع والجودة، أما المُصنع في غزة فيتراوح من 30-40 شيقل للأوقية الواحدة، لافتاً إلى أن الإقبال على الوارد من الضفة أكثر من المُصنع في غزة، نظراً لجودته.
وبينما كان يتحدث "أبو حازم" دخل إلى المتجر أحد المواطنين يعرض عليه شراء "وقية دخان شامي" كان قد جلبها معه من الضفة الغربية، فقد عرف عنه نفسه أنه أحد العمال الذين يتنقلون بين غزة والضفة عبر معبر بين حانون "إيرز"، حيث يقوم بين الحين والآخر بجلب أوقية واحدة فقط.
ولم يتردد البائع "أبو حازم" في قبول العرض وشراء الأوقية، فقد أكد الأخير أن بعض "عمال إسرائيل" يجلبون معهم الكمية المسموح إدخالها وهي أوقية واحدة فقط، وما دون هذه الكمية يتم تغريمهم عليها، حيث ضريبة الكيلو الواحد تبلغ 100 شيقل، لافتاً إلى أنه يفضل شراء بضاعته من العمال أو غيرهم القادمين عبر "إيرز" لأن الجودة مضمونة وسهلة التصريف.
كما لم يخلو حديث "أبو حازم" من الشكوى حول قلة الإقبال والبيع في الوقت الحالي قياساً بالفترات الماضية، مُرجعاً ذلك إلى تردي الحالة الاقتصادية للمواطنين في القطاع، فضلاً عن الجمارك المفروضة على الدخان الشامي والتي أدت إلى ارتفاع أسعاره عن بداية عهده.
100 شيقل على الكيلو
ومن حيث انتهى البائع "ابو حازم"، فقد تحدث أحمد عقل أحد تجار الدخان الشامي، شاكياً أنه كان يستورد هذا النوع من الدخان بكميات كبيرة، ولكن نظراً لتردي أوضاعه التجارية توقف عن الاستيراد وأصبح يتاجر فيه داخلياً، ولكنه أشار إلى أن أبناء عمومته أصحاب شركة "السهم الثاقب" يُعدون بمثابة موردين الجملة الوحيدون الذين يستوردون الدخان الشامي.
وذكر عقل لـ"زوايا" أن معدل إدخال الدخان الشامي لقطاع غزة عبر كرم أبو سالم هو( 5 طن) كل ثلاثة أشهر تقريباً، مبيناً أن الرسوم الجمركية المفروضة من قبل حكومة غزة هي (100 ش) على الكيلو الواحد.
وأشار إلى أن دخول كميات من الدخان الشامي من خلال العمال عبر معبر بيت حانون "إيرز" قد يؤثر أحياناً بشكل نسبي على مبيعاتهم، وذلك مرتبط بزيادة عدد العمال الداخلين والخارجين "بشكل يومي" للمعبر، حيث أن هذا يجعل العرض كثير والطلب قليل.
ونوه عقل إلى أن الكمية المسموح للشخص إدخالها عبر إيرز هي "أوقية" واحدة فقط، أما في حال تجاوزها يتم تغريمه بدفع الجمرك المذكور سالفاً على الكيلو الواحد.
وتطرق إلى وجود أنواع من الدخان الشامي فمنه ما يسمى "الهاوي، والوسط ومنه مشروب وكندي، والنوع الآخر الحامي".
وبالرغم من أن الدخان الشامي أقل تكلفة على جيوب المواطنين من الدخان الرسمي المعلب، إلا أن عقل اشتكى من قلة رواج الدخان الشامي كما السابق، وذلك نظراً لتردي الأوضاع المعيشية في القطاع.
وقال "صحيح أن الدخان الشامي يعد (كيف الفقراء) ولكن حتى من هؤلاء من يشتريه (مفرق أو نفل)"، مشيراً إلى أن بعض البائعين يُصنعون ويُغلفون سجائر الشامي في "باكيت نايلون"، حيث أن –حكومة غزة- تمنع تغليف الشامي في "باكيت كرتون" لمنع منافسته لمنتجات الدخان الرسمي.
وتطرق عقل إلى أن هناك نوع محلي من الدخان الشامي يتم زراعته في قطاع غزة ولكن جودته رديئة قياساً مع جودة الوارد من الضفة الغربية، لافتاً إلى أن الرواج والطلب والقبول لهذا النوع قليل جداً عند المدخنين للشامي، حيث توقع أن فرض الجمرك والضريبة عليه سوف يجعل المزارعين يعزفون عن زراعته.
زراعة بالأجرة
حديث عقل ساقنا إلى سؤال مزارعي الدخان الشامي عن جدوى زراعته في الوقت الحالي، فقال المزارع "أبو علي" شرق محافظة خان يونس، أن زراعته لهذا النوع كانت مجدية حتى وقت قريب، ولكنها انعكست في الوقت الحالي بالسلب، حين أصبحت الحكومة في غزة تسمح بإدخال كميات كبيرة من الدخان الشامي إلى القطاع من الضفة الغربية.
ولفت إلى عزوف المزارعين من كبار السن عن زراعة الدخان الشامي نظراً لتحريمه من قبل "المشايخ" في منطقتهم، حيث توجه فئة الشباب لهذه الزراعة، كاشفاً عن استئجار بعض التجار أراضي بمساحات كبيرة وتشغيل مزارعين متخصصين في إنتاج الدخان الشامي.
ونوه إلى أن زراعة الدخان الشامي تحتاج إلى عناية من نوع خاص، حيث يتم تسميده بشكل جيد، في حين يتم سقايته بشكل ضئيل جداً، حتى لا يفقد نكهته ومذاقه وديمومة شعلة السيجارة، على حد تفسيره.
وعلى ذكر النكهة والمذاق، فقد عبر المزارع عادل السميري عن ارتياحه لإنتاج مزرعته من الدخان الشامي، فهو يبيع الجزء الأكبر ويُبقي لـ"رأسه وكيفه" جزءاً آخر، وفق تعبيره، مؤكداً أن إنتاج أشتاله يتم حجزه من تجار وأصدقاء قبل موعد القطاف، وما يميزه أن نكهته ممتازة ولا تنطفئ سيجارته، كما جاء في حديثه.
وبخلاف من سبقه، فإن الأربعيني "أبو وائل" لا يستهويه الدخان الشامي المُصنع في غزة، وإنما الوارد من الضفة الغربية، عاداً أن هناك فرقا كبيرا في الجودة، وذلك بالرغم من ارتفاع سعر الضفاوي عن الغزاوي.
ويرى "أبو وائل" أنه في كل الأحوال، فإن سعر الدخان الشامي أقل بكثير من سعر الدخان الرسمي، مبيناً أنه بسعر ثلاث علب دخان "رويال" بإمكانه أن يدخن أوقية دخان شامي لنحو شهر كامل.
وأضاف "حالي حال الكثير لا نقوى على ترك الدخان ولا على سعر الرسمي منه، فما بالنا لو ارتفعت عن الدخان الشامي الضريبة، فإنه يمكننا أن ندخن ببلاش!"
على مستوى الحكومة
من ناحيته، فقد أكد مصدر حكومي خاص لـ"زوايا" أنه تم مناقشة موضوع زراعة الدخان الشامي على مستوى لجنة متابعة العمل الحكومي، حيث خرجت التوصيات بتحديد مساحات وكميات زراعة الدخان الشامي في غزة بما لا يزيد عن 500 دونم حتى لا يؤثر على الكميات الواردة من الضفة الغربية.
وأشار المصدر إلى أن لجنة حكومية مشكلة من وزارات "الزراعة، الاقتصاد، المالية، والداخلية –مباحث التموين" باشرت عملها للضبط والمتابعة من خلال تحديد المساحات والكميات، لافتاً إلى أنه جرى التفتيش والحصر على المشاتل الخاصة بزراعة الدخان الشامي، ومن ثم سيتم المتابعة في الميدان لإلزام المزارعين بعدم تجاوز المساحة المذكورة سالفاً وهي 500 دونم فقط.
ونوه المصدر إلى أن أصحاب المشاتل وقعوا على تعهدات لدى مباحث التموين بعدم بيع أشتال الدخان الشامي سوى للمزارعين الحاصلين على إذن من مديريات الزراعة المختلفة في محافظات القطاع، علماً أن زراعة الدونم الواحد من الدخان الشامي يستوعب 3000 شتلة، حسب المصدر.
ونفى المصدر الحكومي، أن يكون الهدف من هذه الإجراءات فرض جمارك أو ضريبة على مزارعين الدخان الشامي، وإنما فقط لحصر زراعته في القطاع، وبالتالي عدم "تخريب" سوق الوارد من الضفة.
وفي إطار الحديث عن الجمارك والضرائب المفروضة على الدخان الوارد وشح المعلومات الحكومية بالخصوص، فقد وجه الكاتب الصحفي المقرب من حماس يحيى الصواف رسالة إلى رئيس لجنة العمل الحكومي في غزة عصام الدعليس، وذلك عبر صفحته على الفيس بوك.
وقال فيها " إحذروا الحرام أن يكون مصدراً للرزق (..) وهنا أقصد المال المجبى من ضرائب من الدخان والمعسل، وهذا لا يعني عدم أخذ الضرائب من هذا الصنف الحرام، ولكن تحذيري أن تكون جزء من رواتب الموظفين، أو تنفق على التعليم، أو تصرف على الصحة، فهي حرام لأن مصدرها حرام.
وأضاف: 'انتبهوا أين تصرف ؟ يجب الحذر أن تنفق على الرواتب والتعليم والصحة، ولكن هناك أوجه أخرى يمكن أن تصرف عليها ضرائب الدخان، ألا وهي الطرقات والصرف الصحي، أي أن تكون حصيلتها تصرف على البلديات وتخصص للطرقات والصرف الصحي فقط".