تكشف خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإنهاء الحرب في غزة عن طموح غير مسبوق في تولي زمام المبادرة شخصياً، حيث يقترح ترؤسه لـ"مجلس السلام" الدولي الذي سيشرف على إدارة القطاع الانتقالية. هذا النهج يعكس رغبة واشنطن في فرض رؤيتها الخاصة للحل، بمشاركة شخصيات مثل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، في محاولة لإضفاء ثقل دولي على المبادرة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن لخطة تُدار من واشنطن أن تحظى بقبول فلسطيني وإقليمي حقيقي؟
نزع السلاح الكامل
يشكل نزع السلاح الكامل للفصائل الفلسطينية، وتدمير الأنفاق ومنشآت تصنيع الأسلحة، العمود الفقري للخطة الأميركية. المقترح يتضمن آلية معقدة لوضع الأسلحة خارج الخدمة، مدعومة ببرنامج دولي لإعادة دمج عناصر حماس الذين يتخلون عن القتال. هذا البند يلامس جوهر الصراع: كيف يمكن إقناع حركة مقاومة مسلحة بالتخلي عن سلاحها دون ضمانات سياسية واضحة؟ الخطة تقدم عفواً عاماً وممرات آمنة لمن يرغب في المغادرة، لكنها تبقي المستقبل السياسي معلقاً على شروط غامضة.
"منطقة منزوعة التطرف": خطاب أمني بلغة اقتصادية
تصف الخطة غزة المستقبلية بأنها "منطقة منزوعة التطرف وخالية من الإرهاب"، وهو خطاب يعكس الأولويات الأمنية الإسرائيلية والأميركية. لكن المفارقة تكمن في محاولة تغليف هذا الشرط الأمني بوعود اقتصادية ضخمة: إقامة منطقة اقتصادية خاصة بامتيازات جمركية، وخطة إعمار بقيادة خبراء ساهموا في تأسيس "مدن حديثة ناجحة" في الشرق الأوسط. الرسالة واضحة: الازدهار الاقتصادي مقابل التخلي عن المقاومة المسلحة.
الانسحاب المرحلي: جدول زمني مشروط وغامض
تنص الخطة على وقف فوري لإطلاق النار وانسحاب مرحلي للقوات الإسرائيلية، لكن التفاصيل تكشف عن شروط معقدة: الانسحاب مرتبط بمعايير نزع السلاح، ويتطلب تنسيقاً بين الجيش الإسرائيلي وقوة الاستقرار الدولية والضامنين. الخطة تتحدث عن "منطقة أمنية عازلة مؤقتة" تبقى حتى ضمان خلو غزة من "أي تهديد إرهابي متجدد"، وهو شرط فضفاض يمكن أن يطيل الوجود الإسرائيلي إلى أمد غير محدد.
صفقة الرهائن والأسرى: معادلة معقدة ومثيرة للجدل
تقترح الخطة معادلة محددة: إطلاق جميع الرهائن الإسرائيليين خلال 72 ساعة، مقابل الإفراج عن 250 سجيناً فلسطينياً محكوماً بالمؤبد، و1700 معتقل من غزة. لكن الخطة تتضمن تفصيلة مثيرة للجدل: مقابل كل رهينة إسرائيلي تُعاد رفاته، ستسلم إسرائيل رفات 15 فلسطينياً. هذه المعادلة، رغم أنها تحاول إنهاء ملف الرهائن، تبقى بعيدة عن التوازن المطلوب فلسطينياً.
الإدارة الانتقالية: تكنوقراط بلا سياسة؟
تقترح الخطة إقامة "لجنة تكنوقراطية غير سياسية" لإدارة غزة، بإشراف "مجلس السلام" الدولي. هذه الصيغة تستبعد صراحة أي دور لحماس أو الفصائل الأخرى في الحكم "بشكل مباشر أو غير مباشر". السؤال المحوري: كيف يمكن إقامة إدارة "غير سياسية" في سياق صراع سياسي بامتياز؟ ومن سيمثل الفلسطينيين في هذه اللجنة دون أن يكون له انتماء أو شرعية سياسية؟
قوة الاستقرار الدولية: حل أمني أم احتلال بوجه جديد؟
تدعو الخطة إلى نشر "قوة استقرار دولية" مؤقتة، بالتنسيق مع مصر والأردن، لتدريب الشرطة الفلسطينية وتأمين الحدود. هذه القوة ستحل محل الجيش الإسرائيلي تدريجياً، لكنها ستبقى تحت إشراف أميركي ودولي. التجربة التاريخية تشير إلى أن القوات الدولية في مناطق النزاع نادراً ما نجحت في تحقيق استقرار دائم، خاصة عندما تفتقر إلى حل سياسي شامل.
المساعدات الإنسانية: وعود فورية ومشروطة
تتعهد الخطة بإرسال مساعدات كاملة وفورية إلى غزة فور قبول الاتفاق، بما يتسق مع اتفاق يناير 2025، مع إعادة تأهيل البنية التحتية والمستشفيات والمخابز. لكن البند المثير للقلق يشير إلى أنه في حال تأخرت حماس أو رفضت المقترح، فسيجري تنفيذ البنود "في المناطق الخالية من الإرهاب" فقط، ما يعني احتمال تقسيم غزة إلى مناطق تحظى بالدعم وأخرى محرومة منه.
حوار الأديان: رهان على تغيير العقليات
تقترح الخطة إطلاق "عملية حوار بين الأديان" بهدف تغيير العقليات والسرديات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. هذا البند، رغم نواياه الحسنة، يبدو طوباوياً في ظل استمرار الاحتلال وغياب الحل السياسي. التاريخ أثبت أن السلام الحقيقي يبدأ بالعدالة والحقوق، لا بتغيير السرديات.
الأفق السياسي: وعد معلق على شروط مبهمة
تبقي الخطة الباب مفتوحاً أمام "تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية" كطموح، لكن بشرط واحد: استكمال السلطة الفلسطينية لبرنامج إصلاحها. هذا الربط يجعل الحل السياسي رهينة لمعايير غامضة وقابلة للتأويل، ويؤجل الاستحقاق الوطني الفلسطيني إلى أجل غير مسمى. السؤال الأكبر: هل هذه خطة سلام حقيقية، أم صيغة محدثة لإدارة الصراع دون حله؟
الخلاصة: خطة ترمب تقدم معالجة شاملة لملفات الأمن والإعمار والإدارة الانتقالية، لكنها تفتقر إلى أفق سياسي واضح وفوري. إنها تعكس رؤية أميركية - إسرائيلية للحل، لكن مدى قبولها فلسطينياً وإقليمياً يبقى السؤال الأكبر.