تقرير كيف تحولت الانتخابات المحلية إلى سبب إضافي لتعزيز الانقسام؟

صور من لقاءات فتح وحماس بالقاهرة
صور من لقاءات فتح وحماس بالقاهرة

منذ أن قررت الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية التي يرأسها محمد اشتية، إجراء الانتخابات المحلية في الحادي عشر من ديسمبر المقبل وهي المرحلة الأولى لهذه الانتخابات، تحولت القضية إلى ساحة جديدة من معركة المماحكة والفرقة لدى الفصائل الفلسطينية وخاصة حركتي فتح وحماس.

وأصدر مجلس الوزراء في 6 أيلول الجاري، قرارا ينص على إجراء انتخابات مجالس الهيئات المحلية على مرحلتين، تشمل الأولى، التي تعقد في 11 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، الهيئـات المحليـة المصنفة فئـة (ج) والمجـالس القروية، على أن يحدد مجلس الوزراء موعد لاحق لعقد المرحلة الثانية، التي تشمل الهيئات المحلية المصنفة ضمن الفئتين (أ، ب) شريطة ألا يتعدى الربع الأول للعام المقبل 2022. 

إلا أن حركة حماس رغم التواصل معها للموافقة على إجراء الانتخابات رفضت حتى الآن الأمر، واعتبرته تفرداً في القرار الفلسطيني وهو ما يحتاج إلى توافق بحيث تكون الانتخابات جملة واحدة أي مجلس وطني، رئاسية، وتشريعية، وهيئات محلية. 

فيما تؤكد الحكومة بأن هذه الانتخابات ستكون في مرحلة أولى على أن لا تتجاوز الانتخابات في المرحلة الثانية منتصف العام المقبل، علماً أن حركة حماس كانت قد شاركت في الانتخابات في الضفة ووافقت على تقسيمها لعدة مراحل في قطاع غزة في العام 2005.

هذا الأمر خلق فرصة جديدة قد تزيد من الفرقة والانقسام وفق ما يرى مراقبون ومحللون وهو ما ينعكس سلباً على الخدمات التي تقدم للمواطنين، ويضر بسمعة الهيئات المحلية لدى المانحين.

الانتخابات المحلية خدمة من عباس

من جهته، اعتبر رئيس اللجنة الاقتصادية في المجلس التشريعي والقيادي في حركة حماس يحيى موسى في حديث خاص لـ "زوايا"، أن قرار إجراء الانتخابات المحلية من قبل السلطة هي "محاولة مكشوفة لتلميع وجهها، وذر للرماد في العيون"، عاداً أن الهدف منها هو إعطاء رسالة للخارج الذي ينتظر من السلطة سلوكاً ديمقراطياً بعدما ظهر "الوجه البشع" لها في الديكتاتوريات والاستحواذ على كل السلطات.

ويرى موسى أن "رئيس السلطة محمود عباس" يحاول أن يُحسن من هذه الصورة من خلال عملية جزئية مخادعة ولحرف الأنظار عن القضية الحقيقية إلى قضايا فرعية، مؤكداً أن اجتزاء الانتخابات بهذا الشكل وتقزيمها وشرذمتها "أمر غير مقبول بالمطلق ومرفوض من الكل الفلسطيني".

وقال موسى "من حيث المبدأ نحن مع انتخابات عامة، أن تكون للتشريعي والرئاسة والمجلس الوطني، أما إذا أراد عباس أن يذهب إلى الانتخابات المحلية فليذهب إلى الانتخابات في كل الوطن بمعنى في البلديات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، بحيث تجري الانتخابات لمرة واحدة في كل هذه البلديات".

واشترط موسى أن تُوضع الضمانات اللازمة والمرتبطة بالإجراءات القانونية والقضائية والسياسية بما يحفظ الحريات العامة ووقف الاعتقالات السياسية وأن تُعطى لجان الانتخابات حريتها واستقلاليتها وأن لا تكون مستلبة من قبل الرئاسة ومجلس الوزراء، عاداً أن تلك شروط أساسية لنجاح أي انتخابات.

كما شدد على أن أي انتخابات لا بد أن تكون بالتوافق الوطني، منوهاً إلى أن الرئيس عباس لم يلتزم بالتوافق الفلسطيني الأخير لإجراء الانتخابات العامة، وقام بخرق السفينة بمفرده وألغى الانتخابات، وها هو الآن يريد انتخابات جزئية بدون هذا التوافق.

الانتخابات المحلية تحتاج إلى توافق فصائلي ومجتمعي

بدوره يرى الكاتب والمحلل السياسي د أحمد رفيق عوض في حديث لموقع "زوايا"، أن الانتخابات المحلية تحتاج إلى توافق فصائلي وتوافق مجتمعي من أجل أن تتم، ولكن من الواضح أنها تحولت إلى سبب آخر لتعزيز الانقسام لأن حماس رفضت وتقول أن هذا يحتاج إلى نوع من التوافق المجتمعي والتوافق والفصائلي. 

وأضاف عوض بأن حركة فتح أيضا تقول أن هذا استحقاق جماهيري واستحقاق دستوري وحماس من بدأت بقضية الانتخابات المحلية ووافقت عليها سابقا وأن رفض حماس مزاجي وله علاقة بتعزيز الانقسام والخ. 

الانتخابات تحولت إلى مماحكة

ويتابع عوض بأن موضوع الانتخابات تحول إلى موضوع للمماحكة، فحركة فتح لديها ما يكفي من ادعاءات قانونية وسياسية لإجراء الانتخابات، وحماس لديها أيضا ادعاءات بحيث تقول أن هذا غير صحيح وغير واجب ويجب البدء بانتخابات تشريعية وليست محلية. 

وأضاف عوض بأنه يرى كمواطن فلسطيني أولا وغير مصاب بجرثومة التطرف، بأن القضية تضاف إلى عشرات القضايا التي تعزز الانقسام وتزيده ولا تقرب من رؤية واستراتيجية واحدة في الوطن الممزق أصلاً.

حماس تتعامل كأن غزة ذات سيادة منفصلة 

من جهته قال المحلل السياسي د هيثم ضراغمة في حديث لموقع "زوايا:" اعتقد أن أي أجراء تقوم به الحكومة الفلسطينية، منذ زمن ليس بجديد حماس تعترض عليه وترفضه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن حكومة حماس تتعامل وكأنها في غزة ذات سيادة وحدها ولا تتلق تعليمات من الحكومة الشرعية المكلفة من الرئيس أبو مازن". وفق قوله.

وأشار ضراغمة إلى أن هذا الأمر يعزز من ظاهرة الانقسام ويباعد ما بين الفكر الفلسطيني والتلاحم ويجعل إمكانية الوحدة متعثرة كما كانت منذ زمن، مضيفا بأنه كان من الأجدر التفاهم بشكل أفضل ما بين الحكومة في الضفة الغربية وقيادة حركة حماس في قطاع غزة حتى يخرجوا بصيغة من شأنها أن تفضي لإجراء الانتخابات سواء بالضفة الغربية او قطاع غزة. 
التدخلات الخارجية ودورها في القضية.

اقرأ أيضاً: القيادي في حركة حماس د. يحيى موسى: ليس هناك جرأة لإجراء تعديلات جوهرية في انتخابات حماس الداخلية

يتابع ضراغمة بأن  التباعد الفكري والتدخل الخارجي لدى حركة  حماس بتصوري هو ما يجعل دائما  إمكانية التلاحم  أو الوحدة ما بين القطاع والضفة متعذراً وغير وارد وإمكانية اجراء انتخابات محلية في قطاع غزة في ظل هذا التوقيت أعتقد غير متاحة. 

ويشير ضراغمة إلى أنه ليس فقط الانتخابات المحلية معطلة بل أيضا العديد من النقابات والاتحادات لم تتيح حركة حماس المجال لها لإجراء الانتخابات مثل نقابة المهندسين والأطباء واتحاد المعلمين كلها معطلة وهذا من شأنه أن يؤدي إلى وأد الديموقراطية في قطاع غزة ويجعل إمكانية وجود حماس على كل الهيئات والنقابات والمؤسسات التي تحتاج إلى تجديد دمائها من خلال العملية الديموقراطية وفرز من يستحقون؛ تجعله حماس غير قائم بالتالي سيؤثر على أداء تلك المؤسسة في قطاع غزة. 

المصالحة حلم صعب

ويرى المحلل السياسي د هيثم ضراغمة أن هذا الحال له أثر سلبي على إمكانية تحقيق المصالحة التي باتت حلم صعب التحقيق، معتقداً إذا ما تحدثت عن المصالحة لأي مواطن فلسطيني فسوف تسمع كلاماً وكأنما تتحدث عن شيء أعمق من الاحتلال لفلسطين، أي أنه قد يذهب الاحتلال وإنما الانقسام سيبقى قائماً، وهذا يدل على أنه ليس انقسام فلسطيني فقط بل انقسام إقليمي سواء من خلال تدخلات على القيادة في رام الله أو قيادة حماس في غزة وهذا يصب في عدم مصلحة الشعب الفلسطيني في النهاية. 

حماس وافقت سابقا على إجراء انتخابات محلية على مراحل

في ذات السياق، يقول وزير الحكم المحلي مجدي الصالح في حديث لـ "زوايا":" إن حركة حماس تختلق الحجج لعدم الموافقة على إجراء الانتخابات، فهناك هيئات محلية في قطاع غزة لم تشهد انتخابات بالمطلق وهناك بلديات منذ 2005 لم يحدث فيها انتخابات، كما أن الانتخابات في عام 2005 جرت في قطاع غزة على أربع مراحل. 

وتابع :"إذا هي حجة واهية أن تقول إنها تريد الانتخابات متكاملة، الرئاسة والتشريعي والهيئات المحلية، وما هي العلاقة بين البلديات والمجلس التشريعي، خاصة أن البلديات تنتخب على أساس الهيئات المحلية ذات طابع خدماتي كحق للمواطنين أن يختاروا من يروه مناسباً من أجل خدمتهم، رغم أن الهوية السياسية للأحزاب تريد إضفاء هوية سياسية ولكن ليست هي المفصل في انتخاب الناس لمن يمثلهم". 

التعيين أضر بالخدمات  

وحسب وزير الحكم المحلي فإن تعيين مجالس للهيئات المحلية غير مقبول حتى أن حركة حماس في الفترة الأخيرة باتت تذهب باتجاه تعيين مستقلين من أجل رفع من قيمة الخدمات المقدمة في الهيئات المحلية، للمواطنين. 

وأشار الصالح إلى مراسلة مع الوكيل المعين من قبل حماس في وزارة الحكم المحلي في قطاع غزة في شهر فبراير العام الماضي قبل الاتفاق على إجراء الانتخابات التشريعية وتمت الموافقة من قبلهم بكتاب خطي على إجراء الانتخابات لـ "17" بلدية في القطاع  لقناعتهم التامة بأنه يجب التجديد. 

كيف تمول الهيئات المحلية في القطاع ؟ 

وأِشار الصالح الى أن الهيئات المحلية في قطاع غزة تمول فقط من قبل الحكومة الفلسطينية ولا تمولها حكومة حماس بأي شيء، وكافة المشاريع التشغيلية التي تقوم بها الهيئات المحلية في قطاع غزة تمول من صندوق تطوير وإقراض البلديات والتي تدفع به أيضا الحكومة الفلسطينية 10 بالمئة لكل دولار يقوم الممول بوضعه في هذا الصندوق، بالتالي الحكومة في رام الله مشاركة في مشاريع الخدمات المقدمة في المحافظات الجنوبية. 

ونبه الصالح إلى أن هناك موظفين في الهيئات المحلية لن يستطيعوا أخذ راتب تقاعدي أو مكافأة نهاية الخدمة بسبب عدم دفع مخصصاتهم لصندوق التقاعد والمعاشات، وبالتالي لا يعقل أن يخدم شخص لعمر الستين ويخرج للشارع دون مكافأة أو راتب تقاعدي. 

16 مليون دولار بعد العدوان الأخير للبلديات 

وقال الصالح إنه خلال فترة العدوان الأخير على قطاع غزة جندت الحكومة الفلسطينية نحو 16 مليون دولار للهيئات المحلية حتى تقوم بواجبها تجاه المواطنين وفي الأيام الأولى للعدوان أنفقت تلك الهيئات ما يقارب 5 مليون دولار لإصلاح واعمار الطرق وشبات المياه والصرف الصحي وغيرها من الخدمات وجميعها أموال مقدمة من الحكومة الفلسطينية، من خلال صندوق تطوير واقراض البلديات. 

كما أن أشار الصالح إلى برنامج التشغيل الذي يتم تمويله من الصندوق بقيمة 10 مليون دولار من أجل تشغيل العمال العاطلين عن العمل، وهذا له أثر في تشغيل عدد كبير من العمال وتنمية البلديات من خلال تقديم الخدمات، وتقوم الحكومة بدفع هذه المستحقات للعمال. 

عدم موافقة حماس خطأ جسيم 

واعتبر الصالح بأن عدم موافقة حماس على اجراء الانتخابات المحلية خطأ جسيم، خاصة أن الحكومة تعمدت أن تكون في المرحلة الأولى في المناطق المصنفة "ج"، وهي تنطبق فقط على 11 بلدية في قطاع غزة، لإعطاء فرصة للسياسيين بالتوافق على الانتخابات في المرحلة الثانية في كافة الهيئات المحلية في الوطن. 

وأردف الصالح:" كنت آمل أن توافق حماس من أجل إيصال رسالة إلى الكل الفلسطيني وإلى العالم بأن هذه انتخابات لخدمات من أجل المواطنين، وإبقاء الدعم متواصل للهيئات المحلية، مشيراً إلى أن عدم إجراء الانتخابات ستغير من نظرة الممولين للهيئات المحلية، خاصة أنه ليس له أي أثر سياسي، وكذلك  كنا حريصين على إبعاد صندوق تطوير وإقراض البلديات عن أية تجاذبات سياسية.

وما بين قبول السلطة التي ترأسها حركة فتح في الضفة الغربية، ورفض حماس لإجراء الانتخابات المحلية بغض النظر عن أسباب كلاهما، فإن المواطن الفلسطيني هو الذي يدفع فاتورة الخلافات السياسية بين طرفي الانقسام، خاصة وأن دور المجالس المحلية هي دور خدماتي بحت.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo