حماس..تحديات ما بعد الانتخابات

استعراض عسكري لحماس
استعراض عسكري لحماس

(1) تاريخ طويل من الصعاب والتحديات

بعد ان أتمت حركة حماس مرحلة انتخاباتها الداخلية للدورة 2021-2025 بانتخاب رئيس المكتب السياسي واعضاء اللجنة التنفيذية , ستجد نفسها أمام قائمة كبيرة من التحديات, يقف على رأسها الخروج من معضلة الانقسام الفلسطيني وتخفيف المعاناة الجاثمة على صدر قطاع غزة الواقع تحت مسئولية الحركة.

لذا فان الدورة الجديدة للحركة ملقى على عاتقها عبء ومسئوليات جسيمة, تلزمها بالخروج عن النمط التقليدي الذي لازم- ولا يزال- الحالة الوطنية لسنوات وسنوات, واجتراح حلول ابداعية تمكن من تصويب مسار القضية الفلسطينية ورسم معادلة وطنية جديدة تحرك المياه السياسية الراكدة بعد الفشل الذريع الذي دمغ مسيرة اتفاقات اوسلو.

قد لا يكون التغيير كبيرا في مجمل انتخابات الحركة الداخلية, لكن يمكن القول بان الانتخابات مرت بسلام وسلاسة ودون مفاجآت غير متوقعة.

وتواجه حركة حماس الكثير من الصعوبات والتحديات التي فرضت عليها منذ بداية نشأتها عام 1987.

وكون هذه الحركة الاسلامية التي نشأت في قطاع غزة, ارتبطت بشكل اساسي بجماعة الاخوان المسلمين فكرا وعقيدة ونهجا فقد وضعتها الكثير من الدول في مصاف جماعات الاسلام السياسي التي غالبا ما تتعرض الى التضييق والملاحقة وتقييد نشاطها وربما حظر وجودها بشكل كامل في عدد من الدول.

ولما تبنت الحركة نهج المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الاسرائيلي وضعها الغرب عموما ضمن قائمة المنظمات الارهابية والتي يحظر الاعتراف بها او التعامل معها بشكل رسمي , فضلا عن تجفيف منابعها وملاحقتها قضائيا.

وبعد ان قررت الولوج الى ساحة العمل السياسي والانخراط في النظام الرسمي الفلسطيني من بوابة الانتخابات التشريعية واجهت الكثير من التحديات والصعوبات اهمها عدم استيعاب حركة فتح لفوزها سعيها الى وضع العصي في دواليب الحكومة التي ترأسها حماس, فضلا عن مقاطعة من الكثير من الدول الاوروبية, وحتى العربية منها, وفرض قيود مشددة للتعامل مع وزراء حكومتها ومنع تقديم الدعم المالي واللوجستي لها كما كانت تفعل مع الحكومة التي ترأستها حركة فتح ما بين عامي 1994-2006.م

وبعد ان حصل الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة بسبب خلافات عميقة بين الحركة وحركة فتح , تولت حماس مسئولية قطاع غزة, ووجدت نفسها امام مزيد من التحديات والصعوبات, والتي تمثلت في قدرتها على توفير مقومات الحياة الكريمة وسبل العيش لنحو 2 مليون مواطن غزي, الكثير منهم يعيشون تحت خط الفقر, ويعانون مشاكل اقتصادية ضخمة بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة من قبل قوات الاحتلال منذ 16 عاما.

ومما زاد العبء على كاهل الحركة تخلي السلطة الفلسطينية عن القيام بواجباتها تجاه قطاع غزة, بل ذهبت السلطة الى ابعد من ذلك حينما فرضت الكثير من العقوبات والتي زادت الحياة صعوبة في قطاع غزة.

(2) خيارات كثيرة دون نتائج!!

حاولت حركة حماس ايجاد مخارج للازمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بالحالة الوطنية وخاصة أزمات قطاع غزة , ووجدت ان افضل السبل هو التوجه الى مصالحة مع حركة فتح لانهاء الانقسام وتوحيد النظام السياسي, غير ان كل جولات الحوار والمصالحة- التي امتدت لاكثر من عشر سنوات- لم تفض الى شيء, بل ازداد الحال الوطني سوءا, وظل سيف الانقسام مشهرا في وجه القضية الفلسطينية ومحدثا حالة من الضعف لم يسبق لها مثيل, استغلته اسرائيل بابشع استغلال في تجاهل- او قل اعدام- كل المحاولات لايجاد حل سياسي قائم على حل الدولتين, اضافة الى توسيع وبناء المستوطنات ومصادرة الاراضي وتغيير معالم القدس وفرض وقائع احتلالية في الضفة الغربية , فضلا عن تشديد الحصار على قطاع غزة.

وبسبب فشل الحوارات الوطنية عمدت حماس الى تركيز جهودها على اصلاح الواقع الاقتصادي والانساني في قطاع غزة, من خلال ابرام تهدئة مع الاحتلال بوساطة مصرية, سمحت بدخول المواد الحيوية لقطاع غزة وتوسيع مساحة الصيد البحري وادخال المنحة القطرية التي دعمت الاسر الفقيرة وساهمت في تحسين ظروف الكهرباء وكذلك رواتب موظفي قطاع غزة.

غير ان هذه الاجراءات لم تغير كثيرا من الحالة المعيشية الصعبة في قطاع غزة وان نجحت في ابقاء القطاع واقفا على قدميه, وبقيت الخدمات الاساسية مثل الامن والصحة والتعليم تعمل بشكل جيد.

هذه الإجراءات ظلت متأرجحة دوما بسبب حالة التوتر التي كانت تخيم على العلاقة بين حماس واسرائيل , فتارة تعمد اسرائيل الى توسيع التسهيلات وتارة تمنعها وتارة تحظر بعضا منها.

كانت اسرائيل تستغل الضائقة الانسانية في قطاع غزة لتفرض المزيد من القيود على حركة حماس وعلى مواطني غزة بهدف ابقاء القطاع دوما تحت رحمة الاجراءات الاسرائيلية والضغط على حماس كي توقف تهديدها بقصف المدن الاسرائيلية او استخدام البلالين الحارقة ضد مستوطني غلاف قطاع غزة.

وقد تعددت المواجهات بين اسرائيل وحركة حماس في مناسبات ومواقع عديدة, وصلت ذروتها الى شن اربعة حروب عسكرية واسعة ضد القطاع خلال عشر سنوات, اوقعت عشرات الالاف من الشهداء والجرحى, فضلا عن تدمير مئات الالاف من الوحدات السكنية والمنشآت الاقتصادية , الامر الذي كان يعيد حالة قطاع غزة الى نقطة الصفر, ويعيد الجدل حول اعادة اعمار القطاع وتقييد هذا الاعمار بشروط قاسية من قبل دولة الاحتلال مثل الافراج عن جنودها المحتجزين في قطاع غزة والذين تم اسرهم اثناء حرب عام 2014.

ورغم تدخل الكثير من الوسطاء المحليين والدوليين لتثبيت حالة الهدوء في القطاع وتخفيف وطأة الحصار عن قطاع غزة, الا ان جمود الاوضاع السياسية واستمرار اسرائيل في ممارساتها الاستفزازية خاصة في الضفة الغربية والسماح لليهود المتطرفين باستباحة المسجد الاقصى كان يعيد التوتر والاحتقان مرة اخرى الى الواجهة وتكرار مسلسل العدوان الدموي على قطاع غزة مرة بعد مرة.

(3) مواجهة خطر الانقسام

قبلت حماس ان تتبنى خيار الانتخابات التي اصر الرئيس ابو مازن على فرضها باعتبارها المدخل الصحيح لإنهاء الانقسام واعادة توحيد النظام السياسي, غير ان هذا الخيار واجه طريقا مسدودا بعد ان اصرت اسرائيل على عدم السماح باجراء الانتخابات في القدس, رغم القناعات التي تولدت لدى حماس بان جزء من مسئولية الغاء الانتخابات يقع على عاتق السلطة التي لم تبد جدية كبيرة في مواجهة الاجراءات الاسرائيلية.

كان من الواضح ان اسرائيل جعلت من أولوياتها الاستراتيجية ابقاء الانقسام الفلسطيني قائما ومتجذرا, ومنع أي محاولة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني , لهذا عملت على تغذية هذا الانقسام بوسائل عديدة وسياسات قامت على الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال اجراءات ممنهجة ومتسلسلة , كما عملت على اضعاف السلطة وتقليل تأثيرها وحضورها السياسي, وفي المقابل استمرت في تشديد العقوبات على حركة حماس وقطاع غزة.

إن أخطر ما يمزق النسيج الفلسطيني ويقوض اركان الوحدة الوطنية ويمنح دولة الاحتلال فرصة ذهبية للتمدد في المحيط العربي هو مرض الانقسام المرعب الذي لم يجد له دواء للان.

(4) الخروج عن النص

تحاول حركة حماس ان تجد مخرجا من الازمات السياسية المتلاحقة وحالة الضغط المستمر عليها من قبل دولة الاحتلال وعزوف السلطة عن مسار المصالحة , لكن هذا المخرج ليس واضحا ما اذا كان ضمن الخيارات التقليدية التي تم تجريبها في السنوات الماضية مثل العودة الى مسار المصالحة الوطنية او البدء باصلاح منظمة التحرير او بتشكيل حكومة وحدة وطنية.

غير البعض اصبح يتحدث ان هذه الخيارات التي جربت على مدار عقود لم تعد تصلح وانه يجب البحث عن خيارات(استثنائية) تعيد الاعتبار الى الحالة الوطنية وتزيل ظواهر التململ الشعبي والاحباط السياسي الذي خيم على الفضاء الفلسطيني بشكل عام.

بعد معركة (سيف القدس) والتي سجلت في حركة حماس تطورا نوعيا في المواجهة المسلحة وفي ضعضعة صورة اسرائيل النمطية, وفي توسيع شعبية الحركة في اوساط الفلسطينيين, ارتفع الحديث مرة اخرى عن اعادة ترتيب الحالة الوطنية واستغلال الموقف العربي والدولي في تصويب مسار القضية الفلسطينية, لكن يبقى السؤال المهم الذي عجز الفلسطينيون عن الاجابة عنه : كيف!!

لا شك بان الحيرة تضرب اطنابها في كل جوانب المجتمع الفلسطيني, مما يدفع البعض الى الاستعجال في تبني خيارات سريعة وغير مدروسة للخروج من دوامة الدوران حول الذات, وهذه اثبتت فشلها في معالجة أي من القضايا الوطنية وفي دفع سفينة الوطن الى بر الامان.

حركة حماس يقع على عاتقها واجب كبير في تقديم اجوبة للكثير من الاسئلة المطروحة على طاولة الهموم الفلسطينية , كونها حركة كبيرة وذات امتداد شعبي واسع ولها من العلاقات الاقليمية والدولية التي تؤهلها للقيام بدور كبير في تقديم معالجات للمعضلة الوطنية.

ربما هذا يتطلب من حركة حماس دورا اكبر في المبادرة وتقديم الاقتراحات الوطنية وتحشيد الفلسطينيين لصالح مخارج واقعية وعملية, وبلا شك ان رصيد حماس الوطني وعلاقاتها الجيدة مع القوى والفصائل الفلسطينية يمكنها من طرح مبادرة وطنية شاملة تمثل القاسم المشترك للكل الوطني.

وحتى لا يكون تشوش وتشوه في الصورة التي روجها البعض حول سياسات حماس وسعيها الى الاستفادة من الانقسام او بناء كيان مستقل في قطاع غزة, فان الحركة تعتمد في حراكها الوطني على مبادئ رئيسة مثل قناعتها انه لا خيار لاعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية سوى استعادة الوحدة الوطنية الحقيقية القائمة على الشراكة وتوحيد النظام السياسي, وانه يجب الاتفاق على برنامج وطني يشكل قاسما مشتركا لكل القوى السياسية, كما تؤكد حماس انه ليس في نيتها ولا من مصلحتها اقامة كيان سياسي منفصل في قطاع غزة, وانها على استعداد لان تلتقي مع القوى السياسية , وعلى رأسها حركة فتح, لايجاد صيغة وطنية جامعة.

من هنا اقول ان الفرصة قائمة, واوراق القوة لدى الفلسطينيين وفيرة, لكن نحتاج من يدق الجرس اولا.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo