خطاب "استعراض القوة" من غزة.. بين توازن إيجابي ومبالغة سلبية

الفصائل الفلسطينية
الفصائل الفلسطينية

 


  • د. مشير عامر: الخطابات الاستعراضية حالة طبيعية، ولكن من الضروري التوازن وعدم المبالغة في إظهار القوة.

  • د. نشأت الأقطش: ترويج البعض للنصـر أمر خطيرٌ، والعدو يتقن فن تقمص الضحية الذي لا نتقنه رغم أننا الضحايا.

  • الناشط حسن الداودي: الخطاب الذي يصور غزة كـ "كوريا الشمالية" يضرّ الشعب الفلسطيني أكثر مما ينفعه.


  •  

 

تنتشرُ إبان كل عدوانٍ وحربٍ على قطاع غزة تصريحات لقيادات المقاومة والفصائل الفلسطينية عبر وسائل الإعلام الفلسطينية، تتغنّى بالمقاومةِ الفلسطينية، وتستعرضُ قوتها العسكرية، والتي من شأنها أن تصل لكل المحافل محليًا وعربيًا ودوليًا.

 

 

وتستعرض "زوايا" أثر هذه التصريحات على القضية الفلسطينية والاحتلال والرأي العام العالمي، ولا سيما في ظل الثورة التكنولوجيـّة الإعلامية المتصاعدة.

 

 

 

حالة طبيعية، ولكن

 

 

 

وقال الخبير في الخطاب السياسي ولغة وسائل الإعلام والترجمة، الدكتور مشير عامر أن الخطابات تنقسم إلى مستويين، الجزء الأول يتعلق بالساحة الفلسطينية ومهمته رفع الروح المعنوية، لا سيما أن قطاع غزة تعرض لحربٍ مدمرة وإجرامية، يلزم معها تجييش الحالة الفلسطينية والتأكيد على صمودها، وعلى حماسة الحاضنة الشعبية الفلسطينية"، معتبرا أنها "حالة طبيعية" وليست مستغربة وتستخدم في الحروب كافة.

 

 

وبينّ عامر خلال حديثه لـ "زوايا" أن المتحدثين السياسيين في الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، يعملون بشكل أساسي على تعزيز الجبهة الداخلية وحمايتها من أي عوامل انكسار وخوف واندحار.

 

 

خاص لـ”زوايا”: فريق وزاري برئاسة اشتية يتولى إعادة الإعمار بالتنسيق مع مصر

 

 

وتعمل خطابات الاستعراض على صد هجمات الاحتلال الذي يسعى إلى ترهيب المجتمع الفلسطيني، ويشن حربًا دعائية تحاول انتزاع الحاضنة الشعبية الفلسطينية للمقاومة والضغط عليها، كما يقول عامر.

 

 

وفي مهمة أخرى، تستهدف هذه الخطابات الاحتلال نفسه، من أجل تحقيق مكاسب ونقاط معينة، وتبيان مدى قدرة الشعب الفلسطيني على القوة والصمود ورد الصاع بصاعين وتحقيق مكاسب معنوية ومادية.

 

 

كما تستهدف العالم العربي والإسلامي، من أجل زيادة الالتفاف الجماهيري حول المقاومة، والاطمئنان عليها، وهذه جملة من منافع هذا الخطاب التي عددها "عامر".

 

 

 

مردود سلبي

 

 

 

لكنه نبه إلى ضرورة التوازن وعدم المبالغة في إظهار القوة واستعراضها خطابيًا، لما له من أثر معكوس، ويضعف التأثير، كما أن تكرارها في كل وقتٍ وحينٍ يصبح كـ "الأسطوانة المشروخة".

 

 

وأكد  "عامر" على ضرورة الخطاب الوطني القائم على المظلومية أمام الاحتلال، وامتلاك الاحتلال آلة عسكرية عاتية مجرمة تفوق قدرات الشعب الفلسطيني والمقاومة، وليس وضع رأس المقاومة برأس الاحتلال عسكريًا وتبيان أنها دولة مقابل دولة.

 

 

لأن هذه الخطاب الاستعراضي يؤدي من زاوية أخرى إلى تقديم صورة متناقضة للمدافعين عن القضية الفلسطينية أمام صور تدمير الأبراج والبيوت بأحدث الأسلحة، وصور القتل الجماعي والهمجي بحق الشعب الفلسطيني، كما أوضح عامر.

 

 

 وأضاف: "من شأن ذلك إضعاف التأييد في المحافل الدولية وأمام الجمهور والرأي العام العالمي"، مشددا على ضرورة تقديم صورة للرأي العام على أسس أن الشعب يعيش تحت احتلال مجرم وغير قانوني.

 

 

 

التوازن مطلوب

 

 

 

وأشار إلى أهمية الموازنة بين خطابي المظلومية والتركيز عليه دوليًا، وإظهار استهداف المدنيين، وخطاب الرد بقوة والاستعراض.

 

 

وقال: "هذا يحتاج من المتحدث باسم المقاومة أن يكون أكثر حرصًا، بعدم تقديم معلومات واضحة وكثيرة قد يفهم منها المساواة بين الضحية والجلاد في القوة".

 

 

وحول مبرر أن الحديث يكون باللغة العربية ولوسائل إعلام محلية وعربية، قال: "الأمر ليس محصورًا على الإعلام المحلي والعربي، فما يتم الحديث به يتم ترجمته ويصل لكل المحافل الدولية والرأي العام العالمي، فيجب أن يكون التصريح على قدر من المسؤولية".

 

 

 

الاحتلال يستغلها عسكرياً وقانونيًا

 

 

 

ورأى أن التصريحات الحالية التي بالغت بالقوة وإظهار التسليح العسكري بعد جولة الحرب الرابعة على غزة وإبانها، مبالغ فيها وغير مجدية وغير مؤثرة ومتناقضة، وتؤثر على حالة التضامن ومناصرة الشعب الفلسطيني على أساس القانون الدولي واحترام حق الشعب الفلسطيني في المقاومة المُكره عليها في ظل الجرائم الإسرائيلية المتكررة على الشعب الفلسطيني".

 

 

وقال: "يجب أن نتدارك التصريحات المبالغة، وأن تكون على قدر معقول، فنحن لا نقاتل في ساحة عسكرية فقط، بل في ساحة إعلامية تصل لكل العالم"، مشيرا إلى أن بعض التصريحات قد بررت للاحتلال استهداف مناطق في قطاع غزة، وقدمت له معلومات مجانية قد تستخدم كدعاية مضادة للشعب الفلسطيني في الحروب القادمة، أو كأوراق ضغط إعلامية لتشويه المقاومة وتبرير جرائمه".

 

 

 

الترويج للنصرِ خطيرٌ

 

 

 

من ناحيته، يؤكد أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت برام الله، نشأت الأقطش، أن القوي لا يحتاج إلى خطاباتٍ لكي يثبت أنه قوي، إنما تهدف هذه الخطابات إلى رفع الروح المعنوية، وهذا ما حصل في العدوان الأخير على غزة، لا سيما بعد القصف غير المألوف لمدن الاحتلال، واستهداف الجيبات العسكرية عبر الحدود.

 

 

واعتبر خلال حديــثه لـ "زوايا" أن ترويج البعض للنصـر أمر "خطير"، لأن النصر حسب وصفه، يتحقق بكنس الاحتلال وعملائه، مشيرًا إلى أن المقاومة صمدت في عدوان الاحتلال خلال الأعوام (2008-2009، 2012، 2014،2021) وحققت بطولة وصمودًا وليس نصرًا.


اقرأ أيضاً: بعد أربع حروب.. أطفال غزة غارقون في الاضطرابات النفسية

 

 

وقال "الأقطش" "مجرد أننا صمدنا ولم نهزم ولم نرفع الراية فهذا ليس نصر، بل هذه بطولة أسطورية قللت من هيبة الاحتلال ورفعت معنويات شعبنا".

 

 

وأشار إلى أن أجهزة إعلام الاحتلال حاولت استغلال "الخطاب الاستعراضي"، ولكن بشاعة وغباء الاحتلال لم تنجح في ذلك، إذ اتضحت حقيقته أكثر بعد استهدافه برجا يحوي على مكاتب إعلامية من بينها وكالات أمريكية.

 

 

وأسِف لتقديم البعض معلومات مجانية للاحتلال، نبعت من نشوة الشعور بـ"الانتصار"، منوهًا أن الاحتلال يقتل الفلسطينيين ويروج أنه الضحية، ويذبح الأطفال وهو يبكي (..) ونحن كعرب لا نتقن هذا الخطاب مطلقًا، نحاول الظهور بدور البطولة حتى وإن كنا ضحايا".

 

 

وبشأن الرأي العام العالمي تجاه قضية فلسطين، قال: "حجم الحقائق التي نقلت عبر منصات وسائل التواصل والإعلام التقليدي لا يمكن إنكارها من قصف عشوائي وقتل المدنيين وتدمير الأبراج"، لافتًا إلى أن "إسرائيل" فقدت البوصلة الدعائية التي تحكموا بها على مدى القرن، وخسرت المعركة الإعلامية، كما ظهر في موجة التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية.

 

 

وأضاف: "من الممكن أن يستغل الاحتلال الخطابات الاستعراضية، لكن لا يجرؤ للذهاب بها إلى المحاكم الدولية، لأن لدينا القدرات لمحاكمته دوليًا على جرائمه الواضحة والبشعة بحق الشعب الفلسطيني".

 

 

ورأى أن صورة الفلسطينيين وحقائق القضية الفلسطينية لم يوصلها "لا فتح ولا السلطة ولا حماس"، بل وصلت بالدم وبجهود أفرادٍ من الشعب الفلسطيني الذي بدأ يتناقلها ويوصلها للعالم.

 

 

 

"لسنا كوريا الشمالية"

 

 

 

واتفق الناشط حسن الداودي، صاحب ورقة بحثية حول مستقبل الدبلوماسية الرقمية الفلسطينية وتطويرها، مع ما ذهب إليه "عامر" و"الأقطش" من أن الخطاب الذي يصور غزة كـ "كوريا الشمالية" حسب وصفه، يضرّ الشعب الفلسطيني أكثر مما ينفعه.

 

 

ويرى أن تأثير هذا الخطاب يقتصر على رفع الروح المعنوية للجبهة الداخلية، أما عند مخاطبة العالم فيجب التركيز على أننا شعب فلسطيني أمام قوة احتلالية تصنف الرابعة عالميًا يقابلها الفلسطينيون بالوسائل البسيطة وحق المقاومة، مستشهدا بمثال أن "صواريخنا لا تستطيع مجابهة الطائرات الحربية الإسرائيلية".

 

 

واستدل بأن توجيه خطاب القوة كمثل "وجهنا 400 صارخ لعسقلان تشعر المتلقي الأوروبي بالصدمة، الذي لا يعلم الحجم التدميري لهذه الصواريخ التي تسقط على مدينة للاحتلال".

 

 

وطالب بالتركيز على رواية "المظلومية، لكيلا تدع فرصة للعدو بالبطش بنا، وتبييض صورته وهو يرتكب أعتى الجرائم بحق الشعب الفلسطيني".

 

 

 

مليار دولار لمحاربة نشطاء فلسطينيين

 

 

 

وقال" استطعنا في تصعيد الشيخ جراح وغزة، من خلال النشطاء وليس الإعلام الرسمي والفصائلي، أن نوصل رسالة حقيقية للغرب، وكسبنا جيلًا جديدًا من المتعاطفين الأوروبيين وفي القارتين الأمريكيتين من خلال استعراض مسلسل الإجرام بحق الفلسطينيين، وتعزيز الرواية الفلسطينية".

 

 

وأضاف: "السفراء الفلسطينيون يلاموا على تقصيرهم، فيما خطاب النشطاء الفلسطينيين عبر منصات التواصل وبمجهوداتهم البسيطة كان ممتازًا، واستطاعوا التأثير على الوعي الأوروبي، والذي انعكس على أرض الواقع بمسيرات تضامنية في مدن تخرج للمرة الأولى نصرة لفلسطين، ومن الممكن البناء عليها".

 

 

وفي إشارة إلى حجم المعركة الإعلامية وإدراك الاحتلال مدى تأثير الفلسطينيين في الرأي العالمي، ذكر الداودي أن خارجية الاحتلال الإسرائيلي رصدت مليار دولار، لمحاربة نشطاء منصات التواصل، الذين ينشرون ويعززون الرواية الفلسطينية، وهذا دليل على تأثيرهم الكبير في مجابهة رواية الاحتلال.


معتز عبد العاطي- خاص زوايا

 

 

مواضيع ذات صلة

atyaf logo