قوة الرواية ورواية القوة

القضية الفلسطينية
القضية الفلسطينية

لم تحظى القضية الفلسطينية منذ سنوات طويلة بتغطية إعلامية واهتمام عالمي واسع مثلما هو حالها الآن، والعيون الإعلامية التي كانت لا ترى إلا جانباً أصبحت فجأة ترى جانبين، وكأن عملية جراحية أجريت لها أزالت غشاوة متأصلة، فأصبح ضوء الشمس أقوى، وما عاد الغربال يغطي منها شيئاً.

والدلائل على ذلك كثيرة، شملت كل أصقاع الأرض، حتى بلاد ( الأنكل سام ) التي طالما كان الإعلام فيها مكبل بقيود اللوبي الصهيوني ذو النفوذ والتأثير الواسع على أغلب شبكات الإعلام، فقد بدأت تفك بعض من هذه القيود، وتغيرت لغة خطاب كبرى وسائل الإعلام فيها، حيث تشرت صحيفة نيويورك تايمز، وهي الصحيفة الثانية في عموم الولايات المتحدة، نشرت نهاية أيار الماضي على صدر صفحتها الأولى صوة للشهداء الأطفال في العدوان على غزة، وعلقت بعبارة ( كانوا مجرد أطفال )، في دلالة واضحة على إدانة استهداف الاحتلال للأطفال والمدنيين والمباني السكنية، وهي خطوة ذات دلالة على تغيير في توجهات وسائل الإعلام.

تبع ذلك، رسالة وقعها مائة واثنان وخمسون صحفياً أمريكياً، بعضهم يعمل مع وسائل إعلام كبرى، مثل وول ستريت جورنال ولوس انجلوس تايمز وواشنطن بوست، طالبت بتغطية أكثر مهنية وانصافاً للقضية الفلسطينية، واشارت الى ضرورة رؤية الفضائع التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، مشيرة إلى تقرير هيومن رايتس ووتش حول نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.

ومع منتصف حزيران الجاري امتدت الرسالة إلى أوروبا حيث وصل عدد الموقعين عليها إلى اكثر من مئتين وخمسين صحفياً.

وإن كانت التحولات في الإعلام الأمريكي قد تأثرت بحركة المواطنين ذو البشرة السمراء، التي يمارس النظام الأمريكي تمييزاً واضحاً ضدهم، وخاصة في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بعد صرخة المواطن الشهيرة ( آي كانت بريث ) لا أستطيع التنفس، التي أطلقها مواطن من ذوي البشرة السوداء اعتقلته الشرطة الأمريكية بوحشية أدت إلى مقتله، والتي قادت إلى تعاطف واضح مع الفلسطينيين الذين يعانون أيضاً من الإنحياز الأمريكي الواضح لصالح الاحتلال، فإن التحولات في الإعلام الأوروبي ناجمة عدالة القضية الفلسطينية، وقوة الرواية التي يطرحها الصحفيون الفلسيطنيون والنشطاء على وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي، والمشاهد التي بات يراها كل العالم، ويرى دون حاجة للشرح شراسة العدوان الاحتلالي على الشعب الفلسطيني، واختلال ادوات القوة بين الحجر والرصاص والقذائف.

وفي خط مواز، فان اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على الصحفيين ووسائل الاعلام قد قفزت كماً ونوعاً خلال ذات الفترة، فقد طال القصف الاسرائيلي والعدوان على غزة، مقار أكثر من ثلاثين وسيلة إعلام في غزة دمرت بالكامل، ونحو عشرين أخرى طال مقارها أضرار جزئية، وبما شمل وسائل إعلام أجنبية وعربية معروفة عالمياً، كما طال القصف منازل صحفيين ما أدى الى استشهاد الزميل يوسف أبو حسين وإصابة صحفيين آخرين بشظايا القذائف، وفي الضفة الغربية بما فيها القدس، فإن مئات مئات الإصابات والاعتداءات ومنع الصحفيين والصحفيات من التغطية والعمل بحرية قد سجلت، وبعضها وثقت على الهواء مباشرة، خاصة في حي الشيخ جراح وباب العمود حيث حشود الصحفيين.

معركة الرواية، لم تقتصر هذه المرة على الاعتداءات والانتهاكات المباشرة من قبل الاحتلال، بل اصطف مع الاحتلال إدارات مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، التي باتت لاعباً مؤثراً وأحد أطراف قمع الحريات، وإن كان ذلك تحت يافطة الشروط والمعايير التي تحددها هذه المواقع، وهي معايير يمكن كيلها بمكاييل مختلفة.

فيما وثق خلال أربعين يوماً أكثر من سبعمائة انتهاك وحدف محتوى وإغلاق صفحات وحسابات لصحفيين ونشطاء فلسطينيين، بما في ذلك إغلاق حسابات صحفيين على منصة واتساب للتواصل الداخلي والبيني، وشملت الانتهاكات مختلف مواقع التواصل مثل فيسبوك وتوتير ويوتيوب وواتساب وتيك توك وانستغرام، وهي مواقع تدار في أغلبها من شركات أمريكية منحازة للاحتلال، وترضخ لمطالباته بحذف كل ما يمسه، أو ما يعزز الرواية الفلسطينية.

وفي المقابل فإن التحريض الاحتلالي العنصري على الشعب الفلسطيني من مستوطنين، وصحفيين معروفين، وصل حد الدعوة للقتل، لم يمس ولم يحذف.

كما امتدت معركة الرواية إلى وكالات الأنباء العالمية الكبرى العاملة في الاراضي الفلسطينية، حيث باتت هذه الوكالات تمارس تضييقاً على الصحفيين الفلسطينيين العاملين لديها، خاصة المكلفين بتغطية الشأن الفلسطينين، وتعرض العديد منهم إلى إجراءات إدارية وتهديد بالوقف عن العمل، فيما كان الانتهاك الأشد فظاظة هو فصل نقيب الصحفيين الفلسطينيين من عمله في وكالة الصحافة الفرنسية الذي امتد لأكثر من عشرين عاماً.

هي إذن معركة مفتوحة، خشنة أحياناً وناعمة احياناً أخرى، بين قوة الرواية الفلسطينية المسنودة لحق الشعب الفلسطيني في حريته وتقرير مصيره، ورفض ومقاومة الاحتلال وممارساته، وبين رواية القوة والبلطجة التي يمارسها الاحتلال الاسرائيلي وداعميه ومؤيديه، معركة لا سقف لها، تمتد منذ أن كان الصراع وحتى نهايته، تتصاعد وتيرتها حيناً، وتخبو أحياناً.

المصدر : خاص- زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo