حماس بعد الحرب.. أقرب لإيران أم لعمقها العربي؟

خامنئي يلتقي هنية
خامنئي يلتقي هنية

يُجمع مراقبون أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة فرضت معادلات جديدة في الداخل الفلسطيني والإقليم والعالَم. لكن ليس محسوماً حتى اللحظة إن كان هذا سيُلقي بظلاله على علاقة حركة حماس المتنامية مع إيران على حساب انكفاء الحركة عن عمقها العربي.

وقد عزز هذا الاستفهام بشأن مآلات علاقة الحركة بإيران ومحورها في المنطقة، بعد تصريحات عديدة لقيادات في حماس لا سيما يحيى السنوار، إذ أعلنت شكرها للدعم الايراني، ومروراً بلقاء ممثل حركة حماس في صنعاء معاذ أبو شمالة، أحد قياديي جماعة "الحوثي" محمد علي الحوثي، وتقديم هدية له "تقديراً على مواقفه تجاه الحركة".

بيدَ أن حماس عادت وأصدرت بياناً رسمياً عبرت فيه عن حياديتها في الأزمة اليمنية، وأن ما قام به القيادي فيها أبو شمالة مجرد موقف شخصي لا يعبر عن الرؤية الرسمية للحركة التي ترفض الاصطفاف إلى جانب أي من الأطراف اليمنية.

هذا إن علمنا أن حزب "الإصلاح" الاخواني اليمني تُغضبُه علاقة حماس مع جماعة الحوثي المدعومة من إيران، بل أن إخوان اليمن كما الكثير من الأذرع الإخوانية في العالم كانت تتحفظ دوماً على علاقة "حماس" بإيران.

الخبير بالجماعات الإسلامية د.حسن أبو هنية قال في حديث خاص بموقع "زوايا" إن نوعاً من القطيعة شهدتها علاقة "حماس" بدول عربية منذ أحداث الربيع العربي التي اندلعت قبل عقد من الزمن؛ لدرجة أن بعض هذه الدول لا سيما الخليجية منها صنفت حماس ب"الإرهابية".

بينما تعاملت كل من مصر والأردن مع الحركة بنوع من القطيعة، قبل أن تعود القاهرة وتحسن علاقتها بحماس في السنوات الاخيرة نتيجة دور الأخيرة في تقديم المساعدة الأمنية للقاهرة التي كانت مهمة في معالجة قضية الجماعات السلفية في سيناء، كما يقول أبو هنية.

رد فعل لعزلة "حماس" عربيا

بكل الأحوال، قطيعة دول عربية مع حماس، دفعت الأخيرة إلى المحافظة على العلاقة مع إيران، خاصة أنه لا يوجد لـ"حماس" عمق استراتيجي في البعد العربي، رغم أن العلاقة بين الحركة وإيران تضررت في الشق السياسي، بسبب موقفها من النظام السوري، ونقل حماس مقر مكتبها السياسي إلى قطر.

ولكن بالنتيجة، وفق حسن أبو هنية، فإن كل هذه التطورات في السنوات الماضية أدت إلى عزلة "حماس" عن الوطن العربي وعن السلطة الفلسطينية، ما جعلها تتمسك بعلاقتها مع إيران على الأقل في الشق العسكري.
اقرأ أيضا: “زوايا” تكشف خبايا فشل عقد حوار الفصائل الفلسطينية بالقاهرة

وتابع هنية "بعد الحرب الاخيرة على غزة شاهدنا نوعا من الغزل المصري الذي بدأ ينظر إلى غزة مرة أخرى ويعيد التوازن من منظور الأمن القومي المصري باعتبار أن القطاع بمثابة الحديقة الخلفية لهذا الأمن".

غير أنه حتى اللحظة لا يوجد يقين في هكذا علاقة بين مصر و"حماس"، كما يعتقد حسن أبو هنية؛ خاصة وأن أمريكا ودول عالمية أخرى، لا تزال تتعامل مع حماس كـ"منظمة إرهابية".

وبالتالي فإن معظم الدول العربية مرتهنة بقراراتها في هذا الشأن بالرؤية الامريكية، بحسب أبو هنية، وهو ما يجعل حماس تشدد في تصريحات عديدة من قياداتها على علاقتها مع إيران.

تغير علاقة حماس بإيران رهن الدول العربية والعالمية

ولهذا، يؤكد أبو هنية أن تغير علاقة حماس بإيران رهن بالدول العربية والعالمية.

لكنّ الدول العربية ليست مستعدة للتعامل مع حماس كحركة بديلة للسلطة الفلسطينية، أو على الأقل تتعامل معها ضمن منطق التوازن بينها وبين السلطة في رام الله المعترف بها دولياً.

بهذا المعنى، يرى أبو هنية أن حماس ستبقي على علاقتها مع إيران؛ لأنها تعلم طبيعة المعادلة للأنظمة العربية، خاصة مع انعدام أي تغيرات لافتة في موقف الدول العربية اتجاه حماس.

لكن.. هل ستبقى علاقة "حماس" مع إيران بنفس مستواها في السنوات الأخيرة، أم تتطور أكثر بعد حرب غزة؟

يقول خبير الجماعات الإسلامية حسن ابو هنية في حديثه لـ"زوايا" إن الإجابة على هذا السؤال مرتبطة بأكثر من عامل؛ أولها الجدل الدائم داخل حركة حماس خاصة بين المستوى العسكري والسياسي حيال العلاقة مع إيران ومستوياتها وطبيعتها.

وأضاف: "نعلم أنه حتى عندما كانت علاقة حماس بإيران في أسوأ حالاتها بعد خروجها من دمشق، بقيت كتائب "القسّام" الجناح العسكري للحركة على علاقة مباشرة مع الحرس الثوري الايراني؛ بمعنى لم تنقطع على مستوى التنسيق العسكري، وإن كان الدعم الإيراني لحماس قد انخفض. فعلاقة "حماس" بالمجال العسكري مع طهران بقيت بشكل جيد من منطلق مصلحة الطرفين.

ثلاثة عوامل لن تُطوّر علاقة "حماس" بإيران أكثر

وهنا، يعتبر أبو هنية أن العامل المتمثل بوجود تيار في "حماس" يرفض من الناحية الايديولوجية والسياسية أن تتطور العلاقة مع ايران أكثر مما هي عليه الآن مع المحافظة على مستوى معين من المساعدات.

فضلاً عن أن جماعة "الإخوان المسلمين" العالمي لطالما انتقدت "حماس" بسبب علاقتها مع ايران، لا سيما جماعة "الاصلاح" الإخوانية اليمنية التي تخوض صراعاً ضد جماعة "الحوثي" المدعومة من طهران.

بالتالي فإن "الإخوان" العالمي وتيار في "حماس" يكبح تقدم "حماس" أكثر باتجاه إيران رغم القطيعة مع البعد العربي، فهذا التوجه يرفض أي علاقة عضوية مع الجمهورية الاسلامية والإبقاء على علاقة "الضرورة والمصلحة".

لا تغيرات جوهرية عربياً وعالمياً نحو حماس

وأما الأمر الثاني، فيتمثل بالعامل العربي وموقف العواصم العربية من حماس، حيث أنه يؤث على علاقة الحركة بإيران.

وشدد أبو هنية في هذا السياق على أن حماس تعلمت، خاصة ذراعها العسكري، درسا كبيرا مفاده "أن قطع العلاقة مع ايران لن يؤدي إلى تحسنها مع معظم الدول العربية، خاصة أن بعضها قد صنفها كحركة إرهابية".
اقرأ أيضا: نقاط ضرورية على جدل المقاومة في فلسطين ومحور إيران

وهنا يظن أبو هنية أنه في حال تحسنت علاقتها مع الدول العربية، فإن حماس يمكنها على الأقل أن تفكر بإعادة ترتيب العلاقة مع إيران.

لكنه يعود ويقول إنه رغم وجود بوادر شكلية لذلك، إلا أن حماس تدرك أن العديد من الدول العربية تفتقر إلى القرار "السيادي" في طريقة تعاملها مع القضية الفلسطينية، على حدّ قوله.

بالمحصلة، يستبعد أبو هنية أي تغيرات ملموسة حتى الآن بالوسط الإقليمي والدولي مع حماس، وإن سمعنا أصواتا أوروبية تدعو إلى إدماج حماس في أي حل مستقبلي، وفتح قنوات اتصال معها.

الانقسام الفلسطيني

بينما يتمثل العامل الثالث الذي يحكم علاقة "حماس" بإيران بالانقسام الفلسطيني؛ موضحاً أن تأجيل لقاءات الفصائل الفلسطينية التي كانت مقررة في القاهرة هذه الايام، يعني أن الهوة عميقة بني فتح وحماس.

وهو ما رآه ابو هنية محاولة دولية مرة أخرى لإعادة الأمور لما كانت عليه وهو عزل حماس، وهو ما يجعل الحركة تبقي على علاقة استراتيجية مع إيران رغم التغيرات الشكلية لا الجوهرية من بعض الدول العالمية. وبالتالي لن تغامر بقطع العلاقة مع إيران أو تخفيضها بوتيرة أقل.

علاقة "الضرورة"

ويقرّ الخبير بالجماعات الإسلامية أن أحد أهداف الدور المصري هو كبح أي تأثير إيراني أكبر على غزة.

غير أنه أوضح أن مصر تنظر إلى غزة كحديقة خلفية لأمنها القومي، وهي تدرك أن علاقة حماس مع ايران هي "علاقة ضرورة"؛ لأن الحركة بالنهاية موجودة بمحيطها العربي، لكنها تريد البقاء وفرض نفسها في الساحة من خلال مساعدات إيرانية.

بينما لا تستطيع القاهرة أن تقوم بدور إيران لتقديم نفس المساعدة؛ نظراً لحسابات مصرية مختلفة، علاوة على أن الدور المصري منسق إقليمياً ودولياً على أساس حفظ الاستقرار في المنطقة وإتاحة الفرصة لعملية السلام، وليس تقديم دعم لحماس والفصائل الفلسطينية.

بيدَ أن أبو هنية وصف مصر بأنها أكثر الدول العربية توازناً في العلاقة مع حماس، نظراً لأن همها الرئيس منع أي فوضى في قطاع غزة من شأنها أن تضر بالأمن المصري.

كما تدرك مصر أن القضاء على حماس يعني أن البديل حالة من الفوضى في قطاع غزة وسيناء ما يوفر مناخاً "مُلائماً" للمنظمات الجهادية لكي تستغله وتضر بالأمن القومي المصري.

الحال، أن دور مصر وعلاقة حماس بقطر وتركيا هي عوامل تكبح أي لإمكانية لحدوث علاقة عضوية بين الحركة وايران، وأن تبقى في حدود علاقة "الضرورة"، دون أن تتطور إلى أبعد من ذلك بعد حرب غزة، بالرغم من أن الاخيرة قد فرضت معادلات جديدة في طريقة التعاطي الدولي مع المسألة الفلسطينية والعناصر الفاعلة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

 "إيران ليست وحدها مَن ساعد غزة"

من جهته، عبر رئيس مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية د.عمر الحسن عن أمله بعودة حماس الى الوضع الطبيعي بحيث تتعامل مع الجميع بمنطق متساوٍ؛ إذ أن إيران الوحيدة التي تقف الى جانب غزة.

 وتابع: "صحيح أن طهران ساعدت حماس، لكن طهران معادية لدول كثيرة بالوطن العربي. وبالتالي، فإن المساعدة الإيرانية لا تصب في صالح المقاومة مهما كان الدعم".

وشدد الحسن في حديثه لموقع "زوايا" وهو سفير الجامعة العربية الأسبق في لندن ودبلن، على أن الدعم يجب أن يأتي من الدول العربية، وأن الاخيرة تقف الى جانب الشعب الفلسطيني في غزة.

 وأضاف الحسن أن الدعم بالفترة الاخيرة لغزة جاء بمعظمه من الدول العربية والشعوب العربية. و"لهذا السبب فإن موقف حماس مع إيران يفقدها كثيرا من الدعم العربي ومن شعوب المنطقة"، وفق الحسن.

"إيران لن تنفع حماس"

و بشأن عدم تقديم الدول العربية دعماً عسكرياً لحماس كسبب لعلاقتها بإيران، قال عمر الحسن إن هذا ليس مبرراً لحماس بأن تنقطع عن عالمها العربي، مبيناً أن "ايران لن تنفعها".

واعتبر أن وجود حماس في اليمن وإلى جانب حزب الله وإيران وتعاملها مع ما وصفها "المنظمات المعادية" لمعظم الدول العربية لن يحقق مكسبا لحماس في المستقبل.

ودعا الحسن، حماس بوجوب أن تقوم ببعد متساوٍ مع إيران وغيرها، مشيراً إلى أن "إيران ليست هي من قامت بالحرب، فالخسائر فلسطينية، والشكر لكل من يدعم الشعب وصموده ومقاومته للاحتلال الغاصب ليس فقط إيران".

اقرأ أيضا: الأردن وفلسطين وحالة “السيولة الإقليمية”

وأضاف الحسن أن حماس موجودة بمحيطها العربي والمصري، ويجب أن "تقف موقفا عروبيا أكثر مما هو فارسي. ونحن نرفض مثل هذا الموقف المنحاز من حماس اتجاه إيران".

وأكمل: "لا ننكر أن حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما حققوا نجاحات في صد العدوان الإسرائيلي وأوجدوا حالة ايجابية وكشفوا الموقف الإسرائيلي المجرم بحق الفلسطينيين.

لكن يجب أن تستثمر حماس هذا الدعم من العالم، وليس فقط على مستوى إيران وكأن الاخيرة هي صاحبة النصر. فإيران تعمل لمصالحها واستراتيجيتها المعادية للعرب"، يقول الحسن.

وحول ما إذا كان الدور المصري في غزة بمثابة عامل يكبح التأثير الإيراني في غزة، قال الحسن إن مصر تعمل لمصلحتها الأمنية أكثر مما يكون الهدف فقط إبعاد حماس عن إيران، لهذا السبب تريد مصر أن تعود غزة قريبة منها أكثر من إيران.

المصدر : زوايا - خاص
atyaf logo