جميل عبد النبي يكتب لـ"زوايا":المرأة بين الواقع والطموحات

المرأة بين الواقع والطموح... فيما يتعلق بالمرأة سأسجل اعترافاً بعد قليل، لكن أولاً سأطالب باعتراف آخر، ليس مني وحدي، إنما منا جميعا.


أطالب الجميع بالاعتراف بأن معظم ما نقوله عن المرأة لا علاقة له بالمطلق الديني، ولا بالمطلق الأخلاقي.


وحتى ما نبحث له عن عناوين دينية، أو أخلاقية، إنما هو جزء من عادات وتقاليد نحن من صنعها، ليست كلها مرفوضةً.


والعكس أيضاً، لكنها ليست مطلقاً دينياً لا جدال فيه، ولا مطلقاً أخلاقياً غير قابل للنقاش.


ليس ذلك فحسب، إنما كثيراً ما تناقض بعض مسلكياتنا بعضها، ومع ذلك لا نجد حرجاً في وصف بعض متناقضاتنا بأوصاف ذات علاقة بالدين، أو الشرف، رغم أننا نفعل ما يناقضها إن احتجنا لهذا النقيض، ودون أن نعترف بالتناقض..!



مثلاً:


بعض نسائنا يعملن في مرافق تكتظ بالرجال، ونحن لا نرى في ذلك بأساً.


وهو بالفعل لا بأس فيه، بل البأس كل البأس في طرحه كمشكل يحتاج إلى فتوى، أو إلى مجرد بحث في جوازه، أو عدمه.


اقرأ أيضاً: “زوايا” تكشف خفايا المصالحة بين عباس ودحلان

لكن هؤلاء النساء ذاتهن اللاتي يعملن في المرافق المختلطة نمنعهن من مشاركتنا مجالس الرجال في بيوتنا.


بل إن معظم بيوتنا نهندسها على أن تُؤَمن مدخلاً ومخرجاً للضيافة يحول دون أي احتكاك لضيوفنا الرجال بنسائنا.


حتى- كما قلت- لو كنّ من العاملات، ولو كان هؤلاء الضيوف من بعض من يخالطونهن في مرافق العمل..!


عن نفسي لا أملك لهذا أي تفسير، إلا بأننا نغمض أعيننا عما نزعم أنه من دواعي عفة النساء إن كن سيجلبن لنا مالاً، أما إن انتفت مصلحة جلب المال فنعود إلى ممنوعاتنا.


هل منعهن من الاختلاط بالرجال في هذه الحالة كان مطلقاً دينياً؟ أو من دواعي الشرف؟!


مع تسجيلي هنا لاعتراض مبدئي على ربط فكرة الشرف بالنساء فقط بطريقة تجعل من إخفائهن، والتضييق عليهن شرفاً.


فالشرف يرتبط بالرجال كما يرتبط بالنساء، وللشرف مضامين أخرى كالوفاء، والشجاعة، والصدق، والنخوة، والمروءة.


لكننا ربطناه حصراً بالنساء لاتخاذه ذريعة للتقليل من شأنهن، ولجعلهن أقرب إلى الملحقات.


وربما أكثر قليلاً من درجة العبد المملوك الذي عليه أن يخضع دائماً لسلطة ورقابة سيده.



أما اعترافي الذي سأسجله هنا فهو كالتالي:


صدقاً أنا أعيش في تناقض فيما يخص المرأة، هذا التناقض سببه ما أؤمن به على المستوى الثقافي النظري، وما أستطيعه على المستوى العملي.



ودعوني أضيف:

لعلي أتذرع بقولي:" ما أستطيعه" كي أوحي لنفسي أولاً، وللقارئ ثانياً أن الذنب ليس ذنبي.


إنما ذنب عادات وتقاليد لا أستطيع كسرها، وهي بالتالي من تتحمل مسئولية تناقضي.


لكن شيئاً ما في داخلي يقول لي: إن المسألة ليست كما أدعي، إنما أنا ذاتي تم تكويني بطريقة لا تطيق ما صرت أؤمن به.


وأنني أجبن ليس عن مواجهة العادات والتقاليد، إنما عن مواجهة نفسي، التي طاب لها ما أقرته تلك العادات.


اقرأ أيضا: الشعبية لـ”زوايا”: نسعى لتكوين تيار ديمقراطي يكسر ثنائية فتح وحماس

المشكلة أنني ممن يتقنون صناعة الذرائع والحجج،!


والمشكلة الأخطر أنني أعرف أنني مجرد أحاول صنع الذرائع والحجج..! فهل رأيتم تناقضاً مزعجاً بهذا الحجم من قبل؟


في بحث سابق لي عن المرأة في القرآن الكريم لم أجد ما يجعلها دون الرجل في أي من المحطات.


لا في أصل الخلق، ولا في الثواب والعقاب، ولا في التصدر لمشهد حركة الاجتماع الإنساني، بل، وجدتهما متساويين، لا فضل لأحدهما على الآخر.


قد تفرض بعض الفروقات البيلوجية اختلافات في بعض الأدوار البسيطة، لكننا لم نكتف بما توجبه الفروقات البيلوجية.


إنما اتخذناها ذريعة لمطاولة البناء عليها، ولجعلها حجة نبرر بواسطتها كل ما لحق بالمرأة من ظلم في موقعها الإنساني.


فهي حقيقة لم تعد مساوية- في نظرنا- للرجل، إنما مجرد تابع، لا يمكنه إلا الاعتماد على سيده لمواصلة حياته.


ومن المؤسف أننا نزرع فيها منذ لحظات وعيها الأولى أن قدرها أن تكون كذلك.


وتنشأ هي على تقبل موقعها الجديد، وربما على رفض أي زحزحة لهذا الموقع، حتى ولو كانت هذه الزحزحة في صالحها.


يمكنني أن أُسلّم بسطوة العادات والتقاليد، بل وأن أُسَلّم ببعض ما فرضتها تلك العادات.


لكنني لا أستطيع التسليم باعتبار ذلك جزءاً من ثوابت الدين، ولا جزءاً من ثوابت الأخلاق، إنما نحن من صنعها.


ويمكن لغيرنا ألا يقبلها إن شاء، ولا شيء عليه، لا خدش في دينه، ولا عيب في أخلاقه، فهو لم يخالف ثوابت الدين والأخلاق، إنما اختار لنفسه ما لم أختره أنا، وأقدم على ما لم أستطعه أنا.


بعيداً عن التفاصيل الآن، فإن قضايا المرأة بالفعل تحتاج في مجتمعاتنا إلى الكثير من إعادة النظر.



فهي باختصار:

ليست مجرد مخلوق تابع للرجل، ولا مجرد مساحيق تجميلية لإكمال صورة الرجل.


بل إنها أخت الرجل، وشريكته، ومساويته.


وعلى هذا الأساس يجب فحص الكثير مما يخصها من مقولاتنا الدينية، أو تلك التي ننسبها إلى الشرف.


وهي ليست سوى مجرد عادات وتقاليد، أنتجتها مفاهيم تاريخية لم تعد موجودة الآن.


خاص زوايا: بقلم- جميل عبد النبي

مواضيع ذات صلة

atyaf logo