بقلم: د.غازي حمد
- معالجة أو تدوير للانقسام!!
واضح أن الفلسطينيين ذهبوا إلى الانتخابات بعد أن استنفذوا الخيارات الأخرى كالمصالحة والحوار الوطني ولم يجدوا فيها ما يروي عطشهم إلى الوحدة وترتيب البيت الفلسطيني، لذا فإن الانتخابات كانت الملاذ الأخير، باعتبارها الخيار الأسهل في كل الملفات التي وضعت على طاولة الحوار لأكثر من عشر سنين، ولأنها تجاوزت كافة القضايا الوطنية المعقدة التي واجهت الفرقاء خاصة البرنامج السياسي ومعالجة آثار الانقسام وتعزيز المصالحة المجتمعية.
قبل كل شيء، فإن الرئيس أبو مازن كان دوما يتمسك بالانتخابات كعامل حسم لحالة الانقسام ويدعو القوى السياسية إليها، وبالأخص حماس التي دعاها إليها أكثر من مرة، لكن حماس رفضت وشددت على ضرورة معالجة كافة القضايا المتعلقة بالانقسام، وحددت شروطا لقبول الانتخابات مثل: رفع العقوبات عن قطاع غزة، ورفع الحصار أو البدء بالمصالحة الشاملة، وأخيرا شروطها الخاصة بتزامن الانتخابات، غير أن أبو مازن أصر على رفضه لشروط حماس، وظل يضغط بقوة إلى أن تمت الاستجابة لشروطه باعتماد الانتخابات التشريعية كمدخل أولي دون تزامن مع الانتخابات الرئاسية أو المجلس الوطني.
لذا فإن الانتخابات جاءت في ظروف استثنائية، ولم تأت ضمن السياق الطبيعي الذي يقول بأنه يجب توفير أرضية مريحة للانتخابات من خلال معالجة آثار الانقسام والاتفاق على الرؤية الوطنية الجامعة، ومن ثم الانطلاق إلى سباق الانتخابات، لذا فإن الكثيرين يصفونها بأنها كمن يضع العربة أمام الحصان، ومن ثم يشككون في قدرتها على معالجة القضايا الشائكة التي تراكمت عبر سنوات الانقسام.
الفرقاء الفلسطينيون -خاصة حركتي حماس وفتح- يقولون بأن الانتخابات تشكل مخرجا مهما كونها تحتكم إلى الشعب وتقر الديمقراطية وتعيد ترتيب البيت الفلسطيني وتعيد احترام المجتمع الدولي للقضية الفلسطينية، غير أن هؤلاء الفرقاء للآن لم يقدموا أجوبة مقنعة للجمهور الفلسطيني على أن الانتخابات هي البلسم السحري، الذي سيشفي كافة الأمراض المستوطنة في الساحة الفلسطينية.
من هنا ينشأ الخوف بأنه إذا لم تنجح هذه المحاولة فإن الانقسام سيتعمق بطريقة أكثر صعوبة وتعقيدا، وستتعرض الحالة الفلسطينية إلى نوع من الانهيار في الأسواق الدولية، وربما يدفع إسرائيل إلى التوسع أكثر في مخططاتها الاحتلالية في الأراضي الفلسطينية.
بمعنى أدق: إعادة تصنيع الانقسام بصورة أكثر بشاعة وقبحا!!
- الوجه الآخر
هناك من يرى أن الانتخابات لها ما يبررها وما يمثل لها من ضمانة نجاح مثل موافقة غالبية الفصائل على إجرائها والدعم الإقليمي والدولي، وكذلك النسبة العالية في تسجيل الناخبين لأسمائهم في السجل الانتخابي.
ويرى هذا الفريق أن الانتخابات ليست العصا السحرية، لكنها بداية فعلية على طريق إنهاء الانقسام. صحيح أن لديهم تخوفات وشكوكا كثيرة، سواء على صعيد الثقة بين قطبي السياسة الفلسطينية حماس وفتح، أو على صعيد محاولات الاحتلال الإسرائيلي إفشال الانتخابات أو على صعيد قبول النتائج لدى المجتمع الدولي، لكن لا يوجد خيار أو بديل آخر عن الانتخابات يمكن اللجوء إليه.
اقرأ أيضا: قيادي في حماس يتوقع عدم فوز حركته بأغلبية في الانتخابات
واضح أن حماس كان لها دور كبير هذه المرة في تعزيز خيار الانتخابات، وصارت تدافع عن هذا الخيار بقوة، وتصدر صالح العاروري رئيس وفد حماس المفاوض مع حركة فتح الدفاع عن هذا الخيار والترويج له، ومعروف عنه أنه من القيادات البراغماتية التي تدرك المعادلة السياسية بعمق وتدعو إلى التوافق مع حركة فتح وتجاوز صفحة الانقسام، ومما عمق هذه الرؤية هي دعم قيادة حماس في غزة لهذا التوجه، وعبر عنه يحيى السنوار في أكثر من مناسبة.
الجهاد الاسلامي لديها موقف واضح بعدم المشاركة في الانتخابات باعتبارها تجري تحت سقف اتفاق اوسلو وتشرعن للمسيرة السياسية التي يقودها أبو مازن، لذا فإنها أعلنت مقاطعتها بشكل واضح للانتخابات التشريعية، أما الجبهة الشعبية فلا يزال موقفها مترددا وإن كانت تصريحاتها تقول بشكل واضح أنها ترغب أن تجري الانتخابات بعد التوافق على الرؤية الوطنية العامة.
- أسئلة بلا إجابة
إذا ما خرجنا من حالة الجدل الداخلي حول الانتخابات ومبرراتها فإنه سيتلقفنا السؤال الأكبر والمهم: وماذا بعد الانتخابات؟
الواقع الفلسطيني الغارق في تعقيدات كبيرة، تشعبت ما بين مراحل بناء السلطة وتحرير الوطن ومعالجة الفجوات الكبيرة في المعادلة الوطنية، يحتاج إلى إعادة (هندسة) هذا الواقع بحيث يعيد له اعتباره في المعادلة الإقليمية والدولية. ومن هنا حاجة الفرقاء الفلسطينيين إلى استنساخ معادلة (عبقرية)، خارجة عن المألوف والتقليد الذي دأبت عليه القيادة الفلسطينية منذ عشرين عاما لتصويب الحالة الفلسطينية وإعادتها إلى مسارها الصحيح.
واضح أن الفرقاء يعيدون ارتكاب نفس الأخطاء في ترحيل المشاكل والأزمات إلى ما بعد الانتخابات، وهذه الأخطاء تكررت في أكثر من مرة مما جعلها تتراكم وتتضخم وتعجز أي مؤسسة سياسية أو إدارية عن معالجتها.
سؤال ما بعد الانتخابات هو السؤال والتحدي الأكبر، والذي يشكل العامل الحاسم في ترتيب الحالة الوطنية. هل سينجح الفلسطينيون في الخروج من عنق الزجاجة الذي حشروا فيه لعقود وهم يحاولون الخروج منه؟ وهل يمكن بناء نظام سياسي مستقر في ظل احتلال يسلب كل الصلاحيات من السلطة؟ وهل يمكن معالجة القضايا الاقتصادية –خاصة في قطاع غزة – في ظل حصار محكم وتحكم في مقدرات الاقتصاد في الضفة الغربية؟ وهل يمكن للفرقاء أن يتفقوا تحت قبة البرلمان وهم مختلفون في برامجهم ومناهجهم السياسية، إلى غير ذلك من عشرات الأسئلة التي كان ينبغي الإجابة عليها قبل إجراء الانتخابات.
واضح أن الاسئلة كثيرة والإجابات نادرة وغير واضحة ولا حاسمة!! ومن ثم فإن الجميع ينتظر هذه التجربة دون أن تتوفر ضمانات قوية للنجاح، مما يعني أن الفشل في هذه المحاولة سيمثل أكبر انتكاسة تواجه الفلسطينيين، وربما تدفعهم إلى التوقف عن محاولات رأب الصدع والتفكير في خيارات أخرى تسلم بالواقع القائم.
اقرأ أيضا: حصري: “زوايا” تكشف تفاصيل حوار القاهرة والاتفاق على محكمة للانتخابات
إذا ما افترضنا أن الانتخابات جرت بشكل سلس فإن الفلسطينيين يسألون عن مدى ارتباط هذه الانتخابات بالمعالجات الوطنية، أي إعادة الاعتبار لمسيرة التحرر الوطني، أم أنهم سيستنزفون في سلسلة انتخابات (سلطوية) طويلة قد تسرق منهم عمرا كبيرا وتفسح الطريق أمام فرض وقائع خطيرة على القضية الفلسطينية.
إذا لم ترتبط الانتخابات بشكل جدي بتغيير الحالة الوطنية ورسم مسار جديد للعمل الوطني المشترك، خاصة إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير واعتماد برنامج وطني فإن الانتخابات ستكون فارغة المضمون وستفرز هياكل سلطوية وظيفية لا علاقة لها بالمسألة الوطنية.
ويعول الفرقاء الفلسطينيون على الوصول إلى مرحلة عقد المجلس الوطني من أجل إعادة بناء المنظمة، لكن العقبات التي تقف أمام إجراء انتخابات المجلس الوطني أو التوافق عليه ستكون كبيرة ومعقدة بسبب تناثر الفلسطينيين في بلاد عديدة، ومنها لا يسمح بإجراء الانتخابات أو مجرد الاعتراف بتجمع لهم فيه.
- خلاصة
على أبواب الانتخابات، ومع الترقب الكبير من قبل الشعب الفلسطيني لنتائج الانتخابات تظهر إشارات الأمل وعلامات القلق في نفس الوقت، وكل منهما يأخذ مكانه في الساحة الفلسطينية، وستكون الأيام القادمة، التي تسبق الانتخابات، جزءا من تقرير التوجه العام، إذا ما قرر الفرقاء الفلسطينيون الاندماج في قائمة وطنية واحدة أو قرروا الذهاب باتجاه تغليب الحزبية والانكفاء على قوائم أحادية. وما بعد الانتخابات ستكون الألغام في الطريق مزروعة في كافة الطرقات التي تقود إلى استقرار الحالة الوطنية والنظام السياسي، ومن ثم يتوجب على القوى السياسية أن تكون لديها مهارة في نزع هذه الألغام وحرث الأرض لتشكل تربة خصبة لمستقبل أفضل.