قراءة في الاتفاق الإيراني السعودي

الاتفاق الايراني السعودي
الاتفاق الايراني السعودي

الاتفاق السعودي الإيراني بعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الذي تم التوصل اليه في بكين يوم الجمعة الموافق العاشر من مارس الجاري بقدر ما كان مفاجئا وخصوصا بعد توقف مفاوضات سابقة في العراق وجد ترحيبا كبيرا من دول المنطقة ومن غالبية دول العالم المعنية بمنطقة الشرق الأوسط، كما أنه جاء في أجواء انفراجات بين دول المنطقة لتصفية الإرث الدامي لفوضى ما يسمى الربيع العربي، بدأت بمصالحات بين دول مجلس التعاون الخليجي ثم بينها وبين سوريا، أيضا تقارب وحوارات بين سوريا وتركيا وإيران، فهل سيشكل هذا الاتفاق نقطة فاصلة و منعطفا في جيوبوليتيك الشرق الأوسط؟

الاتفاق تضمن العديد من البنود الأمنية والسياسية والاقتصادية والتي تحتاج لوقت طويل لإنجازها، ولكن مجرد التوصل للاتفاق يعتبر حدثا مهما لأن عودة العلاقات بين البلدين مؤشر على إرهاصات تحول في العلاقات الاستراتيجية التاريخية، أولا بين دول الخليج والغرب حيث كل دول الغرب لها سياسة مناهضة لإيران، وأن تأتي الصين لإنجاز مصالحة سعودية إيرانية أمر يستحق الاهتمام، وإن كان من السابق لأوانه المراهنة على تحول استراتيجي في علاقة السعودية ودول الخليج العربي مع الغرب وتوجهها نحو الصين وروسيا حيث كل دول الخليج تحتضن قواعد أمريكية وغربية و تربطها بالغرب اتفاقيات أمنية وبعضها مرتبط باتفاقيات أمنية مع الكيان الصهيوني، وثانيا فالاتفاق قد يشكل نقطة تحول في العلاقة بين دول المنطقة وبعضها البعض حيث سينعكس إيجابيا على غالبية صراعات المنطقة: اليمن وسوريا والعراق ولبنان وفلسطين، فغالبية صراعات المنطقة مرتبطة بالخلافات الطائفية والسياسية بين أهم دولتين في المنطقة منذ الثورة الإيرانية عام 1979.

اقرأ أيضاً: ترجمة خاصة تجديد العلاقات الإيرانية السعودية: التداعيات

تعود جذور الخلافات بين السعودية وإيران إلى لحظة ثورة الخميني والإعلان عن تصدير الثورة لدول الجوار، آنذاك استشعرت الدول ذات الأقليات الشيعية بالخطر خصوصا العراق ودول الخليج وكان العراق الأكثر تلمسا للخطر بسبب خلافات حدودية سابقة ولأن في العراق أغلبية شيعية.

في حرب الخليج الأولى ( 1980-1988) وقفت دول الخليج بجانب العراق ومدته بالسلاح وكل أشكال الدعم اللوجستي لأنها كانت تتخوف من ثورة الشيعة في بلدانها وأن تؤدي هزيمة العراق إلى تهديد أمنها القومي، إلا أن هذا التحالف بين العراق ودول الخليج انهار عام 1990 عندما غزا العراق الكويت وأصبح العراق مصدر التهديد الآني لدول الخليج، وكانت حرب الخليج الثانية حيث تحالفت وشاركت دول الخليج وخصوصا العربية السعودية في حرب الخليج الثانية التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية وتواصل ه1ا التحالف إلى حين احتلال العراق ونهاية حكم صدام.

الاحتلال الأمريكي للعراق وهزيمة نظام صدام أطلق يد إيران في العراق كما فتح لها المجال للتمدد العقائدي والسياسي في دول المنطقة، وكانت فوضى الربيع العربي فرصتها للتدخل في الدول التي بها أقليات شيعية، فكان تواجدها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان وتحالفها مع الجماعات الشيعية في هذه البلدان، وحتى في الأراضي الفلسطينية المحتلة تحت عنوان دعم محور المقاومة.

هذا التمدد الإيراني بالإضافة لمشروعها النووي أثار مجددا التخوفات عند دول الخليج العربي، بنسب متفاوتة، وهو تخوف غدته واشنطن وتل أبيب وبالغت فيه، ،ومع ذلك حافظت كل دول الخليج عدا السعودية على درجة من العلاقات الدبلوماسية مع إيران وكانت عُمان والكويت وقطر الأكثر توازنا في علاقاتها مع إيران، وحتى دولة الإمارات وبالرغم من مشاركتها في حرب اليمن في مواجهة جماعة الحوثي وفي معارضتها لنظام الأسد في سوريا ودعمها لأطراف المعارضة وتطبيعها مع إسرائيل فقد حافظت على علاقتها مع إيران بل يتزايد التبادل التجاري بين البلدين.

اقرأ أيضاً: لصد هجمات المستوطنين.. "لجان الحراسة الشعبية" بحاجة لتعزيز وتوسيع

كانت السعودية الأكثر تلمسا لخطر التمدد الإيراني لأن للسعودية مكانة دينية عند السنة بل تعتبر نفسها ممثلة للسنة كما أنها الأكثر تعرضا لتداعيات حرب اليمن حيث قصفت صواريخ ومسيرات الحوثي مدنا سعودية، وفي لبنان شكل التواجد الإيراني من خلال حزب الله تهديدا للدور السعودي والذي ترز بعد اتفاق الطائف 1989.

أما بالنسبة للصراع مع الكيان الصهيوني فإن الاتفاق يشكل ضربة للحكومة الصهيونية وتبجحها عن التطبيع مع العرب، فإيران والسعودية معارضتان للتطبيع ويمكن أن يشكلا سدا في وجه التطبيع والسياسية العدوانية الصهيونية، كما أنه من المعروف أن إيران تدعم فصائل المقاومة الفلسطينية وتمدها بالسلاح وخصوصا حركة حماس بينما تصنف السعودية الحركة بأنها تنظيم إرهابي، فنأمل أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين تؤدي للتخفيف من التوتر في الساحة الفلسطينية. 

الاتفاق مهم ولكن دون كثير مراهنات لأن الدولتين ليسنا الفاعلين الوحيدين في سياسات المنطقة وواشنطن وتل أبيب ستعملان على وضع عقبات أمام التقارب بين إيران ودول المنطقة، كما أن بعض الأطراف السنية ستشعر بالقلق وتتخوف من تراجع الدعم السعودي لها، ومع ذلك الاتفاق يرهص لتحولات في المجالات التالية:

1-     التخفيف من حدة الصراعات المذهبية في المنطقة.

2-    تخفيف حدة الصراعات في اليمن وسوريا ولبنان.

3- كبح جماح التطبيع الإسرائيلي مع دول المنطقة.

4-    تراجع الدور المهيمن لواشنطن والغرب في المنطقة.

5-   إعادة النظر في المشروع الأمريكي حول الشرق الأوسط الجديد والكبير والذي كانت تُنظِر له الإدارة الأمريكية في عهد أوباما.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo