في الماضي، في أيام أخرى، كان حادث مثل الذي وقع أمس (الاثنين) في خان يونس كفيلاً بإنهاء القتال في قطاع غزة. دبابة إسرائيلية أطلقت قذائف باتجاه مجموعة من الأشخاص على سطح مستشفى ناصر. ووفقاً للفلسطينيين، فقد قُتل 20 شخصاً جراء القصف، من بينهم أربعة صحافيين وخمسة من أفراد الطواقم الطبية. القذيفة الثانية وُثّقت ببث مباشر من قِبل طواقم تلفزيونية، والتصوير يُظهر بوضوح أن بين الضحايا عناصر من فرق الإنقاذ. عشرون قتيلاً من قذيفتين هي نتيجة استثنائية للغاية؛ ولا يمكن حتى الآن استبعاد احتمال أن عدد القذائف كان أكبر مما يدّعيه الجيش الإسرائيلي في ردوده الأولية.
لكن بعد ما يقرب من عامين من الحرب التي بدأت بمجزرة مروّعة نفذتها حماس، وأسابيع يُقتل فيها عشرات المدنيين الفلسطينيين يومياً بنيران الجيش الإسرائيلي من دون أن يكلّف أحد نفسه عناء شرح الملابسات، يواجه الحادث في إسرائيل لامبالاة شبه تامة. وللرد على الإدانات في الغرب وعلى التغطية النقدية في الإعلام الدولي، نشر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو متأخراً تعبيراً عن الأسف، باللغة الإنجليزية فقط. جاء ذلك بعد دقائق قليلة من أن بدا الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، متفاجئاً عندما أخبره صحافيون عن الحادثة، بعد ساعات طويلة من وقوعها.
حتى الناطق باسم الجيش، العميد إفي دفرين، أصدر بياناً بالإنجليزية. وعلى ما يبدو لا أحد يعتقد أن الجمهور الإسرائيلي يحتاج إلى معلومات مباشرة عمّا يُفعل باسمه في القطاع. على العكس: في القناة 12 يسارعون إلى الإعلان أن ثمانية من القتلى جرى التعرف عليهم كمسلحين، ويعرضون أسماء أسرى كانوا محتجزين في المستشفى في الماضي. أما القناة 14 فانتقدت بشكل استثنائي نتنياهو على “بيان عبثي” (أو بالأحرى، أحد صحافييها فعل ذلك).
لا أحد يرغب أن يكون مكان طاقم الدبابة الذي أطلق القذائف، أو القادة الذين قرروا على هذا القصف. الجنود يعملون داخل بيئة مدنية مدمرة، ما زال يتهددها خطر كبير. فكل أسلوب عمل حماس قائم على شنّ هجمات من داخل التجمعات السكانية، حيث يُستخدم المدنيون كدروع بشرية. إطلاق النار على مستشفى يتطلب مصادقة من مستوى عالٍ، في رتبة لواء. وحسب التحقيقات الأولية في الجيش، من المشكوك فيه أن تكون مثل هذه المصادقة قد أُعطيت. من رد الجيش يتضح أن القصف استهدف أشخاصاً كانوا يحملون كاميرا على السطح، وقد شوهدوا هناك أكثر من مرة في الأيام الأخيرة. الافتراض كان أنهم مراقبون تابعون لحماس يتعقبون القوات.
ومع ذلك، كان معروفاً أيضاً أن صحافيين يعملون في محيط المستشفى ويبثون باستمرار منه. فلماذا لم يربط أحد بين هذه الحقائق؟ الحجة الإسرائيلية باتت أقل إقناعاً، خصوصاً أن الجيش أعلن مؤخراً أنه قتل عن قصد صحافيين عملوا مع قناة الجزيرة، بحجة أنهم في الوقت نفسه كانوا ناشطين في حماس. من يأخذ على عاتقه مسؤولية قتل صحافيين، سيجد صعوبة في الادعاء أن المرة هذه كانت غير مقصودة.
حادثة الأمس لن تؤدي مباشرة إلى إنهاء الحرب، لكنها قد يكون لها تأثير تراكمي. فهي تضاف إلى ما هو معروف عن الضغط والتآكل في وحدات الجيش النظامية والاحتياط، مع استعداد الجيش لاستدعاء عشرات آلاف من قوات الاحتياط لتحمل العبء في العملية المخطط لها في مدينة غزة. كل هذا يتقاطع مع موقف رئيس الأركان إيال زامير، الذي يسعى حالياً إلى دفع صفقة لإعادة الأسرى، أو على الأقل نصفهم.
لا يوجد شخص في القيادة الإسرائيلية العليا يريد صفقة أكثر من زامير. ذلك مرتبط بالتزامه تجاه الأسرى، وبينهم جنود أرسلهم الجيش للدفاع عن مستوطنات غلاف غزة في ظروف مستحيلة يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. وهو نابع أيضاً من إدراكه أن المسار العسكري، كما تراه الحكومة، لن يؤدي إلى تحرير الأسرى بل قد يعرّض حياتهم للخطر.
الكابينت سينعقد اليوم، لكنه لن يناقش مقترح الوسطاء، بعد ثمانية أيام من ردّ حماس الإيجابي عليه. لو كان نتنياهو والوزراء يبالون حقاً بمصير الأسرى، لما ضاع المزيد من الأيام فيما وضع العشرين أسيراً الأحياء بات معروفاً للجميع.
ترامب صرّح أمس مجدداً أنه قد يكون وأحد أو اثنان من بين العشرين أسيراً لم يعودوا أحياء. إسرائيل تنفي بشدة – لكنها بدأت تشك أن ثمة من يسرّب معلومات مضللة للرئيس الأميركي، أو يُبقيه عمداً بعيداً عن معطيات دقيقة. ترامب يبدو أكثر فأكثر منفصلاً عن مجريات الأحداث في غزة. في المقابل، قدّر مساء أمس أن “في غضون أسبوعين أو ثلاثة سيكون هناك نهاية للحرب”. سمعنا وعوداً مشابهة لم تتحقق، من إسرائيل إلى أوكرانيا. ومع ذلك، يبدو أن الرئيس هو الشخص الوحيد الذي لا يزال قادراً على فرض صفقة تؤدي إلى إنهاء الحرب في القطاع.
عموس هرئيل – هآرتس
26 آب/أغسطس 2025
ترجمة: مصطفى ابراهيم